مي قبل ساعات من محاولة اغتيالها
إيمان إبراهيم من بيروت: عندما أطلّت في برنامج quot;نهاركن سعيدquot; في ذلك الصّباح المشؤوم، يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول الماضي، لم تكن تدري أنّ ذلك النّهار سيكون أسوأ أيّام حياتها، أو أفضلها من يدري؟ فقد كتبت لها الحياة من جديد، انتصرت على خمسين كيلوغرام من المتفجّرات كانت مركونة تحت مقعدها، وعلى أعداء الحريّة الذين تربّصوا بها، قهرتهم قبل أن تقهرها تلك القيود التي بات لزاماً عليها أن تعيش معها بقيّة حياتها. انتظرنا إطلالتها عبر شاشة المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال التي احتضنت مسيرتها الإعلاميّة في برنامج quot;الحدثquot;، كنّا نتهيّب اللقاء، نخجل من النّظر إليها، من الثّمن الغالي الذي دفعته، نشعر بالانحناء أمام كبر مأساتها، قبل أن تشعرنا بالخجل من جديد من صلابتها، وقوّتها، وإرادتها التي لا تقهر، كانت اقوى منّا نحن الذين حملنا همّها في رحلة آلامها، التي بدأت حين أنقذتها العناية الإلهية، لتصحو على واقع أليم.
مشرقة بدت مي شدياق العائدة قريباً إلى أرض الوطن، مرحة، متصالحة مع واقعها الجديد، مؤكّدة أنّها ما كانت تتمنّى هذا المصير، وأنّها عملها قد ينسيها مأساتها.
مي التي ستعود قريباً في برنامج سياسي خاص، لن تترك منبر quot;نهاركن سعيدquot; الذي انطلقت منه أولى شرارات الحقد على تلك الإعلاميّة، التي تجرّأت على تخطّي الخطوط الحمر في زمن القتل والإرهاب، ولا نشرة الأخبار التي افتقدتها طويلاً.
جريئة بدت مي حين تحدّثت عن مأساتها، مستذكرة تفاصيل أليمة بعيد الانفجار الذي أفقدها يدها وساقها، ولم يفتها الحديث عن الأطراف الصّناعيّة التي لا ترتاح إلا حين تنزعها، معربة عن سعادتها باليد التي صمّمت لها، لأنّها تشبه يدها إلى حد كبير، وتحدّثت بجرأة مع زميلتها شدا عمر عن افتقادها إلى الاستقلاليّة بعد إصابتها، وكيف تعلّمت أصول وضع الماكياج بيد واحدة.
لم تنفعل مي إلا حين تحدّثت عن زميلها الرّاحل جبران تويني، الذي زارها قبل يومين من اغتياله، تذكرت حين خرج جبران غاضباً من المستشفى حيث كانت لا تزال ترقد في غيبوبة تامّة، وصرّخ أمام الكاميرات بأعداء الحريّة، متسائلاً لماذا حاولوا اغتيال مي وتركوه هو، لم يكن يدري أن أيّامه هو الآخر باتت معدودة، وربّما كان يدري ويتحضّر لمصيره، لكنّ مي لم تستوعب حتّى الآن ما جرى مع جبران، الذي اكتشفت بقايا من جثّته بعد شهور على دفنه، ليدفن مرّتين، ويكبر الجرح الذي لم يندمل منذ اغتياله.
تحدّث مي عن الأساليب البدائيّة التي استخدمت في التّحقيق معها، وعن تحوّل رموز سلطة الوصاية إلى موقع المعارضة، وارتفاع أصواتهم من جديد وكأنّ تلك الدّماء لم تسفك في سبيل الحريّة، لم تكن خائفة من المستقبل الذي ينتظرها، بقدر خوفها من أن تضيع تضحياتها في غمرة التسويات.
قريباً ستعود مي شدياق، لتؤكّد أنّها أقوى من آلة الحقد تلك، التي نجحت في بتر أطرافها، لكنّها لم تنجح في إطفاء تلك الشعلة، التي أنارتها في ذلك اليوم، حين أنقذتها العناية الإلهية لتكمل رسالتها، في زمن تشترى فيه الكلمة وتباع.