هاني نديم ـ إيلاف: يمكنني القول أن هناك شخصيات محورية ضمن المشاهد الدرامية حضورها حضور وغيابها حضور، لا تتم الأحداث دونها. وحتى لو لم تكن في المشهد إلا أنها تشكل المرجعية للذاكرة والتي يقف عليها العمل الدرامي)، جاء ذلك على لسان مارتن ألسن صاحب الكتاب الشهير تشريح الدراما، وهو كلام دقيق ولافت ومنصف أيضاً لكثير من الشخصيات الدرامية المؤثرة والتي لا يخضع تأثيرها إلى مساحة الدور الذي تجسده أو عدد المشاهد التي تمثلها.
الممثلة المصرية هبة عبد الغني نموذج لتلك الشخصية المحورية التي تكلم عنها ألسن، بوعيها الدرامي وتمثيلها الذي يشكل أحد ملامح العمل بشكلٍ لا يمكن إغفاله، إيلاف التقتها في القاهرة في وقتٍ كانت تحصد فيه ردود فعلٍ جميلة عن فيلمها الأخير ألوان السما السبعة مع ليلى علوي وفاروق الفيشاوي.

هبة عبد الغني تبدأ حديثها مجيبةٍ على محاولتي في التعرف عليها من خلال الأوراق الرسمية: quot;ما زالت هبة عبد الغني تشبه هبه عبد الغني!، خريجة كلية الآداب جامعة الاسكندرية من قسم الدراسات المسرحية، مصرية اسكندرانية، عمري 31 عاماً و بعض الشهور لا أخفي منها يوماً!..عضو نقابة المهن التمثيلية، فنانة إن جاز التعبير أمارس التمثيل والغناء بشكل محترف، وأجيد الكثير ولكني أتعامل معه كهواية.

bull;هل تستطيعين تحديد الدافع وراء اختيارك للفن دون غيره؟
ـ دخلت عالم الفن بالصدفة من خلال ممارستي له في فريق التمثيل بكلية الحقوق بجامعة الاسكندرية التي كنت انتمي لها قبل تحولي إلى كلية الآداب قسم مسرح بناء على رغبتي، ...الدافع وراء الفن شئ ما بداخلي منذ الصغر ولا أعلمه.
bull;ما هي الدراما من وجهة نظرك، وما الرافد الثقافي والمعرفي الذي تعتمدين عليه في تنمية أدواتك الدرامية؟
ـ أود أن أشير إلى أنني لست باحثة مختصة، وبالتالي، رأيي يخصني فقط ولا يجب أن يـكون مسلماً به أو دقيقاً بالضرورة؛ أنا أرى الدراما هي فن إعادة تجاربنا وخبراتنا ومخاوفنا وأمانينا وأحلامنا وآرائنا وثقافتنا ومشاكلنا وأزماتنا بصيغٍ أخرى لتظهر في سياق مرئي منفصل عنا، يتلقاه الآخرون باستمتاع أو رفض، باهتمام أو إهمال!. أما عن رافدي الثقافي و المعرفي هو أنا ومن يحيا معي على هذا الكوكب، وكل ما هو مرأي و مسموع ومقروء يمكنني الوصول إليه، (الكل شيء) هو أساس ما اعتمد عليه لتنمية أدواتي كفنانة.

bull;ما الصعوبات التي تواجه الفنان في بلادنا، وما التحديات التي واجهتك شخصياً؟
ـ أكبر الصعوبات التي تواجه الفنان أنه يظل في حالة من الفوضى وعدم التنظيم مؤساتياً واجتماعياً، والجهل أكبر التحديات التي تواجهه، وهو أكبر تحدٍ واجهني طيلة 9 سنوات أمارس فيها الفن بشكلٍ محترف.

bull;تنطلقين من مفهوم واعٍ درامياً وتتبعين ذلك بثقافة وقراءة وبحث، كم نسبة من يعملون في الوسط بنفس تلك المرجعية المعرفية؟
ـ أشكرك ولكن إن لم يكن هناك من يمارس فنه وهو واعٍ معرفياً لكانت مشكلة، هنالك نسب تكفي بشكلٍ ما لمواجهة الفساد والادعاء والزيف ولولا تلك النسبة لهوى وسقط الفن بأكمله في بلادنا منذ زمن.

bull;من تتابع هبة عبد الغني عالمياً ومحليا؟
ـ عالمياً كانت متابعتي مقتصرة كمعظمنا على السينما الأمريكية لفترة طويلة بنجومها إلى أن وقعت على مجموعة أفلام أوربية حصلت عليها من صديقة إيطالية لأجد فيها شيئاً آخراً مختلفاً عما تعودناه من السينما الأمريكية، دراما صادقة وبسيطة وشديدة الرقي بعيداً عن الأسماء اللامعة. مثل فيلم Pane e tulipani أو فيلم La finestra di front، وأفلام المخرج المتميزGatlif
أما عن نجومي فهم أمريكيون في الغالب مثل جوليا روبرتس وآل باسينو وروبرت دينيرو وميغ رايان ونيكولاس كيج وتوم هانكس.

bull;من خلال عملك بالسينما كيف تصفين حالها اليوم، وماذا عن مشاركاتك بشكلٍ خاص؟
ـ حالها اليوم أفضل نوعاً ما مما كانت عليه منذ عدة سنوات، وأستطيع أن أصف مشاركاتي بأنها خاصة وتخضع للمجهود الذاتي فما زلت أخطو خطواتي الأولى طالما أنني لم أصبح بعد من نجمات الشباك اللاتي تطلبهم شركات التوزيع.

bull;ما مواهبك الخاصة مع التمثيل، ما هي قراءاتك مثلاً ولمن؟
ـ الغناء، تصميم الأزياء و تفصيلها أحيانا لبعض شخصياتي، إلى جانب صيد الأسماك وركوب الخيل وصنع أكلات مبتكره أحياناً. قصتي مع القراءة قصة طويلة، فقد بدأت بقراءة كتب والدي التي كانت يخفيها عني وعن أخوتي (التي أنا أكبرهم) لأنه يراها غير مناسبة لعمرنا ومداركنا، وعندما لحظ أننا نقرأها من دون علمه بدأ في شراء كتب لنا تناسب أعمارنا ثم بعد ذلك قرأت الروايه (نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم) ثم بدأت في القراءه للمسرح نقداً و تاريخاً و نصوص أثناء دراستي له ثم تحولت وجهة نظري في القراءه لأقرأ ما أنا لست متفقة معه نظرياً لأحاط به إلى أن وجدت نفسي أقرأ كل شيء وأي شيء يقع في يدي، على أنني ما زلت أفضّل المترجمات.

* ما الغاية من عملك هبة، إلام تطمحين وإلى أين تريدين الوصول؟
ـ لم أطمح لتحقيق ثروة من عملي كممثلة و لا إلى نيل الشهرة والصيت ولا إلى الزواج من شخص لا مثيل له في القوة والأهمية!، أنا أمثل وأعمل كفنانة بسبب رغبتي في ترك ما هو نافع للآخر بعد مماتي، ولعلني أستطيع المساعدة في تغيير الأوضاع لما هو أصلح من خلال عملٍ أشارك فيه أو كلمة أقولها ينتبه إليها شخصٌ ما في مكانٍ ما ليتحرك إلى ذاته يراها ويصدقها ويستمع لها ليشترك معها في عمل ما لربما ينال سعادته، هذه سعادتي التي لا يساويها مالٌ أو شهرةٌ ولا شيء آخر. دعني أعترف لك أنني أصبح في شدة الخجل عندما يلتفت إلي الناس كوني فنانة ويثنون علي وأحاول أن أجد مهرباً.

* إلى أي حد يختلف العمل في التلفزيون عن العمل في السينما، وهل هنالك أخلاقيات مهنة وقواعد احترافية تضبط العمل فيهما؟
ـ لدي تشبيه إن جاز لي، التلفزيون يشبه وجبة يقدمها لك الآخر ولا يعرف ماذا تفضل بل اعتمد على تخمينه والسينما هي وجبتك المفضلة التي تذهب إليها أنت!. وعليه يمكن تفسير آلية العمل إنتاجيا في التلفزيون الذي يعمل بمنطق الوجبات السريعه المتعددة الأصناف حتى لتشعر أحيانا بلا منطقيتها ويجعلك تدهش من حجم الميزانيات وسرعة التحضير وبطبيعة الحال تصبح قليلة الجودة والهدف دائماً ساعات بث و إعلانات أكثر.
السينما مازال لديها فرصة أكبر في إحراز جودة عالية إيراد عالي في ذات الوقت....أحياناً أصاب بالعصبية والإحباط عندما أعمل في التلفزيون أحياناً لكنني أبداً لا أقوم بأداء مشهد واحد في السينما بدون الاستمتاع به فكل ما يحيط بي يساعدني علي ذلك في العمل السينمائي ولذلك حجبت نفسي عن العمل التلفزيوني هذا العام إلا ما كنت مرتبطة به من مدة إلى أن ياتيني عملٌ جاد لا يعتمد على السرعة ولا يحولنا فيه التلفزيون إلى موظفين بدلاً من استمتاعنا بما نقدم.
أكتفي بالسينما وعملت مؤخراً بعض التجارب الروائية القصيرة المميزة وأتلقى ردود الفعل الجميلة حول فيلم ألوان السما السبعة للمخرج المميز سعد هنداوي، وفيلم صياد اليمام لاسماعيل مراد.

* تثير النقابة المصرية اللغط هذه الأيام في الكثير من قراراتها، كضوابط عمل غير النقابي وعمل الفنانين العرب، هل لك وجهة نظر في ذلك؟
ـ للأمر شقان، هما ضوابط العمل المهنية والنقابية أولاً والمستوى الفني للأعمال المقدمة ثانياً، تقنين عمل غير النقابيين أمر منوطة به النقابة، وكل ما يخصّه هو من صميم مهام النقابة وعلى رأسها النقيب؛ أما المستوى الفني للأعمال المقدمة فهو مسؤولية القائمين على العمل الفني ولقد تم الخلط بين هذين الشقين وتدخلت آراء شخصية في الأمر لإلصاق الخطأ بالنقيب والنقابة، وكما هو الحال في كل النقابات من حق النقيب تعديل وإصدار قرارات لتنظيم العمل و هذا ما قام به النقيب الدكتور اشرف ذكي الذي أراد السيطرة على بعض المخالفات التي تضر بمصالح الأعضاء وبالعمل الفني المصري ككل، ولم يقصد مهاجمة الفنانين العرب في مصر بل أراد الحدّ من الظواهر التمثيلية الطارئة على الفن الدرامي، ولا يوجد له مصلحة شخصية برأيي، والدليل أنه استثنى عدداً من الفنانين العرب المبدعين.