عبد الجبار العتابي من بغداد : سماته الابداعية عالية ، وقدرته على الاقناع كبيرة ، فهو يضحكك اذا ما تحدث او جاء بحركة ما ، ومن لا يتذكره في اعماله التلفزيونية ، فقطعا لن ينساه في مسرحية (البستوكة) ، وقد كان (ترارا) اسما ألتصق في الذاكرة الجمعية للناس ، عبر تلك الكوميديا السوداء التي حملت نفسها لتنشر الضحك على الناس ، انه خليل عبد القادر الفنان العراقي الجميل الاداء الفقير الحال ، الكوميدي الروح ، المتألم من (التراجيديا) التي تضرب حياته وتجعله يقف طويلا امام تاريخه الفني ويشعر بالبؤس يتقطر من ثناياه ، لانه ما عاد قريبا من وجه الكاميرا التلفزيونية ، ولا عاد يرغب في القفز على خشبة المسرح ، خليل عبد القادر ألتقيته بالمصادفة .. وهو الغائب منذ وقت طويل عن ساحة العمل والنشاط ، ولا يظهر الا قليلا حسب المصادفات ، تحدثت معه فحدثني بحرقة وألم بكل ما في نفسه من وجع ، كانت الكلمات تخرج من اعماقة محترقة تلتهب ثم سرعان ما تنطفيء وقد ضاع جزء منها ، انه حزين على ما آل اليه حاله وقد مر في مرحلة من الغياب لم يسأل عنه احد ، ولم يمر على بال فرقته الام الفرقة القومية للتمثيل حين كانت تحتفل بذكرى تأسيسها ، مع خليل عبد القادر تأوهت وحزنت ،خليل عبد القادرفي حوار لإيلاف:

اين انت لم نعد نراك الا بالمصادفة ؟
انا منقطع منذ اربع سنوات ، بعد ان مثلت مسلسلا من ثلاثين حلقة هو (فضولي بغداد) مثلته بعد صيف عام 2003 ، لكنني لم انل حقي كممثل درجة اولى ، وصار هناك من يأتي وهو ممثل درجة ثالثة ويشتغل تسع او عشر حلقات ويأخذ اجورا اكثر مما اخذ ، اتقاضى عن الحلقة الواحدة ورقة واحدة (100 دولار) واكمل عملي في شهرين ، انا اعاني من مشكلة تقييم الفنان واجوره ، هل تصدق انني اتقاضى كما يتقاضى الذي جاء بعدي بعشرين سنة او ثلاثين سنة ، انا ارخص منهم .
ولكنك في قلب الناس ، والناس تريدك ؟
انا اعرف انني في قلوب الناس ، ولكن أليس من خق الفنان الاصيل حقه لكونه ساكتا وخلوقا ، الان آلاف (الدروب) يمارسها بعض الفنانين من اجل مصالحهم الخاصة واستجداء مبالغ من هنا وهناك ، وكم اتمنى ان بقف الفنانون وقفة واحدة ويدا بيد في انصاف حق الاخر .

هل مازلت بلا عمل ؟
اعمل الان ، فقد تلقيت دعوة من الاخ الفنان قاسم الملاك المشرف الفني في قناة البغدادية للمشاركة في مسلسل (بيت البنات) ومن ثم في مسلسل (النخلة والجيران) مع المخرج جمال عبد جاسم ، وانا لن احاول مع هذا المخرج او ذاك لانني اعرف ان لا علاقة لي معهم .
ما دورك في مسلسل (بيت البنات) ؟
امثل شخصية المواطن (هوار) كردي من شمال العراق ، يعمل تاجرا ، فيتعرض محله التجاري الى السرقة من قبل لصوص مافيات ، ويبقى الكردي البريء يبحث عن حقه في دوامة .

وفي النخلة والجيران مادورك ؟
شخصية (عبود) صاحب المقهى الذي يعشق محلته ، رجل بسيط لكنه يدخل في السياسة حيث كانت آنذاك النزعة الهتلرية .
ايضا صاحب مقهى ، هل هي مصادفة ان تؤدي دائما شخصية صاحب مقهى؟
والله انا لا افهم هذه الحالة ، فدائما يعطونني دور صاحب مقهى ولا ادري لماذا ، هل هي مقصودة ام هي مصادفة ، خاصة انني استطيع كممثل ان اجسد كل الشخصيات ، وانا مثلك اتعجب لذلك .
اي الدورين فيه كوميديا ؟
الاثنان فيهما كوميديا ، شخصية (هوار) الكردي من خلال اللهجة ، حيث يتكلم العربية بطريقة مكسرة ، وهنا تظهر الكوميديا من خلال بساطته ، وهي كوميديا مواقف ، وانا لا اقصد الكوميديا التهريجية ، اما (عبود) فتظهر كوميدياه فطرية كالتي يعيشها البغدادي قبل ستين سنة ، فيها سذاجة وفيها بساطة ولهجة اهل بغداد ، وفيها تعلقه بهتلر ، وقد اظهرته عاطفي ومزاجه متقلبا ويعيش محنة المحلة حيث ملتقى الجميع في (مقهى حنش) .
خلال السنوات الاربع .. ألم تعرض عليك اعمال ؟
عرضت علي بعض الاعمال ، ولكنني لست من النوع الذي يذهب الى دول الجوار ويعيش في الغربة ويتسكع في الفنادق ، الفنان ان لم يكن لديه جو مهيأ للراحة لا يمكنه ان يؤدي دوره بشكل صحيح ، اين اجد الراحة هناك وانا اظل ابحث عن غرفة في فندق ؟ ، خليني انام في المسرح الوطني وسأؤدي لك دوري كأي فنان متواضع ، قد يكون هناك تقصير مني لعدم تواجدي في (مسطرالفنانين) الذي هو المسرح الوطني الان ، انا في العادة المخرجون هم يبحثون عني ، هل يجب ان ادعهم يرونني وامر من امامهم كي يرونني ، انا لا احب التنقل .
هل راودك شيء من الحزن لغيابك هذه المدة بدون عمل ؟
شعرت بحزن ومرارة لانني لم اكن امام كاميرا التلفزيون ، ولانهم لم يعطونني حقي ، خلوني حالي حال من اتى للفن بالامس ، انا فنان متميز ولي تاريخي الشخصي ، فلماذا اكون حالي حال الاخرين الذين اتوا بعدي بسنوات ، لذلك كان علي ان احترم نفسي واظل بلا عمل ، واظل اشعر بالمرارة والحزن .

الفنان خليل في لحظة تأثر
هل تابعت المسلسلات التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة ؟
اسمع ان هناك اعمال جيدة واعمال غير جيدة ولكنني بسبب الكهرباء لم اشاهد الا حلقة او حلقتين من بعض المسلسلات ، ولا يمكن ان احكم عليها طبعا ، ولكنني كنت اتمنى ان لا ينسى المخرجون والمنتجون الفنانين القدامى ، ولا يطالبونهم ان يتواجدوا في (مسطر العمال) ، لا اقبل على نفسي ان اكون هناك بحثا عن مخرج يشاهدني ليعطيني دورا ، وهناك من يقول : خليل لايقبل ، هناك بدلاء ، كائن من يكون ، والاجور تكون اقل مما يأخذه خليل .
هل تشعر بالغبن فعلا ؟
بالاجور التي تعطى لي ، لابد ان يكون الفنان في بحبوحة طيبة من العيش ، هل هذه عدالة ان نظل نتقاضى اجورا بخسة جدا ، لينتبه المسؤولون الى الفنان العراقي .
اينك من المسرح اذن ؟
ابتعدت عنه تماما بعد ان امضيت على خشبته اكثر من (25) سنة ، تسألني عن المسرح ، آه ثم آه ، جماعتي (شبعوا) زمالات وايفادات ، الفرقة القومية للتمثيل كلها علاقات ، ولم انل منها حقي كما ناله الاخرون من اصحاب العلاقات ، على الرغم من انني حصلت على جائزة افضل ممثل عام 1980-1981 في استفتاء كبير ، الى متى تبقى العلاقات تتحكم في الفرقة القومية من ذاك الوقت الى هذا الوقت ، هل لانني مستقلا ونظيفا وفنانا ؟ ، انا احد مؤسسي الفرقة هذه من عام 1969 فيها ولحد الان ، وان كنت (طلعت) على التقاعد عام 1997 بعد اصرار مني لانني تعبت ، ليس من العمل بل مما ارى ، كانوا يوزعون الايفادات بينهم ، وانا اتساءل : الى متى تتحكم الشقق والمائد والدجل والنفاق والتملق ؟ ، طبعا الفنان الاصيل ينسى ، لان من يوزع الايفادات يريدها له ولبطانته ، لينتبه المسؤولون الى هذه القضية ، الى الفنانين المغبونين وليس الى الذين فقط في الواجهة دائما ، فهناك من يعمل بصدق ، ويكفيني شرف انني مثلت مع الفنانتين زينب وناهدة الرماح ، واذكر انني تقاضيت انذاك مبلغ عشرين دينارا مقابل ثلاثة اشهر عمل ، في النخلة والجيران وفي البستوكة وحكاية الرجل الذي صار كلبا وستة دراهم ، الان يتقاضون الملايين والفنان الجيد لم يخطر على بال احد .
ما الذي تأمله وترجوه الان ؟
املي ورجائي وانا في هذا العمر ان اجد فنا وتقييما للفنان ، للاسف الان هناك مافيات و (كروبات) تسافر دون غيرها من ذلك الزمان الى هذا الزمان والفنان النظيف خارج قوس .
ألم تنل تكريما كونك من مؤسسي الفرقة القومية للتمثيل ؟
- كرموني عندما تقاعدت بـ (1300) دينار اشتريت بها مداسا بعد خدمة 26 عاما ، لم يكرمني احد ولم يتذكرني احد وللا احد سأل عني ، لكوني لا اختلط كثير لانني لااحب الاختلاط ، الفرقة القومية لم تضف لي شيئا ، انا اضفت لها ، أي مخرج فيها لم يضف لي ، انا عشت بموهبتي وطاقتي ولكن مع الاسف انا ممن لا يحبون السهر ولا الخحفلات .
* مازلت تتحدث بحرقة لماذا ؟
- طبعا لانني لن انل حقي كاملا ولا نصفا منه ، هل تصدق انني تعرضت للفصل سنة 1988 لانني لم اشترك مع الفنانين في قراءة نشيد من اناشيد ذلك الزمان ، وبعد ذلك خجل وزير الثقافة آنذاك لطيف الدليمي من نفسه والغى قرار الفصل ، انا لم اكن (اكمز) معهم ولم انشد معهم ولم استجد من احد ولم اطلب دورا من احد ، حتى لو كان طعامي كسرة خبز ، انا اقتنع بها ، انا اتمنى ان يعطى للفنان الجيد حقه ، من اكفأ مني وقد تم اختياري واحدا من افضل فناني العراق ، انني اتحدث بحرقة حين اجد نفسي مغبونا وارى الاخرين ممن هم اقل مني ينالون حقوقهم وزيادة ، والحمد لله على كل حال.