كامل الشيرازي من الجزائر : بدأت الجزائر، هذه الأيام، خطة لترميم أحد أعرق مساجدها، وهو quot;جامع كتشاوةquot; الشهير وسط العاصمة الجزائرية، الذي تمّ بناؤه سنة 1613 م إبان زمن الحكم العثماني للجزائر، وصار هذا المعلم المصنف كقيمة أثرية دولية، مهددا بالانهيار، ما فرض المسارعة بإقرار أشغال ترميم مستعجلة.

وقالت مسؤولة محلية أنّ quot;صومعةquot; مسجد كتشاوة صارت تشكل خطرا حقيقيا بحكم وضعيتها المزرية، بيد أنّ quot;بديعة ساطورquot; اعترفت بأنّ هذا المسجد الذي تضرر كثيرا منذ زلزال 21 مايو/آيار 2003، عانى من غياب الصيانة، ما يجعل عملية الترميم معقدة بحسبها، علما أنّ الفريق المشرف على أعمال الترميم يسعى لتدعيم الصومعة المتداعية وتعزيز أساساتها من الأسفل إلى الأعلى، ويوجد بهذا المعلم صومعتان كما تزين واجهته زخرفة.

ولاحظ المهندس quot;ريغي معماريquot; أنّ الجزء الأيمن من الصومعة يعرف تصدعات متقدمة ومهددة بالسقوط، مضيفا أنّ هناك تراكما أسفل الصومعة، تبعا لوجود تآكل على مستوى الركائز وتحرك الكتل التي تشكل الجزء العلوي من الصومعة إضافة إلى انحناء هذا الجزء، وكشف المهندس ذاته أنّ الماء يتسرب على مستوى القبة الوسطى ما تسبب في إتلاف ديكور معماري فريد جمع بين الروماني والبيزنطي والعربي والتركي، لذا تمّ وضع لوحات على طول محيط المسجد من أجل تأمين المكان.
ويعدّ مسجد كتشاوة من أشهر المساجد التاريخية بالجزائر، وهو يقع بقلب العاصمة، ويعود بناء مسجد كتشاوة الذي ينتصب كقلعة أثرية شامخة قبالة ساحة الشهداء حي القصبة الشعبي، إلى أربعة قرون خلت، حيث تقول دراسات تاريخية أنّه بُني سنة 1613، وقام الداي حسن بتوسيعه سنة 1794م، وبعد سقوط الجزائر بيد المحتل الفرنسي سنة 1830، تمّ تحويل الجامع إلى كاتدرائية سُميت quot;كنيسة القديس فيليبquot; سنة 1832 م.

وتقول بيانات تاريخية، إنّ الجنرال الفرنسي quot;روفيجوquot; أقدم على هدم مسجد كتشاوة وتحطيمه كلية بتاريخ 18/12/1832 م بعد أن سفك دماء أربعة آلاف مسلم قائم كانوا يصلون داخله، وكان ذاك السفاح الفرنسي يقول:quot;يلزمني أجمل مسجد في المدنية لنجعل منه معبد إله المسيحيينquot;، وأقيمت في كتشاوة أول صلاة نصرانية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832م وبمناسبة هذا الحدث بعثت الملكة (إميلي) زوجة الملك لويس فيليب هدايا ثمينة للكنيسة الجديدة، أما الملك فأرسل ستائر من القماش الرفيع، وبعث البابا جريجوار السادس عشر تماثيل للقديسين للتبرك بها، وأعرب عن امتنانه وشكره، كما علق الجنرال روفيجو على الحدث بقوله:quot; إني فخور بهذه النتائج، فلأول مرة تثبت الكنسية في بلاد البربرquot;.
وقال الباحث الجزائري أبو القاسم سعد الله في كتابه النفيس quot; تاريخ الجزائر الثقافي quot;(الجزء الثاني)، أنّ مسجد كتشاوة/التحفة أعجب الفرنسيين بهندسته الفريدة وعرصاته المرمرية وما اشتمل عليه من زخارف بالفسيفساء والنقوش العربية وزرابي غنية وحرير مطرز، وهو ما دفع المحتل لتحويل أجمل وأتقن المساجد الجزائرية الى كنيسة.

وعاد مسجد كتشاوة إلى رحاب الإسلام في أعقاب 132 سنة من السيطرة الفرنسية على الجزائر، وأقيمت به أول صلاة جمعة في 4 من جمادى الآخرة 1382 هـ الموافق للثاني من نوفمبر 1962م، وكان خطيبها العالم الجزائري الراحل quot;البشير الإبراهيميquot; أحد كبار مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وظلّ مسجد كتشاوة العتيق ينطوي على كثير من القصص والعبر والمميزات، فعلى طول باحته ووسط الشوارع الضيقة والمنحنية التي تحاذيه، يروي رواده ممن واظبوا على الصلاة والإمامة فيه منذ عشرات السنين، أنّ أجيالا متعاقبة من الأندلسيين والأتراك وكذا الجزائريين الذين تفننوا في نقش المسجد وزخرفته وترميمه منذ القرن السابع عشر، والملاحظ أنّ مسجد كتشاوة كان مثالا للتسامح والتعايش الديني، حيث كان يسمح لليهود في مراحل متعددة بأداء شعائرهم فيه في بعض الأحيان عندما أعجزتهم الظروف عن الوصول إلى معابدهم، وهو أمر أكّده المطرب اليهودي الفرنسي quot;أنريكو ماسياسquot; ودفعه للجزم أنّ الدين الإسلامي هو أكثر الأديان السماوية تسامحا.