انقسم الأميركيون في تقييم خطورة ظاهرة الاحتباس الحراري، ولقد شهد عدد من الدول تظاهرات في الأيام الماضية حول المناخ منددين بالالتزامات الأخيرة من البلدان المتقدمة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث يرون أنها ليست كافية ودعوا إلى تكثيف المحادثات حول هذا الأمر لتصعيد الضغط على الدول الصناعية الكبرى للالتزام بتخفيض أكبر لانبعاثات الغازات وتقديم المساعدات للدول النامية لتطوير تكنولوجيا جديدة للحفاظ على البيئة، ويقع العبء الأكبر منه على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما
واشنطن: بدأ الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وما يمكن أن تتعرض له أجزاء من الكره الأرضية للغرق وما قام به رئيس جزر المالديف (أرخبيل استوائي) من عمل اجتماع لوزارته تحت الماء في استغاثة رمزية لدول العالم بخطورة ظاهرة الاحتباس الحراري وما يؤدي إليه من ارتفاع مستويات سطح البحر والتي تهدد وجود الأرخبيل الاستوائي. وظاهرة الاحتباس الحراري هي: ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة في بيئة ما نتيجة تغير في تدفق الطاقة الحرارية من البيئة وإليها. وعادة ما يطلق هذا الاسم على ظاهرة ارتفاع درجات حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي.
وعن مسببات هذه الظاهرة ينقسم العلماء بين قائلٍ بأن هذه الظاهرة طبيعية وأن مناخ الأرض يشهد طبيعيًا فترات سخونة وفترت برودة مستشهدين في ذلك بفترة جليدية أو باردة نوعًا ما بين القرن 17 و18 في أوروبا. بينما يعزي الفريق الآخر تلك الظاهرة إلى تراكم غازات دفيئة في الغلاف الجوي مثل نشاطات الإنسان وخاصة احتراق الوقود الأحفوري quot;نفط، فحم، غاز طبيعيquot;. وتلعب الدول الصناعية السبع الكبرى دورًا ملحوظًا في وجود هذه الظاهرة على كوكب الأرض حيث تُعد أكبر مسببٍ لانبعاث الغازات التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والتي تحاول حاليًا القيام بلعب دور في دراسة كيفية الحصول على أنواع أخرى من الطاقة توفر للولايات المتحدة حاجتها الوقودية والصناعية وفي الوقت ذاته تقلل من خطر الاحتباس الحراري والتغييرات المناخية، وذلك بالتوازي مع انتهاج دبلوماسية دولية تحدد معايير التعامل مع الظاهرة في مختلف دول العالم.
وفي تقريرنا التالي نستعرض استطلاعًا للرأي العام الأميركي حول ظاهرة الاحتباس الحراري أجراه مركز أبحاث بيو Pew Research Center for the People amp; the Press . ومركز أبحاث بيو منظمة مستقلة، غير حزبية تجرى فيها استطلاعات للرأي العام بشكل شهري ومنتظم تجاه السياسة والصحافة وقضايا السياسة العامة. وتمثل تلك الاستطلاعات مصدرًا قيمًا للمعلومات بالنسبة للزعماء السياسيين والصحافيين والعلماء والمواطنين. وقد هدف الاستطلاع إلى الوقوف على موقف الشعب الأميركي بمختلف شرائحه وانتمائه الحزبي تجاه هذه الظاهرة.
دعم متواضع لسياسية الغطاء والتجارة
أظهر الاستطلاع تراجع نسبة الأميركيين الذين يجدون بأن ظاهرة الاحتباس الحراري تُعد خطيرة حيث كانت نسبتهم في إبريل العام الماضي (2008) 44% في حين بلغت النسبة في عام الحالي35%، ويرى 57% من الأميركيين بأن درجة حرارة الأرض قد أصبحت أكثر دفئًا في تراجع عن النسبة التي تم تسجيلها العام الماضي 2008 حيث وجد 71% أن هناك أدلة قوية على ارتفاع درجة حرارة الكره الأرضية .
كذلك هناك انخفاض مماثل في نسبة الأميركيين الذين يقولون إن درجات الحرارة في العالم آخذة في الارتفاع نتيجة للنشاط البشري، مثل حرق الوقود الأحفوري حيث سجلت نسبة 36٪ في الوقت الراهن مقارنة بنسبة 47٪ في العام الماضي. ووجد الاستطلاع مزيدًا من الدعم لسياسة وضع قيود على انبعاثات الكربون حيث يؤيد نصف الأميركيين وضع قيود على انبعاثات الكربون، وجعل الشركات تدفع ثمن انبعاثاتها، حتى لو كان هذا قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة. بينما يعارض 39٪ فرض قيود على انبعاثات الكربون في ظل هذه الأحوال الاقتصادية.
وتعلم نسبة 14٪ عن ما يسمى بسياسة quot;الغطاء والتجارةquot; وهي مجموعة السياسات التي من شأنها أن تحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بينما 30٪ يقولون إنهم سمعوا قليلاً عن هذه السياسة، في حين كانت الغالبية (55٪) لم تسمع عنها على الإطلاق. الأقلية الصغيرة التي سمعت كثيرًا عن هذه القضية تعارض بشدة انبعاثات الكربون . وقبل اجتماع الأمم المتحدة المعني بالمناخ والذي سيعقد في ديسمبر القادم 2009 بكوبنهاجن بمشاركة حوالي 190 دولة لإجراء محادثات لوضع صيغة اتفاق يخلف الاتفاق المعروف باسم بروتوكول كيوتو لخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري يرى غالبية الأميركيين 63% بأن الولايات المتحدة يجب أن تنضم مع دول أخرى لوضع معايير للحد من هذه الظاهرة ، في حين يرى 32% بأن على أميركا وضع معايير خاصة بها.
نسبة قليلة ترى أن الظاهرة خطرة
أظهر الاستطلاع أن الخلافات الحزبية واضحة في تقييمات خطورة ظاهرة الاحتباس الحراري حيث يرى حوالي (49٪) من الديمقراطيين أن الاحتباس الحراري العالمي هو مشكلة خطيرة جدا مقارنة بنسبة 57٪ في إبريل من العام الماضي 2008 بينما 14٪ من الجمهوريين يقولون إن هذه الظاهرة هي مشكلة خطيرة جدًا ، مقارنة بنسبة 22 ٪ في إبريل 2008. ويظهر الاستطلاع أن الشباب الآن هم الأكثر إحساسًا من كبار السن باعتبار ظاهرة الاحتباس الحراري مشكلة خطيرة للغاية. وكما هو متوقع فإن وجهات النظر حول خطورة ظاهرة الاحتباس الحراري تتعلق أيضًا بما إذا كان الناس يعتقدون أن هناك أدلة قوية على ارتفاع درجة حرارة الأرض، وما إذا كان الإنسان هو السبب، ويرى 65٪ من أولئك الذين يقولون إن ارتفاع درجات الحرارة هو في الغالب بسبب أنماط الطبيعة في بيئة الأرض يؤكدون أن هذه الظاهرة هي على الأقل مشكلة خطيرة إلى حد ما، بينما يرى (97 ٪) من الذين يعتقدون أن ارتفاع درجة حرارة الأرض هو في الغالب بسبب النشاط البشري يؤكدون على أنها مشكله خطيرة وهذه النسب لم تتغير منذ إبريل 2008.
وفي يناير 2009 احتلت هذه الظاهرة مرتبة أدنى في قائمة أولويات السياسة العامة للرئيس والكونجرس الأميركي ، حيث رأى 30٪ فقط من الجمهور بأنه ينبغي أن تكون على رأس الأولويات، مقارنة بنسبة 35٪ في العام الماضي. ويرى أكثر من (45٪) من الديمقراطيين بأنه يجب أن تكون على رأس الأوليات مقارنة بنسبة 16٪ من الحزب الجمهوري و25٪ من المستقلين الذين يرون أن هناك قضايا أهم يجب أن تكون على رأس أولويات السياسة العامة الأميركية. وتحتل المرتبة السادسة عشرة بالنسبة للديمقراطيين من بين 20 قضية .
وضع قيود للانبعاث الكربوني
يؤيد نصف الجمهور وضع قيود على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وجعل الشركات تدفع ثمنًا لانبعاثاتها، حتى لو كان ذلك قد يعني ارتفاع أسعار الطاقة بينما يعارض أربعة من كل عشرة (39٪) ذلك الرأي و11٪ غير متأكدين أو لم يقدموا رأيًا. الجمهوريون المحافظون هي المجموعة الوحيدة التي تعارض وضع قيود على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 60% بينما الليبراليون المعتدلون والجمهوريون يؤيدون هذه السياسة بنسبة (51٪)، وتقترب هذه النسبة برأي المستقلين وغالبية الديمقراطيين حيث تبلغ 58٪.
وهناك أيضًا اختلافات إقليمية واسعة في وجهات النظر حول سياسية الغطاء والتجارة فكثيرٌ من الناس الذين يعيشون بالقرب من ساحل المحيط الهادئ (62٪) وشمال شرق البلاد (56٪) يؤيدون الحد من انبعاثات الكربون، وحتى لو كان ذلك قد يعني ارتفاع أسعار الطاقة مقارنة بأولئك الذين يعيشون في الجنوب (46٪) ، والغرب الأوسط (44٪) والجبال الغربية (42٪). ويؤيد خريجوا الجامعات من الذين حصلوا على تعليم ثانوي هذه السياسة أو أقل (59٪ مقابل 43٪).
دعم الشعب الأميركي للمبادرات العالمية
يعتقد جلُّ الأميركيين (56٪) أن الولايات المتحدة يجب أن تنضم مع دول أخرى في وضع معايير للتصدي لتغير المناخ العالمي، في حين يرى 32٪ أنه ينبغي عليها أن تضع معاييرها الخاصة بها. ويقول 66% من الديمقراطيين و53% من المستقلين و47% من الجمهوريين بأن على الولايات المتحدة أن تنضم لدول أخرى في وضع معايير للتصدي لتغير المناخ العالمي. وأن ثلاثة أرباع هؤلاء الذين يقولون إن ارتفاع درجة حرارة الأرض هو في الغالب بسبب النشاط البشري يعتقدون بوجوب تكاتف الولايات المتحدة مع البلدان الأخرى في وضع معايير للتصدي لتغير المناخ العالمي.
وبالمقارنة فإن 42٪ من أولئك الذين يقولون إن ارتفاع درجة حرارة الأرض يرجع إلى أنماط بيئية يقولون بأن الولايات المتحدة يجب أن تضع المعايير الخاصة بها لمعالجة تغير المناخ.
وعلى الرغم من ذلك فإنه تعقد حاليًا اجتماعات في نيويورك لتهيئة الأجواء المفاوضات المتوقفة حول اتفاق جديد بشأن المناخ. فيسعى المشاركون للتوصل إلى اتفاق جديد يحل محل اتفاقية كيوتو. وتسعى البلدان الجزر خاصة تلك الواقعة في منطقة المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي بالضغط بكل ما لديها لحمل القمة على وضع التزامات بخفض درجة حرارة الأرض لأنها تخشى ارتفاع منسوب مياه المحيطات في حال ارتفاع معدلات الحرارة درجتين مئويتين عمَّا هي عليه. ما من شأنه أن يغرقها أو يلحق كوارث طبيعية مدمرة ويهدد الكائنات الحية في أعماق بحارها. وأوضح تقرير علمي بهذا الشأن أن المياه ربما تغمر جزر الأرخبيل الإندونيسي المعروف باسم الألف جزيرة في الشمال الغربي من جزيرة جاوا الإندونيسية خلال العقود المقبلة..
التعليقات