حين رحل الملحن العراقي الكبير، طالب القره غولي، عن هذه الحياة لم يمش في جنازته سوى أبناء مدينته العاشقين لفنه، فيما غابت الحكومة تماماً وكأن الراحل لم يكن شيئاً في سلالة الابداع العراقي.
بغداد: أعرب العديد من المثقفين والفنانين العراقيين عن صدمتهم للجنازة الفقيرة والتشييع البسيط الذي حظي به الراحل طالب القره غولي الذي يعد واحداً من أبرز صناع الجمال في العراق والوطن العربي، وله من الشهرة ما طبق الافاق.
ولم تقف الحكومة امام هذا الرحيل لرجل يعد من كبار أمتها فعلاً، رجل له تاريخه الذي التصق بتاريخ العراق من مختلف جوانبه، وأبدى العديدون عن خيبة املهم من ان الحكومة غابت عن تشييع الراحل وهم الذين توقعوا ان تعلن الحداد كما تفعل على رحيل السياسيين.
ففتح رحيل القره غولي ملف رعاية الفنانين العراقيين والاهتمام بهم، فهناك العديد من كبار الفنانين يعانون شظف العيش وعدم الاهتمام بأوضاعهم المعاشية والصحية بعدما بلغوا من العمر حالة عدم القدرة على تكاليف العلاج والعيش الكريم، فيما راح البعض يقارن بين ما يحصل عليه السياسيون من مكاسب لا يستحقونها وبين ما يحصل عليه الفنان المبدع الذي يظل طوال عمره يقدم للناس إبداعات من عصارة روحه وقلبه ويبث السرور فيهم، فالبرلماني العراقي الذي يخدم لمدة اربع سنوات يتقاضى راتباً تقاعدياً بالملايين بينما الفنان الذي يخدم العراق طول عمره لا يحظى الا بالمنحة البسيطة جداً.
في هذا السياق، اكد المطرب سعدون جابر في حديث لـquot;إيلافquot;: quot;يقال إن الذي يقترب من نهايته يعرف لحظة هذه النهاية، ولهذا عاد طالب القره غولي الى العراق لانه عرف هذه اللحظة، أراد أن ينام في ثرى العراق الى الأبد ولن يفضل ميتة الشبح في الغربة، فهل كان العراق كريماً مع ابنه القره غولي حين منحه متراً من الأرض ليكون مقرّه الأخير؟quot;.
وأضاف: quot;لقد كان طالب كريماً مع الوطن والناس حين أعطى الكثير من الفن الراقي وكل هذا من اجل هذا المتر من الأرض، حين عاد طالب الى الناصرية بعد فقدانه إحدى ساقيه تمنى أن يستقبله موظف من الدولة التي خدمها لسنين طوال، مجرد موظف ولو كان صغيراً فلم يجد احداً غير أصدقائه من الفنانين وأكثرهم غائب وأنا منهم، وكان حسن الشكرجي وحسين نعمه رفيقي طفولته هما الحضور البهي الذي عوّض غياب الدولة وتنكرها لأبنائها المبدعين، فهي لن تتألم ولن تأسف لفراق المبدع العراقي وعلى هذا النحو ودعنا الجواهري الكبير والبياتي وبلند الحيدري والسماوي وغيرهم في الغربة وهم الذين تمنوا لو وجدوا متراً من الأرض العراقيةquot;.
وتابع: quot;ماذا نقول للذي يعتبر الموسيقى من المحرمات، لمبدعينا الرحمة وحب الناس واحترامهم من الجواهري الى طالب القره غولي، وأطال الله في عمر عبد الرزاق عبد الواحدquot;.
وهذا الأخير يقول: quot;ياما تمنيت موتاً فيك يحملني، به ضجيج من الأنوار والظلم، أهلي وصحبي وأوراقي منثرة. على الجنازة أصوات بلا كلم، إلا عراق تناديني وها انذا. اصحوا بأنأى بقاع الأرض من حلمي، فابصر الناس لا أهلي ولا لغتي. وأبصر الروح فيها ثلم منثلم، أموت فيكم ولو مقطوعة رئتي، يا لائمي في العراقيين لا تلمquot;.
أما الفنان الكبير فاروق هلالrlm; فقال مخاطباً الراحل: quot;ايها الراحل الكبير طالب القره غولي، ستنهال عليك الاوصاف برحيلك وانت اعظم واكبر من كل ما سيقولون. ابداعك كان يشمخ بشموخ العراق وبحضارته لا بانظمته التي تنتظر رحيل مبدعيه لتعلن اهتمامها واسفها وتقديرها في الوقت الذي كانت معاناتك يتحدثون بها في التلفزيون والصحافة والمقابلات واخرها مقابلة الشرقية قبل ايام عديدة، من الذي بادر ليشفيك او يهتم بمتطلبات حياتك وانت احد العناوين البارزة لعراق الحضارة... لا اْحد كالعادةquot;.
واضاف: quot;زميلي الكبير يكفيك فخراً ان اسمك محفور في ذاكرة العراقيين الآن وأمس والى الاف السنين، نم قرير العين وانعم بجنات الخلد فكل حرف من اسمك ثمر نخيل العراق وزورق يتهادى في دجلة والفرات ومسقط رأسك سيعرف بك وستنضم بفخر إلى الأسماء الخالدة يا كبير المبدعين طالب القره غوليquot;.
فيما قال المطرب أحمد نعمة: quot;قد ابلغك شيئاً لا يعلم به الناس وعن لسان الراحل الاستاذ طالب القره غولي الذي التقيناه في بغداد في بيت الاستاذ سرور ماجد، أن رئاسة الوزراء هي التي تكفلت بدفع مصاريف علاجه والعملية الجراحية في السويد اقولها للامانة التاريخية، ثانيا لا تطلب من اي مسؤول عراقي سابق وفي الوقت الحالي ان يمشي في جنازة فنان لانهم يعتبرون مهنة الفن معيبة في حقهم، في حين ان الفنان الحقيقي ارقى وانبل من أي سياسي على الاقل لأنه يتعامل مع الناس بحب ومشاعر صادقةquot;.
واضاف: quot;ذكرت لك لأنه يجب ان يتميّز الفنان الحقيقي من الطارئين على الفن فهناك نجوم حقيقيون وهناك نجوم من ورق، على الاقل على الدولة أن ترعى هؤلاء الفنانين برواتب مجزية فمثلاً المنحة التي تعطى للفنانين الكبار 100 الف دينار كسامي عبد الحميد مثلا وسامي قفطان وغيرهم من الكبار يتساوى مع طالب متخرج من معهد الفنون الجميلة فهل يجوز ذلك؟ او شاهد الفرق بين اعضاء مجلس النواب واقدم فنان فتراه فارقا كبيرا، علما ان عضو مجلس النواب يبقى اربع سنوات وراتبه التقاعدي يظل ساريا بالمبلغ نفسه في حين الفنان يتقاضى اعلى راتب له يكفيه لدفع الايجار او يسد رمقه لمدة شهر، ارجو من الدولة ان تعطي مخصصات مقطوعة لبعض الفنانين الكبار والمتميزين فهم ثروة كبيرة للبلد وواجهة صادقة للعراقquot;.
وتابع: quot;أضف الى ذلك ان الاستاذ طالب بقي في بغداد حائراً لا يوجد حتى مكان يستطيع دفع الايجار فيه، وانا اشكر الأستاذين حامد الراوي مستشار الوزارة والأستاذ فوزي الاتروشي لتسجيلهما شريطاً غنائياً للمرحوم القره غولي ومنحه مبلغاً ساعده في استئجار بيت له في بغدادquot;.
من جانبه، قال الفنان عمار الغرباوي عضو مجلس نقابة فناني ذي قار والصديق الأقرب للفنان القره غولي: quot;غياب المسؤولين الحكوميين عن تشييع جنازة طالب يعود لأنه والفن اكبر منهم في وقت هم يشعرون أن احجامهم صغيرة، ثم انهم قد يكونون مرفوضين ويطالهم العقاب في الدنيا من قبل قيادات احزابهم ان هم ساهموا مع الناس في فعالية لها علاقة بالفن حتى لو كانت تشيعاً لفنان مات والكل موقن ان الموت حق، كذلك لأنهم على يقين تام أن الفن والطرب والموسيقى مجال وفسحة للجمال وهم بعيدون كل البعد عن الجمال الذي يرتقونه بعد بل لم يخطر ببالهم وغير تواقين اليه، وايضاً لم يتوصلوا لحد هذه اللحظة الى فك ألغازه وطلاسمه، واخيراً أنا لن ألومهم فمشاغلهم كبيرة وكثيرة لأنهم منشغلون الآن بتقاسم المناصب التي لم يتلذذ أحدهم بغيرها، ولكن سيبقى الفن أكبر منهم حتماً وهم في زوالquot;.
الى ذلك قال الفنان الملحن عايد نجم: quot;هذا الوضع لم يحدث هذه الايام فحسب، فقد توفى فنانون سابقا وواجهنا الموقف الحكومي نفسه وهذا يعتبر ايضا من اجندة فلسفة الدولة التي تسعى الى تسييس الفن بكل انواعه حسب مفهومها للحلال والحرام وينعكس كل هذا على تهميش الفنان وعدم الاكتراث له وهذا ما حصل ويحصل الآنquot;.
واضاف: quot;اعتقد ان الفن في العراق بكل انواعه لا يمكن ان يتطور اذا كانت عليه رقابة حكومية او وضع اشخاص من قبلهم ليسيروا العملية على هواهم، كما طالبنا ونطالب الحكومة بأن يضعوا فقرة في تعديل الدستور لحماية الفنان وضمان حياته، ولكن اذا تصارعت الفيلة فالمتضرر الوحيد هو العشبquot;.
وقال الفنان غالب العميدي رئيس النشاط المدرسي في بابل: quot;ليس غريباً على نظام ركن الثقافة والفنون جانباً أن يهمل فقدان فنان كبير مثل طالب القره غولي، لو عرف السياسيون ما فعله طالب لأعلنوا الحداد الرسمي ولو كان طالب في بلد آخر لعملوا له تمثالاً ولكن ماذا تقول لمن إهتم بنفسه وترك مبدعيه، لنا اللهquot;.
أما الاعلامي علي الميالي نجل الفنان حسين نعمة فقال: quot;اي ابداع في العراق ان كان فنيا او رياضيا لا يحتسب في عين السياسيين لان الحكم في العراق ومع الأسف الشديد صار عنصريا او اسلاميا وهم يدعون ان الفنان بحكم ما يبنون من فكر ضيق انه لا يستحق الانتباه لانه كافر، اعذرني لصراحتي ولكن هذا الواقع في العراق الجديد، كما ازيد من معلومة ان الفنان العراقي يزدهر به جمهوره فقط لان اصحاب السلطة طارئون على العراق لانهم جاؤوا من غيث وغضب على العراق والعراقيين وله فكرة بأن الذي بقي تحت حكم صدام هو بعثي، أخي العزيز لا يؤاخذني الشعور بان الحكومات المحلية والمركزية ترتكز على شعارات اسلامية ليس لها علاقة بالفن او الابداعquot;.
فيما اشار الكاتب محمد الشمري الى ان الحكومة مشغولة بوجودها الفيزيائي، فلم تنتبه لجنازة مبدع مثل طالب، وقال: quot;جنازة طالب القره غولي فقيرة رسميا وكبيرة بمن حضروا، جنازة من منح الموسيقى العراقية بعدها التطريبي ونحت ملامح هويتها العراقية ببراعة واتقان، انه من كبار هذه الامة، وكان ينبغي على الحكومة ان تحاول ترميم صورتها المهلهلة بحضور فاعل في هذه المناسبة الوطنية الكبيرة، لكنها مع الأسف مازالت مشغولة بوجودها الفيزيائيquot;.










التعليقات