خالد تركي آل تركي: تفرض رائعة الفنان الكبير راشد الماجد "المسافر راح" حضورها بقوة في ذاكرة الجمهور. فهذه الأغنية رغم مرور أكثر من عشرين سنة على طرحها، تقفز في البال تلقائياً كلما ذُكِرَ اسمه! فهي لا تزال تؤثر بوجدان الكثيرين ويسمعها ويعشقها الجمهور خاصةً من جيل التسعينيات. ولقد استطاعت أيضاً أن تأسر الأجيال الحديثة بسحرها. فكم من أحلامٍ نُسِجت، وكم من دموعٍ سالت، وكم من ذكرياتٍ تشكَّلت عليها؟ 



وربما يصح القول أنه لو لم يكتب الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن إلا هذهِ الكلمات، ولو لم يغنِ راشد الماجد إلا هذهِ الأغنية، لكفاهما ذلك! فهي ليست كغيرها من الأعمال الفنية الموسيقية التي يكون الهدف منها الربح المادي فقط كما هو حال الكثير من الأعمال الموجودة في هذا الزمان، والتي تفتقد لروح الفن الحقيقي من رُقي المعاني وسمو المشاعر. فكلماتها ليست مجرَّد كلمات عابرة، بل تحمل بوزنها المشاعر والأحاسيس! وكل كلمة فيها تحمل معنىً عميقاً يأخذ المستمع في طريقٍ طويل يسرح فيه الخيال. وهي بفضل صفاتها أصبحت عصية على النسيان على عكس غيرها من الأغاني.

ويمكن القول، أنه عندما يُدرك الفنَّان معنى الكلمات التي يغنِّيها وتتغلغل في أعماق وجدانه وكأنه يعيش واقعها. وعندما يتألم الشاعر ألماً لا يعرفه غيره ويكتب كل حرفٍ فيها بقلبه قبل قلمه. وعندما يُجسِّد اللحن كل كلمة ويستثير أحاسيس المستمع ومشاعره وتسيل دموعه بصمتٍ يلتف من حوله، حينها فقط يمكن أن نرى رائعة "المسافر راح".

ولا بد من الإشارة إلى أن تلك العوامل التي ساهمت بميلاد هذه الرائعة، لم تكن لتحقق نجاحها لو أن الحظ لم يحالفها ليغنيها فنَّانٌ يمتلك إحساساً فريداً من نوعه، كراشد الماجد. ونكاد نجزم أنها ما كانت ستصل للجمهور بتلك الصورة المُذهلة مع أداء غيره! فـ"الماجد" فنَّان يعشق الهدوء ولا تستهويه أضواء الإعلام. يغيب دائماً عن جمهوره، لكن عندما يحضر من خلال الحفلات أو إصدار أغنية جديدة، فإنه يكتسح الساحة الفنية وكأنه ليس هناك سواه! نعم، إنها "الكاريزما الماجدية"!

ولا شك أنه من حُسن حظ هذه الرائعة أيضاً أن من صاغ حروفها وانتقى كلماتها وحدَّد معالمها وأكمل بِناءَها هو البدر! فمن غير البدر أصلاً يستطيع ذلك مع روح الموسيقار العظيم الدكتور عبد الرب إدريس، الذي قدّم فيها لحناً من الصعب أن يتكرَّر! وإن تكرَّر، فليس من السهل أن تكتمل بقية أركان الأغنية من صوتٍ مميَّز وكلمات نادرة!
لقد اجتمعت حقاً روعة اللحن، فخامة الصوت، سحر الكلمات، وامتزجت واختلطت مع بعضها البعض لتكون "المسافر راح".