بغداد: يُعتبر اللطم أحد أبرز الشعائر الدينية لدى المسلمين الشيعة في العالم عموماً، وفي العراق خصوصاً، لكونه يرتبط بإحياء ذكرى مقتل سبط النبي محمد قبل أكثر من 1400 عام. لكن هذا التقليد الجماعي يشهد اليوم إيقاعات أقرب إلى موسيقى "الهيب هوب" وصاروا يطلقون عليها&اسم "الراب المهدوي".

ويبدو أن بعض الجماعات الشيعية في جنوب العراق_ الذي تحكمه تقاليد عشائرية_ قد أدخلت&هذا النوع الجديد من اللطم الذي يترافق مع رواية السيرة الرثائية الحسينية بأسلوب جديد.&تحت شعار استقطاب الشباب. لكن، رغم نجاج هذه الظاهرة&باستقطاب الكثيرين، إلا أنها تتعرض لانتقاداتٍ غاضبة من رجال الدين المصدومين.

العميدي
إمام أحد المساجد في النجف جنوبي بغداد السيد لطيف العميدي (45 عاما)، يصف تلك التيارات بأنها&"منحرفة دينياً، واستغلت العواطف والواعز&الديني والعقيدي عند بعض الشباب، فأدخلت ما ليس في الدين بالدين". وهو&يعتبر أن "ما يسمى بالشور والراب وهذه الأمور والخزعبلات (...) محرمة في الإسلام".
ويشير الكثير من المؤرخين إلى أن اللطم والندب والتفجع عادة قديمة في بلاد ما بين النهرين، تعود إلى حقبة عشتار، إلهة الحب لدى البابليين قبل أكثر من أربعة آلاف عام، غير أنها وسمت بطقوس عاشوراء حزنا لمقتل الإمام المعصوم الثالث لدى الشيعة الاثني عشرية، الحسين بن علي، حفيد الرسول محمد، في العام 680 ميلادي في كربلاء على يد جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية.

"المتخلفون" في مواجهة الشباب
باسم الكربلائي الملقب بـ"الملا" هو أشهر المنشدين أو "رواديد حسينيون" كما يسمونهم في بلاد الرافدين. وهو&معروف على صعيد العالم الإسلامي بندبياته التي تعتبر عصرية بالكلمة واللحن. لكن في منطقة المدحتية التي تبعد نحو مئة كيلومتر إلى جنوب بغداد، يصطف شبان بقمصان حمراء وسراويل سوداء للطم صدورهم، أمام منصة يعتليها رادود ينشد الندبية بإيقاع الراب السريع.

ولتعزيز الاستقطاب، رفع المنظمون خلف المنصة لافتة كبيرة يستشهدون فيها بكتاب العهد القديم "سفر ميخا"، تتوسط سلامين على السيدة زينب أخت الحسين، والسيدة مريم العذراء، تحت شعار "تقوى، وسطية، أخلاق".

ويقول كرار البديري، وهو أحد منشدي هذا النوع الجديد من الندبيات "نحن أصحاب رسالة، نريد إيصالها لشبابنا وإخواننا الأعزاء (...) وبما أن هدفنا هو التربية الصالحة والإصلاح، فقد استحدثنا وطورنا الراب المهدوي الحسيني الإسلامي".

ويضيف مستشهدا بآيات قرآنية،&"علينا مخاطبة الشباب بالوسيلة التي اعتادوا عليها ذهنيا وعمليا"، وذلك يأتي في إطار "إنقاذ شبابنا المحروم والمظلوم، الذي هرب من رجال الدين الكلاسيكيين الرجعيين إلى الرذيلة والانحلال والجريمة والمخدرات والجهل والإلحاد".

وتجري حلقة العزاء الحسيني تلك في حسينية الفتح المبين، تحت أنظار عدد من رجال الدين، بينهم الشيخ سالم الجناحي الذي يتبع المرجع الشيعي السيد محمود الحسني الصرخي المثير للجدل والذي اشتهر بمعارضته لتصريحات المرجعية الشيعية الأعلى في العراق.

"تسويق على وسائل التواصل"
ويقول الجناحي لفرانس برس فيما يطغى صوت "الراب المهدوي" ولطم الصدور على صوته، إن "فساد وإفساد رجال الدين المتسلطين الذين سادوا في المشهد الاجتماعي والسياسي أدى بالشباب للنفور من الخطاب الديني".

ولا ينفصل الدين عن السياسة في العراق الذي شهد حرباً طائفية دامية عقب الغزو الأميركي للبلاد وإسقاط نظام صدام حسين في العام 2003، ما عزز الانقسامات العرقية والمذهبية.

وإن كان بعض رواديد "الراب الحسيني" باتوا معروفين بين الشيعة الذين يشكلون ثلثي سكان العراق، فإن هذا النوع من الإيقاعات لم يتمكن من الوصول إلى مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لدى الشيعة، حيث مراقد الإمام علي وولديه الحسين والعباس التي تعد قبلة للشيعة حول العالم.

ورغم ذلك، لم تصدر أي فتوى عن المرجعية الشيعية الأعلى في العراق بتحريم أو إبداء الرأي بهذه الظاهرة، غير أن بعض المراجع في إيران أصدرت فتاوى بتحريمها.

وفي عملية تسويق الراب الجديد، تنتشر فيديوهات مصورة لتلك الحلقات على وسائل التواصل الاجتماعي تلقى سيلا من التعليقات المؤيدة والمعارضة.

في أحد الفيديوهات المصورة في حقل لأشجار النخيل التي تعد رمزا للعراق، يقول مغني راب شاب يرتدي قبعة وسروالا من الجينز "معلمي ماله مثيل، معلمي صاحب دليل. أنا أنشر في أشعاري قضية ونهج الإمام".