نوال فهد من لندن: كل ناجح في هذه الحياة بحاجة لشجاعة تخطي هذا السؤال: "ماذا لو لم أنجح؟"، ليتمكن من الانطلاق لأبعاد أخرى من الإختلاف والإبداع، و لأن الوقوف على أطلال الثمانينات أو حتى التسعينات بالنسبة للمتذوق الجيد يعني أن لا حاجة لتقديم نسخ مكررة من الأعمال والجهد المهدر الممل، لا سيما وأنت أمام جيل مختلف ووقت عجلة التقدم فيه لا تنتظر أحد، و جمهور متطلع للتجديد والابتكار في كل شيء.

قبل عدة أيام حلَّ الفنان الكبير عبدالمجيد عبدالله ضيفًا على الفنان ماجد المهندس في بث برعاية وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية وبإدارة أحمد الحامد ووضع النقاط على الحروف بطريقة تلقائية و اختصار تام في عدة محاور تختصر على الجميع تساؤلاتهم عن الفكر الذي يتبناه الفنان السعودي أو يقوده.

إن المتابع الجيد للأغنية السعودية منذ بداية التعسينات إلى اليوم يدرك الفرق و يستوعب كم عدد الصفحات أو المراحل التي مرت بها، و لو نظرنا لعبدالمجيد على أنه الأنموذج الأول الذي بدأ بقيادة هذه المرحلة وواجه الانتقاد اللاذع أكثر من البنّاء في زمن كان للصحافة الورقية صوتًا أعلى من الآن ومع هذا استمر في نقل الأغنية السعودية من التقليدية إلى الحداثة رغم شح الإمكانيات الأدبية في تلك الفترة من حيث الملحنين والشعراء، باستثناء صالح الشهري، ومن بعده ثنائية تركي وطارق محمد التي لازالت مختلفة عن كل ما يقدمه الآخرون. فكان يخرج من العادي أفضل ماعنده ويتقدم.

لعل أهم ما ذكره في أمسية وزارة الثقافة فكرة أن ملكة الصوت لا تكفي لتكون فنان ناجح، و أن ذكاء الفنان هو الذي قد يقوده للنجاح من عدمه، و ما يثبت كلامه أن الكثير من الأصوات التي استبشرت بها الساحة الفنية في السعودية في بداية الألفية ومنتصف التسعينات اختفت أو تراجعت.

كما نوّه لنجوم المرحلة الحالية في صناعة الأغنية السعودية الملحنين سهم و ياسر بوعلي من جيل الشباب والذين خرجوا بالأغنية السعودية لتعانق الكثير من الأصوات العربية مثل أنغام، وأصالة، وأسماء المنور، ونوال، وفؤاد عبدالواحد وغيرهم.

و من خلال أغنية "حن الغريب" يقدم الرهان على ملحنها الذي قدّمه باسم مبهم وهو السبّاق دائمًا في تقديم المواهب الجديدة متى ما لمس لديها الشغف الحقيقي في الابتكار والاستثنائية.

واللافت في هذا اللقاء هو أنه كان بمثابة شرح طبيعة المرحلة الحالية في تعاطي الفنان مع جمهوره، فالفنان هو المنبر الإعلامي الذي يمثل نفسه فلم يعد بحاجة وسيط بينه وبين جمهوره في ظل منصات التواصل الاجتماعي، يجس نبض المستمع و يرى ردة الفعل بصورة مباشرة و آنية، لم يعد بحاجة قلم يدعم فكرته أو توجهه أو ينفي إشاعة تم تداولها إعلاميًا عنه، لم يعد الجمهور أيضًا تابعًا لصحافة ورقية تتبنّى رأيًا أو تفنّده تجاه الفنان أيًا كان.

ختامًا، تلك الأمسية تذكرنا بجزء من كلمات ريتشارد تمبلر في كتابه The Rules Of Life حين قال: "لا تخشَ الأحلام، فالخطط هي التي يجب أن تكون منطقية أما الأحلام فلا، الأحلام يجب أن تكون جامحة إلى حد يستحيل بلوغه، إن أكثر الأشخاص نجاحًا هم الذي كانوا يملكون جرأة الاستسلام للأحلام. إنها ليست مصادفة".