سارة صالح من الرياض: استخدم الشاعر والناقد الإنجليزي ساميويل تايلور كولوريدج مصطلح (suspension of disbelief) موضحا بانه لكي يستمتع المشاهد بعمل مسرحي أو أدبي يحتوي على قوى خارقة للطبيعة فانه يتوجب عليه ان يحيد ويوقف عدم تصديقه العقلي لما يقرأ او يشاهد، وبذلك يمكنه الاستمتاع بالعمل والذي يُقدم بشكل مشابه للحقيقة.

واتسع استخدام المصطلح لاحقا ليشمل محدودية قنوات ووسائل العرض، فالمشاهد الذي يرى لوحة خشبية زرقاء وضعت على جانب خشبة المسرح سيصدق أنها الشاطئ لأنه حيّد عدم تصديقه بشكل واعي واختار ان يصدق ما يرى.

ويبدو أن ايقافنا لعدم تصديق ما نرى ينسحب أيضا على متابعة الدراما السعودية حيث نتجاهل عمداً الأخطاء الاخراجية والأدائية لكي نستطيع ان نستمتع بالعمل متشبثين بتشابهه مع واقعنا، او لهجتنا، او حتى ملامحنا.

تجاهل الأخطاء والنواقص كان حاضراً في ذهني اثناء متابعة مسلسل أم القلايد للكاتب مفرج المجفل والذي تم عرضه حصرياً على منصة شاهد المدفوعة في ثلاثة عشر حلقة، ولا اعني بذلك ان المسلسل سيء او رديء، على العكس تماماً، كان على قدر عالي من المتعة بأن فرض المتابعة المستمرة متجاهلة كل الأخطاء، حيث برز الكاتب والنص برأيي في بطولة خالية من أي خطأ او ثغرة في نص متداخل ويزداد تعقيد بتقدم الحلقات، استطاع المجفل في احداث ال١٣ حلقة ان يقدم كيف يستغل وعلان- والذي يقوم مشعل المطيري بتقديمه- اخواته وثأره المكذوب ليزيد حجم ثروته التي بناها من بيع الاثار والاستيلاء عنوة على ارث اخواته وابنائهم، تتعقد الاحداث عندما يطمع احد مساعديه بحصة اكبر، وعندما تقرر شخصية اخرى بالانتقام، واخرى بالخطف، وغيرها من الاحداث التي تبدو في البداية غير مترابطة الا انها في الأخير تقود الى الانكشاف للكذبة الكبرى التي بنيت عليها احداث ستة وعشرون عاماً.

ولا أنسى أن أشير الى روعة الموسيقى في المسلسل والتي شاركت نص المجفل بطولته في تناغم جميل بين الكلمة والنوتة الموسيقية لايصال قصة ام القلايد للمشاهد.

بالرغم من الطبيعة الخلابة للمنطقة وجمال المباني الخارجي، الا ان الجو العام للمسلسل هو جو متوتر ومشحون، الثأر والموت والقهر حاضر في كل الحلقات، يتناقض فيها الحديث عن ارث وثروات مع اشخاص مقهورين يبدو عليهم مستوى معيشي متواضع في صورة مؤلمة عما تعيشه الشخصيات مسلوبات الإرادة والمقيدة بالثأر المنتظر.

يقدم المسلسل العديد من الوجوه الشابة الواعدة، وبالرغم من وجوود بعض الملاحظات على أداء الممثلين والممثلات، الا انه لا يختلف- بل يتفوق في بعض المشاهد- على ممثلين ذو خبرات ممتدة في الدراما السعودية، اخص بالذكر الممثلة فوز العبدلله -في دور نورة- في الحلقات التي تناولت اختطاف ابنتها، وتصويرها للحزن والهلع واستيائها من زوجها وأخيها للحد الذي قادها للانهيار الجسدي، ملامح فوز العبدلله الخالية من تدخلات أطباء التجميل كانت غاية في الشفافية لنقل الفاجعة، صوتها المختنق ودموعها المتساقطة وعباراتها الحقيقية بلهجتها التي ما زالت تحمل هوية ولم تقتلها اللهجة البيضاء كانت كفيلة بجعل أدائها علامة فارقة في هذه الحلقات، أيضا فيصل الدوخي -في دور مانع- في لقطات صامتة كثيرة الا انه يعكس تمكن نفسي حقيقي من الشخصية التي يقوم بها، مشعل المطيري في مشاهد الغضب كان يغضب ويتحول لشخص عنيف بحق، وعندما يبتسم بلؤم وهدوء يظهر وكأنه شر محض في صورة انسان، كما تميز دريعان الدريعان عندما انطلق هائما وحيدا يبحث في الغابة عن ابنته مختنقاً بالخوف حتى ضاقت عيناه ولثم فمه بشماغه معدوم الحيلة وعلى شفى الانهيار، واخيراً، سعيد القحطاني المثير للاشمئزاز والاستياء في الحلقات الأولى، وللتعاطف والالم في بقية الحلقات، وهو يصرخ باسمه سفر مستجدياً الاحترام من خاله الذي حرمه والده، وماله، وكرامته.

المشاهد المتميزة للأداء عديدة، ولكنها دلالة أيضا على عدم ثبات مستوى الأداء وأنه متذبذب بين تميز وتمكن في حين، وبين مبالغات ومتواضع في أحيان أخرى، مشعل المطيري على سبيل المثال يسقط أحيانا في المبالغات ويتحول اداءه لمسرحي منفصل عن محيطه، نواف الظفيري بالغ في اداءه لدور النقيب المتعجرف والبغيض، كما بالغ خالد يسلم في دور اللامبالي وتعليقاته الساخرة بما لا يتناسب مع خوفه من أهل القرية والذي استمر في تكرار سرعة لجوئهم لاستخدام الرصاص، واضافة الى المبالغة في الأداء تبدو أعمار بعض الممثلين غير متناسبة مع ادوارهم وهنا نعود الى ما ابتدئنا به، وهو تجاهل النواقص للاستمتاع بالعمل.

وقد تكون الحلقة الأضعف في المسلسل هي الإخراج، في مسلسل جريمة مبني على الغموض واخفاء الحقائق، عمد المخرج الى كشف بعضها بشكل واضح وصريح كمن يصرخ ويخبرك بالأحداث قبل ان تحدث، على سبيل المثال، في المشهد الذي كان مانع -فيصل الدوخي- يمشي وترصده الكاميرا ببطء تمهيداً لفعل سيكون مؤثر ليضع قطعة من ملابس الفتاة المخطوفة في سيارة خصمه ليلصق به تهمة الخطف، لماذا يكشف المخرج الفاعل قبل ان يحدث الفعل؟
في مشاهد المستشفى، الشرطة، والمشرحة، كانت بدائية جدا ليس فقط في أداء بعض الممثلين المساندين، ولكن في ضعف تصوير الإجراءات وتناولها بشكل سطحي برغم جدية القضايا، كما أن مشهد اطلاق النار على شخصية وعلان كان الأسوأ تنفيذًا في المسلسل.

وأخيرا، زوايا التصوير الداخلي في المنازل يبدو مختلفاً في الحلقات الأولى، ويزداد الشعور بالاختلاف حتى يظهر بشكل أوضح بانه لا ينتمي لهذه البيئة ولا يفهمها جيداً.

تبقى أن أشير الى أن مسلسل أم القلايد لا يجب ان يتم الإشارة اليه كتجربة، في ثلاثة عشر حلقة لم يتخللها أي إطالة في الأحداث لزيادة عدد الحلقات دون وجود حاجة درامية، استطاع فريق العمل أن يقدم عمل درامي متكامل يتفوق على ما تم عرضه في السنوات الأخيرة في الدراما السعودية، كما يستحق العرض في ساعات مشاهدة تتيح له ظهور واسع لدعم المنتج الدرامي الجيد والذي اظهر تميزه من جهة، وحاجته للدعم والتطوير من جهة أخرى.