على منضدة عريضة، رُصَّت تماثيل تعود إلى الدولة المصرية القديمة وأحجار منقوشة برسومات فرعونية ولوحات مكتوية بالهيروغليفية، وإلى جانب كل هذا عملات برونز ونحاس بأشكال متنوعة تعود إلى العصر الروماني واليوناني، وفخار وأدوات جراحية من العصر الإسلامي.
هكذا أظهر مقطع مصور نشرته وزارة الداخلية المصرية بعد ضبطها برلمانيا سابقا خلال التفتيش عن الآثار في أحد المنازل وبحوزته 201 قطعة أثرية.
وينتشر التنقيب عن الآثار غير الشرعي والإتجار فيها بشكل واسع في مصر، إذ يبحث كثيرون عن الثراء السريع، خاصة في بلد ذي تاريخ فرعوني كبير يمتلئ بالمقتنيات الأثرية.
وتقول الشرطة المصرية إن البرلماني المتهم تزعم عصابة ومول أنشطته للتنقيب غير الشرعي عن الآثار والإتجار فيها، ونجح في تجميع كل هذه القطع الأثرية من مناطق مختلفة، وسبق أن اتهم في 4 قضايا من النوع نفسه.
وعُرف النائب علاء حسانين، الذي كان عضوا بمجلس الشعب في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، بـ"نائب الجن والعفاريت" بعد تصريحات إعلامية له ادعى فيها اتصاله بـ"قوى خارقة للطبيعة" يستخدمها لإخماد الحرائق.
وإلى جانب المضبوطات الأثرية، وثق المقطع المصور وجود عدد من الفؤوس والمطارق والحبال وغيرها من أدوات توضح الداخلية المصرية أنها استُخدمت في التنقيب عن هذه الآثار.
هذا المقطع المصور واحد من بين كثيرين تنشرهم الشرطة بين حين وآخر، للإعلان عن ضبط آثار عثر عليها خلال التنقيب بشكل غير شرعي.
اكتشاف أقدم مصنع للبيرة في التاريخ في مصر عمره 5 آلاف سنة
أسرار الحب والعشق في مصر القديمة
"نزيف" في الحفائر غير الشرعية
يقول عالم المصريات ووزير الآثار المصري السابق، زاهي حواس، إن مصر الحديثة بنيت فوق مصر القديمة، لذلك فالقطع الأثرية يمكن أن توجد في شتى أنحاء البلاد، بما في ذلك أرضيات المنازل الخاصة.
ويوضح حواس لبي بي سي أنه بعد عام 2011، ونتيجة عدم الاستقرار الأمني في أعقاب أحداث يناير، زاد التنقيب من الأهالي في مصر بشكل واسع، ويشبهه بـ"النزيف في الحفائر التي خرجت من الأرض خلسة".
ولا توجد إحصاءات متوفرة عن حجم الآثار المكتشفة بطريق غير شرعي إذ أنه لا يُعرف بدقة مدى انتشارها، لكن المحاكم وأقسام الشرطة تعج بالقضايا في هذا الشأن، إذ تصل عقوبة التنقيب غير الشرعي إلى السجن، وفي أحيان إلى الإعدام إذا أفضى إلى موت.
وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية المصرية تسجيل ما يزيد على 2000 قضية ومخالفة متنوعة في مجال الأمن السياحي، وأبرزها التنقيب عن الآثار وحيازتها، وفي أوقات سابقة زادت قضايا التنقيب عن الآثار وحيازتها على 3000 في أسبوع واحد.
ويشير مساعد وزير الداخلية المصري السابق، اللواء محمد نور الدين، إلى أن الشرطة تعلم بأعمال التنقيب غير الشرعي غالبًا إذا فضح أحد المتعاونين مع المنقبين السر وأوشى بهم بعد أي خلاف، وكذلك بعد حدوث انهيار ترابي.
ويوضح اللواء نور الدين الذي عمل مديرًا لأمن محافظة الأقصر المشهورة بآثارها الهامة، أن هذا الانهيار قد يتسبب في وفيات، لأن الحفر لا يتم بمعرفة شركات متخصصة تراعي معايير السلامة، وبالتالي لا بد للبقية أن يبلغوا بهؤلاء الضحايا.
ويضيف الخبير الأمني لبي بي سي أن المنقبين عن الآثار يحاولون خلال تقديمهم البلاغ تضليل الشرطة بعد نسج حكايات خيالية عن أسباب الوفيات، لكن خلال التحقيق يكتشف أن هناك تنقيبًا غير شرعي.
دار الإفتاء المصرية: "الآثار في أرضك ملك للدولة وليست لك"
مصر تعلن عن اكتشاف مومياوات بألسنة "ذهبية"
مضبوطات ضخمة
قبل نحو شهر، برزت قضية شقة حي الزمالك في القاهرة عثر فيها على نحو ألفي قطعة أثرية، يعود بعضها إلى الحضارة المصرية القديمة والعصر الإسلامي وأخرى ترجع إلى أسرة محمد علي، وألفان ومائتي لوحة فنية تقريبًا صُنف بعضها للعرض المتحفي، وعملات ذهبية وحجر ماس نادر فضلا عن أحجار كريمة أخرى.
قررت محكمة مصرية بعدها التحفظ على المقتنيات النادرة لاستمرار التحقيق مع مالكها الذي "ليس بحوزته تصريح لامتلاك هذه المقتنيات" المصنفة تاريخية وقابلة للعرض المتحفي.
عثرت السلطات المصرية على المقتنيات، عن طريق الصدفة، أثناء تنفيذها حكمًا بالتحفظ على ممتلكات نجل صاحب الشقة إثر خلاف مالي بينه وبين خاله، انتهى بحصول الخال على تعويض مالي.
هذه الشقة ملك لمستشار قضائي يعيش خارج مصر. وقد أصدر بيانا قال فيه إن والده عمل مسؤولًا في الحكومة المصرية في عهد الملك فاروق عام 1951 وإن جميع المقتنيات الأثرية في شقته هي إرث من أسرته، وهدايا تلقاها والده وجده أثناء عملهما.
أثارت القضية ردود فعل في الشارع المصري، ولا سيما بعد ما تردد عن كونها القضية التي وجه الرئيس المصري الشكر بشأنها إلى قضاة وموظفي تنفيذ الأحكام بمحكمة جنوب القاهرة، ثم صدور تصريحات من وزير العدل المصري عن تشكيل لجان مختلفة لفحص ودراسة محتويات الشقة واستمرار التحقيقات بشأنها.
مائة وأربع عشرة قطعةً أثرية تسلمها النائب العام المصري، حماده الصاوي، قبل أيام خلال زيارة إلى فرنسا، إذ كانت مهربة إلى هناك، بعد تعاون النيابة العامة مع السلطات الفرنسية لوقف إجراءات عرضها للبيع .
وشدد النائب العام في بيان حول الواقعة على "مكافحة جريمة تهريب الآثار خلسةً خارج البلاد واستردادها وملاحقة مرتكبيها على كافة المستويات، باستخدام الآليات القانونية وسبل التعاون الدولي القضائي".
يمكن أن تتابع أخبارًا من هذا النوع في مصر طيلة الوقت، والإنترنت مليئ بالمقاطع المصورة لضبط منقبين عن الآثار إذا استخدمت أيا من محركات البحث.
جهود لاسترداد الآثار
وفي حالات كثيرة ساعد المنقبون غير الشرعيون، بغير قصد، السلطات المصرية في الوصول اكتشافات هامة كمقابر فرعونية، ربما كان من الصعب البحث عنها أسفل منازل خاصة.
واكتشفت العديد من القطع الأثرية المصرية، بعد عرضها للبيع في صالات للمزادات خارج مصر، وفي الآونة الأخيرة بات مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي يطلقون المناشدات للتحرك نحو استردادها.
ومنذ عام 1983 جُرم بيع الآثار أو إهدائها، بعد أن صدر قانون حماية الآثار المصري، لذلك تبحث السلطات فيما إذا كانت القطع المعروضة في الخارج قد وصلت قبل إقرار القانون أو بعده.
يقول رئيس إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار المصرية، شعبان عبد الجواد، لبي بي سي نيوز عربي إنه فور العلم بعرض آثار مصرية في مزاد بالخارج تتواصل الحكومة مع مسؤولي المزاد والسلطات المعنية في بلد المزاد وأحيانًا الإنتربول الدولي، لتبيان شرعية خروج القطع من مصر واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة نحو استردادها إذا كانت خرجت بطريق غير شرعي.
ونجحت الحكومة المصرية في استرداد العديد من قطع الآُثار في الخارج التي أخذت من باطن أراضيها بشكل غير شرعي، لكنها فشلت أيضًا في استرداد كثير مما سرق من حضارتها وثقافتها العريقة.
يعود وزير الآثار المصري السابق، زاهي حواس، ليعلق قائلًا إنه يصعب على الشرطة والأجهزة المعنية وحدها وقف التنقيب والاتجار غير الشرعي في الآثار، بسبب أن الناس تحفر في منازلها وممتلكاتها الخاصة.
ويدعو حواس الحكومة المصرية أن تعلن عن مكافآت مجزية لمن يبلغ عن اكتشافه آثارًا أو عن عمليات التنقيب عنها، بالإضافة إلى نشر المزيد من الوعي بأن التاريخ والحضارة لا تقدر بمال ولا يمكن بيعها.
التعليقات