يرصد فيلم "ليلى-1996" للمخرج الإيراني داريوش مهرجوئي، مظاهر التجاذب والتفاعل والتصارع بين قدامة راسخة وحداثة مغرية بإيران. ويكشف عن معيقات الفردانية، من خلال رصد دقيق للحالات الشعورية واستعمال لغة سينمائية موحية وتقنيات مسرحية مكيفة(تقنية التباعد).

-مسار التطوح: I
تتم سيرورة التطوح عبر مجموعة من التحولات والنقلات:
1-محطة اكتشاف العقم: تمت تبرئة رضا/علي مصفا مسبقا من العقم، وتحميل مسؤولية عدم الإنجاب لليلى/ليلى حاتمي (موقف الأم والأخوات الثلاث المتضامنات) دون التحقق من ذلك طبيا وعلميا.
2-محطة العلاج الطبي: لم يسفر العلاج الطبي الطويل والمرهق عن أية نتيجة مما حمل ليلى/ليلى حاتمي على التفكير في التبني.
3-محطة البحث عن زوجة ثانية: استغرق البحث عن الزوجة الملائمة (الولود والعارفة بوضع رضا والقابلة بالخضوع لسلطة الزوجة الأولى) مدة طويلة نسبيا؛ ما كان من السهل إيجاد الزوجة المناسبة(فالمرشحة الأولى محدودة الجمال ومنشغلة بالسفر والثانية مطلقة وكتومة وصارمة والثالثة جريئة، تطلب من رضا، صراحة، تطليق زوجته عمليا إن رغب في الارتباط بها).
4-محطة الاقتران بالزوجة الثانية:
اختار رضا مرغما قبول الزواج بأرملة شابة، بعد قبولها الشروط الموضوعة، وتمت مراسيم الزواج بمشاركة ليلى نفسها (اختيار الخاتم /تحديد محل شراء فستان الفرح).
5-محطة هجر ليلى بيت الزوجة، بسبب عدم تحملها ارتباط زوجها بامرأة ثانية.
6-محطة التحطم الشامل أو الشقاء المعمم: فقد تحطمت آمال الجدة/جميلة شيخي بعد إنجاب الطفلة باران، وتحطمت آمال رضا، بسبب نفور ليلى منه ورفضها استئناف الحياة معه، وغاصت ليلى، أكثر فأكثر، في الجمود العاطفي والخمود العملي والضياع الوجودي.

-الوضع العائلي لليلى ورضا: II
1-عائلة ليلى /ليلى حاتمي:
إن عائلة ليلى/ليلى حاتمي، أقل غنى و أكثر انفتاحا بالقياس إلى عائلة رضا/علي مصفا. فبينما تهيمن الذرائعية المشبعة بخلفيات تقليدية، على عائلة رضا(اهتمام الأم/ جميلة شيخي بالمال والمكانة الاجتماعية أكثر من اهتمامها بالجمال والسعادة الشخصية)، فإن عائلة ليلى/ليلى حاتمي، منفتحة على ما يغني الوجدان والشعور والكينونة(الصداقة والحب و الأدب والغناء والسخرية والأكلات الجماعية والتمرد الساخر /الخال /محمد رضا شريفي نيا ).
2-أسرة رضا/علي مصفا:
تظهر مظاهر الغنى والرفاهية والتبرجز على أسرة رضا/علي مصفا (البيت الواسع /الفراش الوثير/التحف الفنية /الهدايا الثمينة/امتلاك شركة هندسة )؛ورغم تبرجزها المظهري، فإنها مشبعة خلافا للمتوقع، بالقيم والمعياريات التقليدية.
لا يختلف أفرادها، إلا في طرق تكييف تلك القيم والمعايير، وتوظيفها عمليا ؛ولذلك يمكن تقسيم أفرادها إلى ثلاثة أصناف:

-التقليدي الصريح:
لا تتورع الأم/ جميلة شيخي عن الدفاع عن القيم والمواقع الأبوية، واستعمال كل الوسائل النفسانية والمناورات الممكنة، لحمل رضا/علي مصفا على الارتباط بزوجة ثانية، وإنجاب طفل يضمن استمرار العقب في العائلة.
-التقليدي المعتدل:
تختلف استجابات وميولات الأخوات الثلاث/فيروز /فريدة/بارفين، حسب المواقع والسياقات ؛فهن يسايرن الأم تارة، ويرفضن مقترحها تارة أخرى. ومن البين أنهن يمارسن الضغط على ليلى/ليلى حاتمي بتكثيف المكالمات الهاتفية بعد إجراء الفحوصات دون مراعاة شعورها وحالتها النفسانية، وبدعوتها إلى رفض المقترح، والتشديد على ما يمكن أن يتولد عن الزواج من امرأة ثانية (التقلب العاطفي وفقدان المكانة الرمزية والوجدانية). تستعمل الأخوات مثل الأم /جميلة شيخي، التخويف والضغط، في حالات الاستطلاع والاستخبار كما في حالة الدعم /الوصاية والتوجيه.
-التقليدي المنعزل:
يكتفي الأب/أمير بايور، الغائص في جبرية تطهرية، بالحدب والتعاطف مع ليلى/ليلى حاتمي، دون أن يجرؤ على تعديل أو تغيير مجرى الأحداث. فهو يرفض تسلط الأم / جميلة شيخي ومناورات الخالة شمسي المحكومة في اعتباره بالدغل والرغبة في الانتقام، إلا أنه يكتفي بالمراقبة والانعزال ودعوة ليلى/ليلى حاتمي إلى الرضا بمصيرها وقدرها.

-السمات والخصائص: III
1-سمات وخصائص ليلى/ليلى حاتمي:
-الشك والتردد وعدم الحسم:
إن ليلى/ليلى حاتمي شاكة ومترددة نظريا، وخاضعة عمليا.
إن شكها مبرر، بحكم استحالة الاستيقان في الوجدانيات، واستحالة الحسم في التداعيات والمستجدات المرتقبة في المستقبل المنظور وفي المستقبل البعيد. لقد تمكنت الأم / جميلة شيخي من إقناعها بقبول اقتراحها، بالتشديد على هشاشة الحب وعرضية العلائق العاطفية المتوهجة والمتأججة، وعلى ارتهان الرجال، بالثقافة الأبوية الموروثة. ومهما حاول رضا/علي مصفا التفرد، فإنه لن يخرج، عاجلا أو آجلا، عن المعتاد كما أكدت أخواته الثلاث كذلك.
تميل ليلى بعواطفها إلى التفرد وقوة الحب وصلابة العشق، وتميل بعقلها إلى هشاشة الحب، وجاذبية الموروث، وصلابة الحقائق السوسيولوجية.
تؤكد ليلى، بقبولها هجر بيت الزوجية، ورفض عروض رضا/ علي مصفا، هشاشة الحب، وشكها العميق في إمكان استمرار وهج العشق وقدرة شعلة العواطف على الصمود وسط إعصار المصالح واكراهات المجتمع وقيمه المعيارية.
- الإنصاف والإيثار:
لا ترى ليلى/ليلى حاتمي تطور الأحداث من منظور ذاتي أو ذاتاني، بل من منظور يتوخى الإنصاف ومراعاة مصلحة الآخر، خلافا للأم. فقد رفضت التبني، بعد استقصاءات و معاينات، لاقتناعها بإمكان إيجاد بديل آخر. تحاول دوما، دفعا للحرج واحتراما للمقامات، ودرءا للضغوط، و وفاء بالوعد، إرضاء الأم المتطلبة والمتحكمة والمستعجلة.
لقد قبلت محو الذات وإلغاء الوجود (تنظيف البيت /إخفاء أغراضها وصورها /الإقامة بغرفة الضيوف)، وحضور لحظات استقدام العروس، وشهود علامات الفرح على وجوه وسحنات أهل غيتي/شقايق فراهاني.
-الانشطار النفساني:
تضطر ليلى/ليلى حاتمي إلى مسايرة الأم وتقبل قرارتها؛ إلا أن موافقتها العملية على قراراتها، مصحوبة دوما برفض باطني في الغالب تعبر عنه من خلال: الصمت /تفادي النظر إلى وجه الأم/التفكير في تبعات الفعل /التمزق والحيرة/النظرات الحائرة والمستفهمة /تمزيق عقد اللؤلؤ/التكافؤ الوجداني /التردد والرفض والتماطل أحيانا.
المازوشية:
وفيما تحاول إرضاء الأم/جميلة شيخي، فإنها تغرق تدريجيا في التمزق النفساني (الاقتناع بمسوغات الأم عقليا والتشبث عاطفيا بحبيبها)، وفي المازوشية ( استعذاب الألم النفساني والتمزق الوجداني والاكتفاء بالسلبية التامة حتى بعد تطليق الزوجة الثانية واستغراق رضا/علي مصفا في الاكتئاب ).
2-سمات وخصائص رضا/علي مصفا:
-التبعية وعدم الحسم:
لا يملك رضا مقومات الشخصية المستقلة القادرة على الدفاع، نظريا وعمليا، عن قناعاتها الذاتية.
فبينما يبث ويقطع في اختياراته نظريا(عدم الاهتمام بالإنجاب/الاستشهاد بقولة تنتقد الإنجاب/انتقاد هوس الأم بالإنجاب )، لا يكف عن التردد والارتباك عمليا(الموافقة على مقترح الأم بعد تردد وتماطل ) والخضوع واقعيا.
-السلبية:
لا يحاول رضا/علي مصفا التصدي للأم/جميلة شيخي ومواجهتها ومنعها من الضغط على ليلى/ليلى حاتمي المستكينة والخاضعة، بحكم التنشئة الاجتماعية والثقافة وتركيبة الشخصية، بل يتواطؤ مع ليلى، من خلال تنظيم زيارات خاصة لأسر المرشحات الأربع للزواج به، وإيفاء ليلى بتقارير شاملة (ساخرة وكاريكاتورية في الغالب)عن ما جرى أثناء تلك اللقاءات، وإشراكها في الإعداد للعرس(اختيار الخاتم /تحديد محل شراء فستان العرس /تنظيف وإعداد وتزيين البيت بالورود).
-المازوشية:
لم يتمكن رضا/علي مصفا من إقناع ليلى/ليلى حاتمي باستئناف الحياة المشتركة، بعد أيلولة زواجه الثاني إلى الفشل، بسبب ارتهانه بحب ليلى، وتذمر الزوجة الثانية، من بروده ولامبالاته العاطفية تجاهها. لم يتمكن بعد فشل زواجه وولادة ابنته باران، من استجماع قواه، وتثبيت ذاته، بل استعذب الألم واستمرأ الإخفاق، وغاص في السوداوية.
(هذا الطرف المتسلط لا يستقر له توازن إلا حين يدفع بذلك المقهور إلى موقع الرضوخ العاجز المستسلم، إلى الموقع المازوشي. جوهر السادية ولبها هما علاقة سطوة، لا يستطيع المتسلط السادي أن يكون إلا من خلال التعزيز الدائم لسطوته. وهذه لا تتعزز إلا بمقدار إضعاف الطرف الآخر في العلاقة، تحطيمه والاستحواذ الكلي عليه) -1-
تنحاز الأم/جميلة شيخي إلى الأبوية، فكرا وقيما وممارسات؛ ومن الطبيعي، إذن، أن تعتني بالمواضعات الاجتماعية وتغلب منطق الخصوبة ومنظور الأمومة على السعادة ودفء العواطف.
وبينما يسعى رضا/علي مصفا، إلى الفصل بين الأنوثة والخصوبة/الأمومة، فإن الأم تصر على الربط بينهما، و تربط مكانة المرأة لا بقدرتها على إسعاد نفسها والآخرين، بل بضمان استمرار العقب و التوافق مع الموافقات والمواضعات الاجتماعية-التاريخية.

مسار الإقناع الصعب: -IV
1-سلبية وخضوع ليلى /ليلى حاتمي:
قابلت ليلى أفعال ومبادرات وضغوط الأم، بالتكيف والرضوخ والإذعان.
التأني وربح الوقت: قابلت استعجال الأم /جميلة شيخي، بالتأني والتمهل والتريث، ريثما تتغير الأحوال.
استبعاد أسرتها: لم تستعن ليلى/ليلى حاتمي بخدمات أسرتها ما خلا أختها الصغرى نازغول، خلافا للأم، فواجهت الضغوط النفسانية والذهنية والمخاوف والشكوك دون سند ومعين.
الصبر: ركنت إلى التصبر والتجلد والتحمل لاقتناعها عقليا، بسلامة حجج الأم، وافتقارها عمليا، إلى حام يحميها من سطوة الأم المتحكمة.
المبادرة المحتشمة: حاولت ليلى/ليلى حاتمي إيجاد حل لمشكلتها، بعد فشل العلاج والمساعدة الطبيين، بالتوجه إلى التبني. الا أنها رفضت هذا التوجه، بعد استشارة المختصين ومعاينة الأطفال المرشحين للتبني، بسبب عدم ارتياحها نفسانيا لتربية طفل غريب، وإحساسها بالذنب بفعل حرمانها رضا/علي مصفا من طفل من صلبه.
الاستجابة والخضوع: قابلت ليلى/ليلى حاتمي تصميم وصرامة الأم، بكثير من الليونة والخضوع.
الاستسلام والمسايرة: انخرطت ليلى/ليلى حاتمي في مسار إيجاد الزوجة الثانية ( إقناع رضا/علي مصفا بقبول الزواج بامرأة ثانية /اختيار الخاتم /مرافقته أثناء التوجه إلى مساكن المرشحات الأربع /قبول المرشحة الرابعة /الموافقة على زواج رضا/علي مصفا/تنظيف البيت وتزيينه بالورود/تتبع مراسيم استقبال العروس والترحيب بالضيوف في المنزل...).
لم تتمكن الأم/جميلة شيخي من إقناع ليلى/ليلى حاتمي بمخططها، إلا لأنها طيعة وقابلة للتأثير، وغير جازمة في اختياراتها.
تقتحم الأم/جميلة شيخي قلاع ليلى/ليلى حاتمي، وهي مسلحة بخبرتها بالناس والطباع والسلوكيات، وتمكنت من خلخلة يقينها وإقناعها، بما لا يمكن تصوره في مثل وضعيتها: الموافقة على زواج رضا بامرأة أخرى قصد إنجاب طفل.
2-الأم وتنويع أساليب الإخضاع:
-التودد الكاذب: استعملت الأم /جميلة شيخي التودد( إهداء عقد من اللؤلؤ الموروث عن حماتها إلى ليلى ) والمجاملة( التنويه بجمالها وملاحتها )، والادعاء الكاذب (حرصها على مصلحتها).
-إثارة الخوف: تمكنت من خلخلة يقين ليلى/ليلى حاتمي، بالتشديد على هشاشة الحب وتقلب العواطف وعناد الرجال، وتغير الأولويات حسب العمر.
-الكذب: ادعت اهتمام رضا/علي مصفا الكبير بإنجاب طفل، بدليل طلبه الدعاء له بالرزق بالذرية الصالحة في مقام الإمام علي بن موسى الرضا بمشهد و مقام السيدة زينب بسوريا.
البكاء والاستعطاف: تلجأ الأم /جميلة شيخي إلى الاستعطاف المصحوب بالبكاء، للتأثير في ليلى/ليلى حاتمي وتليين عريكتها.
-الضغط: واصلت الأم /جميلة شيخي الضغط على ليلى/ليلى حاتمي، حتى تمكنت من إقناعها بالموافقة على زواج رضا/علي مصفا بزوجة ثانية. فقد اهتبلت كل الفرص الممكنة (النزهة الجماعية /الاتصالات الهاتفية المكثفة /الزيارات المفاجئة )، لمطالبة ليلى بالإسراع بإقناع رضا بقبول الزواج بامرأة ثانية، وقبول إحدى المرشحات دون إيلاء الجمال والجاذبية والمظهر أهمية كبرى.
-الاستعانة بأختها: استعانت الأم بأختها شمسي الملحاحة والمتطلبة مثلها، في إيجاد الزوجة المطلوبة لرضا.
-الإحراج: تبالغ الأم/جميلة شيخي في إحراج ليلى/ليلى خاتمي، من خلال المكالمات والزيارات المفاجئة، والمتابعة الدقيقة، لما يجري، والمطالبة بالإسراع في التنفيذ.وكلما ركنت ليلى إلى الخمود، للاستراحة من التوتر والضيق النفسانيين، اتصلت بها الأم لتذكيرها بوعودها، و حثها على إقناع رضا المتردد والمتمهل والمدقق في الاختيار- تسويفا ومماطلة- بالإسراع في الاقتران بالمرأة الولود.
لا تظهر الأم/ جميلة شيخي أي تعاطف مع ليلى/ليلى حاتمي(تنفي –مسبقا-إصابة رضا/علي مصفا بالعقم دون أي مسوغ علمي أو طبي)، ولا تراعي مشاعرها(الانشغال بمراسيم الزواج بالزوجة الثانية دون مواساة ليلى/ليلى حاتمي )، بل تمعن في الضغط والإيحاء وإثارة المخاوف وتذكيرها بما يتوجب القيام به أثناء كل لقاء أو مكالمة هاتفية.إن الأم/جميلة شيخي منشغلة بالخصوبة واستمرارية العقب والمكانة الاجتماعية، ولا تولي كبير عناية للعواطف والمشاعر.
لا تنافح الأم عن منظورها وقيمها، منعزلة، بل تنسق بكثير من التساوق مع الخالة شمسي، خلافا لليلى/ليلى حاتمي، المكتفية بالاستجابة والتحمل والصبر والاستلام والعزلة والمناجاة والإفضاء بأسرارها إلى أختها نازغول، ولرضا/علي مصفا المكتفي بالرفض النظري وتأكيد المنطلقات والمبادئ الذاتية، والقبول العملي بمقررات الآخر، باسم إرضاء المحبوب والحرص على هناءته.

- الموتيفات المتواترة: V
الأكلات: -1
يبدأ فيلم" ليلى" وينتهي بحفلة شله زرد، ويحضر إعداد وتناول الوجبات والأكلات في كل أطواره. ويمكن التمييز بين ثلاثة أصناف من الأكلات المعروضة:
-الأكلات التقليدية (شله زرد):
ترتبط الأكلات التقليدية (شلة زرد وشيش كباب)، بالذاكرة الجمعية (الرموز والزينة والتصليات والموسيقى الإيرانية ) وبتواريخ راسخة (يحتفل بشله زرد في 28 من شهر صفر) وتسهم في تعضيد اللحمة وتقوية الروابط والعلائق بين الأفراد(تعرف رضا/علي مصفا إلى ليلى/ليلى حاتمي في حفلة شله زرد) والمجموعات.
(..إن الأكل نشاطات مجمعنة: تخضع لطقوس واحتفالات رسمها المجتمع وشرعها الوعي الاجتماعي العام ؛ثم هو نشاطات مروحنة:تخضع لشعائر وبنية، أو لقواعد روحية ترفع الفردي رابطة إياه بالمطلق والعام والشامل) -2-
-الأكلات الآسيوية (الصينية /اليابانية):
شرعت ليلى/ليلى حاتمي في إعداد أكلة صينية لرضا/علي مصفا ؛إلا أنها أحجمت عن إتمام إعدادها بعد أن فاجأتها أمه بزيارة مفاجئة وصاعقة. فقد تاقت إلى عشاء صيني، ينسيها تقاسمه مع حبيبها، معاناة العلاج الطبي والتنقل بين الأطباء والخبراء، وضغوط الحماة المتحكمة، إلا أنها ستفاجأ بجرأة ودهاء وتلون هذه المرأة العنيدة وإمعانها في التطلب.
ويطغى الارتياح على الزوجين في المطعم الياباني، ويسعدهما الحبور والسرور. قبل أن تفاجئهما الأم صباحا، بمكالمة هاتفية تعيدهما إلى التخبط والمقاساة النفسانية والتطوح.
-الأكلات المنزلية:
يعد الزوجان مرارا، أكلة كباب الدجاج، بكثير من الفرح والحدب تارة وكثير من القلق والإحباط تارة أخرى.
يتعذر في أحيان كثيرة الاستمتاع بالأكل، كلما تعذر التحرر من وطأة الضغوط، وعجز الزوجان عن إنهاء مسار التطوح.
2-السبحات:
تحرص ليلى / ليلى حاتمي على إهداء سبحة شاه مقصود لرضا/علي مصفا، بعد موافقتها على اقترانه بالأرملة الشابة؛إن تهادي السبحات، مظهر من مظاهر الارتباط الوجداني بالموروث الثقافي-التاريخي، والارتباط بقيمه ومعاييره.
3-الهاتف:
كلما رن الهاتف، تسارعت نبضات القلب، وخيم الغم على النفس.
لا تتصل الأم أو الخالةّ هاتفيا، بليلى لمواساتها أو التعاطف معها، بل للاستخبار عن الجديد (نتائج الفحوصات الطبية /نتائج العلاج الطبي) وممارسة الضغط عليها (السماح لرضا بالزواج من امرأة ثانية /الموافقة على الاقتران بإحدى المرشحات/الاستفسار عن الخطوة المقبلة/تحديد مواعيد الزيارات).
4-السيارة:
تمثل السيارة، هنا، فضاء الهناء والصفاء الوجداني والتواصل بلا عوائق مع الحبيب، تارة ( الحديث الودي عن الإنجاب وعن عدد الأطفال المرغوب فيه /الحديث عن إمكان الإصابة بالعقم/الحديث الساخر والضاحك عن غباء المرشحة الأولى و وغرابة حديثها وتصرفاتها وقوة شخصية وصرامة المرشحة الثانية الرافضة للارتباط الشرعي بزوج عقيم وجرأة ووقاحة المرشحة الثالثة )، وفضاء التساؤل والاستفسار والحيرة والاستيقان (بكاء ليلى بعد تأكيد الطبيبة عقمها/تأكيد رضا عدم اهتمامه بالإنجاب/الحديث عن الحب والبديل المقترح بعد فشل العلاج الطبي /الاستفسار عن المرشحة الرابعة الرزينة ) تارة أخرى.
يتحرر الحبيبان، مؤقتا، من الضغط النفساني والضيق والنكد وإملاءات الآخرين في السيارة، ويفكران سويا في ما يقع، ويسخران من المستجدات (غرابة أطوار المشرحات وخيبة أمل الخالة شمسي).

- الصورة السينمائية والتعبير البصري: VI
تتميز مشاهد مخصوصة في الفيلم بقدرتها الإيحائية العالية، وحمولتها الاستعارية الكبيرة(تناثر حبات اللؤلؤ وسقوطها في الحوض المائي /أطباق شلة زرد المعدة وفق بروتوكول دقيق /طفح الإبريق/مشهد الحمل المصطنع/مشهد تعتيم وجه ليلى/ليلى حاتمي وإضاءة وجه رضا /علي مصفا /مشهد معاينة ليلى/ليلى حاتمي المرشحة المقبولة).
1-انفراط عقد اللؤلؤ وتناثر حباته:
إن عقد اللؤلؤ الجميل، طوق أسود يخنق أنفاس ليلى/ليلى حاتمي. فبدلا من إسعادها (إهداؤها عقد لؤلؤ موروث عن حماة الأم)والحرص على تأبيد علاقتها برضا / علي مصفا، تروم الأم/جميلة شيخي، العصف بيقينها وهنائها وسعادتها، من خلال التأكيد على ضرورة الإنجاب واستمرار العقب والذرية. فكما تتساقط حبات اللؤلؤ الواحدة تلو الأخرى في الحوض المائي، وترقص وتؤول إلى الجمود، فإن سعادة ليلى /ليلى حاتمي، تتساقط وترقص وتؤول إلى الخمود(إلغاء العشاء الصيني والاستغراق في التمزق والمكابدة ) حين تكتشف- وهي مصعوقة- عناد وتطلب الأم.
2-إعداد أكلة شله زرد:
يخضع إعداد أكلة شله زرد لطقوس وبروتوكول دقيق ويقتضي مشاركة جماعية(مشاركة ليلى/ليلى حاتمي وهي عزباء في إعداده ).إن التوصيف أو التوثيق الدقيق، لطقوس إعداده(المواد والمراحل والمشاركين والطقوس ) وتزينه(الرسوم والأسماء )، والاحتفاء الجماعي به والحرص على مواعيد تنظيمه(28صفر)، كاشف عن تغلغل الممارسات التقليدية في المجتمع وتفردها بالمأسسة، بالقياس إلى التحديث والحداثة، المشمولين بالالتباس والقلق وغياب المؤسسات الثقافية-الاجتماعية الراسخة المساندة لهما.
3-طفح الإبريق:
إن طفح الإبريق، معادل بصري، لتضايق ليلى/ليلى حاتمي وعدم تحملها وتبرمها من أقوال وتأكيدات و مطالب الأم. لم تتحمل ليلى/ليلى حاتمي، تأكيد الأم رغبة رضا في إنجاب الأطفال، وإصراره، عاجلا أو آجلا، على الإنجاب من زوجة أخرى.
4-الحمل المصطنع:
صار إنجاب طفل يرضي رغبات وكبرياء الأم، مطلبا عزيزا، وتحول إلى استيهام، يكشف عما يستوطن الذات من هواجس ويعبث بتماسكها. وفيما تعذر الحمل البيولوجي بسبب اختلال التوازن الهرموني(انخفاض مستوى هرمون الإستروجين ونقص هرمون البروجستيرون)، فإن الحمل المصطنع ممكن، طالما توفرت الرغبة، وتأهبت المخيلة لرسم سيناريو الحمل الكاذب.
تكاد كينونة ليلى/ليلى حاتمي تلغى، حين تلغى أبعادها العاطفية والثقافية والوجودية، وتحصر في بعد وحيد و معياري: بعد الإنجاب. وتتماهى ليلى/ليلى حاتمي، مع هذا التصور الأبوي، بلف الأثواب البيضاء على بطنها، حتى تحس استيهاما و وهما، بتحقق الحمل المرغوب فيه /المستحيل والاستجابة، تاليا، لمطلب ثقافي –اجتماعي معياري.
5-تعتيم وجه ليلى/ليلى حاتمي:
يتم تعتيم وجه ليلى في مشهد دال على فداحة الاستلاب والانسحاق.
وبينما نرى وجه رضا/علي مصفا بوضوح، لا نرى إلا في نهاية المشهد وجه ليلى/ليلى حاتمي؛ يبتلع الظلام، ليلى/ليلى حاتمي، وجودا وفكرا وشعورا، مما يكشف عن استغراقها، كليا في الاكتئاب والتوتر والانسحاق والانشطار النفساني. ففيما تظهر بعض التماسك، في كلامها، فإنها تغوص في التمزق والألم النفساني والانسحاق الوجودي. تكشف الصورة هنا، عن عمق الاستلاب، والعجز عن التحرر من أسره، و عدم القدرة على تثبيت الذات في مواجهة إعصار المطالب المعيارية.
6-معاينة المرشحة الرابعة:
تعاين ليلى/ليلى حاتمي الزوجة المرتقبة، من وراء لوحة الإعلانات الكبيرة. ففيما تتنازل وتمحو نرجسيتها، فهي تقبل التخفي، وإبراز جزء يسير من جسمها ووجهها وكينونتها.
تحجب الكلية، في سياق الهدر والانسحاق، ليبرز الجزء(جزء من الوجه) وتتضاءل الكينونة.

- جمالية التباعد في فيلم "ليلى": VII
يمكن التباعد المشاهد من تفادي التماهي مع المعروض الدرامي، والنظر إلى مجرياته وأحداثه ودلالاته نظرة فاحصة وناقدة.
1-المونولوغ الداخلي:
نتعرف على العالم الشعوري لليلى/ليلى حاتمي، من خلال حواراتها الداخلية المتواترة. فحيث إنها وحيدة ورهينة وضعية معضلة (العقم في وسط يولي الدور الإنجابي أهمية خاصة ) وحذرة من تدخلات الآخرين(كتمت مشكلتها عن أسرتها ما خلا أختها الصغرى نازغول)، فإنها تفصح عن حيرتها وشكها وقلقها و تمزقها النفساني، في حوارات ذاتية مسترسلة.
2-الاقتراب من الكاميرا:
تتوجه الأم/جميلة شيخي إلى الكاميرا، يوم عيد ميلاد ليلى/ليلى حاتمي، لتؤكد توقها إلى رؤية ابن رضا في السنة القادمة، وعزمها على تنظيم حفلة كبيرة. وتكشف هذه التقنية المسرحية البريشتية، عن ارتهان عقدة الفيلم ومجرياته السردية بالإنجاب والخصوبة، ودور الأم المركزي في تحريك الأحداث وتسريع الإيقاع الدرامي.
كما تعمد أخوات رضا/علي مصفا، إلى الاقتراب من الكاميرا، لإخبار ليلى/ليلى حاتمي المكتئبة والمشاهد، باتساع شقة الخلاف بين رضا و أمه، وتضايق الزوجة الثانية من اللامبالاة، وتحميل الأب/أمير بايور الأم /جميلة شيخي مسؤولية المأساة الواقعة.
إن المشاهد مطالب هنا بالتفكير في أسباب ومعاني وتبعات التحطيم الشامل للحيوات باسم معيار اجتماعي-تاريخي، واستحضار الوعي النقدي في تأمل ورصد الدلالات الثقافية للأحداث الدرامية.
(...مثلما يتسم هذا المفهوم الأبوي بالتحجر والجمود والتناقضات الداخلية التي تمزقه وتستنزف طاقاته المعنوية وتدفع أفراده إلى الشعور بالتمزق، ما يؤدي إلى تقييم دوني للذات. ) -3-
3-الاستماع إلى صوت المتحدثة:
نستمع إلى صوت الأم، وهي تحادث -عبر الهاتف- رضا، محتجة عن رفضه الزواج بابنة العقيد، الغني. فهي تستغرب تشبثه بالجمال والجاذبية، فيما تعتبر الإنجاب أولى الأولويات. يقارن المشاهد احتجاج الأم وجديتها و خيبة أملها وتعبيراتها الفيزيقية، بالصورة الكاريكاتورية المقدمة عن الفتاة( فتاة مستغرقة في قضم الأظافر والحلم بالهجرة /فاقدة للجاذبية والقدرة على التواصل الغني /مهووسة بالسفر /مثقلة بالذهب)، ويرصد مفارقة السلوك الإنساني.
كما نستمع إلى صوت الخالة شمسي، وهي تستفسر ليلى /ليلى حاتمي عن رأي رضا / علي مصفا في المرشحة الرابعة، وتخبر الشاب المكتئب بموعد حضور الشابة المقبولة صحبة أمها لرؤية ليلى وأخذ موافقتها النهائية. يكتفي المشاهد بالتخييل، ورصد انفعالات(فرح الخالة بعد الموافقة على المرشحة الرابعة /الاعتزاز بالذات بعد نجاح المحاولة الرابعة /التلهف على إجراء الزيارة وأخذ موافقة ليلى النهائية ) الخالة المتواطئة مع الأم والمتحمسة والفرحة بنجاحها في مساعيها.
4-التعرف إلى المرشحات للزواج برضا:
لا نعرف ما جرى خلال لقاء رضا وخالته شمسي بالمرشحات للزواج به وأسرهن إلا من منظور رضا بالدرجة الأولى.
ويحرص رضا في تقاريره عن وقائع الزيارات على الكشف عن المفارقات(شكوى العقيد من غلاء الأسعار فيما يثقل الذهب نساء أسرته/حلم بنته بالسفر والإقامة خارج إيران) والطرائف(تقديم صورة كاريكاتورية وفنتازية عن المرشحة الأولى/قساوة المرشحة الثانية وإصرارها على الطلاق من زوجها العقيم رغم تفانيه في حبها) والاختلافات(جرأة المرشحة الثالثة ورفضها دور الزوجة التابعة ).ويتخلى عن السخرية والهزل، حين يتحدث عن وقائع اللقاء بالمرشحة الرابعة، الطيعة بحكم وضعها الاجتماعي(مطلقة من أسرة متوسطة ) والقابلة- بموافقة أمها- الشرط المطلوب.
ومن الطبيعي، أن يميل المشاهد إلى ملء الفجوات، وإعادة بناء المشاهد، تخييليا، وقراءة إفادات رضا، في ضوء معرفته بشخصيته وفي ضوء ما استجد بعد اقتران رضا بغيتي/شقايق فراهاني وفشل زواجهما، وعقدهما صفقة حصلت بموجبها الزوجة المطلقة على المهر و الشقة، وتزوجت بابن عمها.
5-التخفي ومحو الذات:
تعمد ليلى/ليلى حاتمي الحائرة، إلى التخفي وراء الأشجار والحدائق واللوحات. تكشف اللقطات الكاشفة عن الرغبة في التخفي والانمحاء، عن التنكر للذات(إخفاء نصف الوجه)، والخوف من الآخر (الزوجة الثانية) والخوف من المستقبل (نضوب الحب /تقلب العواطف/فقدان المكانة الرمزية بعد تمكن المرأة الثانية من الإنجاب).
6-قراءة الفنجان:
كانت قراءة الفنجان، مجرد طريقة للتعبير عن المكنون، بطريقة غير مباشرة.
7-الخاتمة السوداوية:
كانت نهاية الفيلم سوداوية تذكر بالسجلات والمتخيلات الرومانسية (ركون رضا/علي مصفا إلى عزلة شعورية وخمود عاطفي بعد توالي الخيبات /ركون ليلى/ليلى حاتمي إلى سلبية مستحكمة ومازوشية قارضة للحيوية )، لا تراجيدية ترصد نتائج وتبعات إيقاف سيرورة التفريد، وترصد آليات الفرد في التكيف والتأقلم والمسايرة طورا و التحدي والتمرد والمخالفة طورا آخر.

- جاذبية الحداثة وصلابة القدامة: VIII
يطرح هذا الفيلم إشكالية الفردانية في مجتمعات انتقالية، منجذبة بحكم التاريخ والذاكرة إلى القدامة ومندفعة بحكم جاذبية الحضارة المعولمة إلى الحداثة. إن سيرورة الفردانية، معاقة دوما، في غياب تحرر الفرد من الأطر الجماعية الحاضرة في الشعور والمتخيل الجمعي (الارتهان بالبنيات الاجتماعية-الاقتصادية التقليدية ).وبينما تنتصر الأم/جميلة شيخي إلى الجماعة واستمرارها عبر إعادة إنتاج الموروث الأبوي، تصدر ليلى/ ليلى حاتمي عن فردانية جنينية، لا تملك كل المقومات الثقافية والحضارية والإجرائية، لإخراج الفرد من التردد و الاحتمالية وتناقض الأضداد والتوفيقية. وفيما تغوص ليلى في الحيرة والتردد والارتباك وإرضاء الآخر قسرا، فإن الأم المتحكمة، تزداد إصرارا على تحقيق قصدها (الإنجاب وضمان استمرارية العقب في العائلة واستمرار التوريث المادي والرمزي ) واقتناعا بشرعية وجدوى اقتراحها.
(والمرأة هي أكثر أعضاء الجماعة العصبية تعرضا للقبول المشروط واختزال كيانها في وظائف ودلالات تخدم العصبية.هي أكثر الكائنات التي يمنع عليها أن تكون لذاتها، أو أن ترغب، أو تتطلع إلى ما وراء ما يناط بها من وظائف وأدوار. مفهوم المرأة في العصبية هي المرأة الأم(الرحم الذي ينجب والثدي الذي يرضع )أساسا)-4-
وفيما يرنو الفرد إلى إثبات الذات، ورسم مساره بمعزل عن معايير الجماعية (عدم الإنجاب وتغليب الحب على المصالح )، فإنه يصطدم بصلابة الموروث وقوة متبنيه وقدرتهم العالية على الإقناع والتطويع (جمع الأم/جميلة شيخي بين الليونة وبين الصرامة، بين التودد وبين الضغط، بين التأثير النفساني وبين التسويغ المعياري )، فيتراجع إلى المواقع السلبية، يكابد ويلات الإخفاق والهدر والكآبة(التمزق النفساني والكأبة الوجودية)، و يحتمي بذاتية مهشمة(احتماء ليلى/ليلى حاتمي بالوحدة بعد زواج رضا / علي مصفا/ استغراق رضا في العزلة والتيه العاطفي بعد تطليق الزوجة الثانية العاجزة عن استمالته عاطفيا/ارتهانه عاطفيا ووجدانيا بالماضي وعجزه عن التكيف مع المستجدات الجديدة).
تصدر الأم/ جميلة شيخي عن إبدال ثقافي ومتخيل اجتماعي وممارسات اجتماعية عريقة؛ وهي مقتنعة بشرعية تدخلاتها ومبادراتها، وضرورة استنقاذ ابنها من الخدر العاطفي وتنبيهه إلى ضرورة تأبيد القواعد والمعايير الاجتماعية-الثقافية (القيام بواجب التوريث). فالحب والسعادة، عرضان، بالقياس إلى المصالح والمواقع والمواضعات الجماعية –التاريخية في اعتبارها(رغبتها في زواج رضا بابنة عقيد الجيش الغني مثلا).
إن إيمانها بالقيم الأبوية ظاهر(صدمتها بعد إنجاب الطفلة باران)، وسلوكها الجامع بين الليونة والمكر، محكوم بدوافع ثقافية عميقة لا بإملاءات الحب التحكمي.

ينهض موقف الأم/جميلة شيخي على المرتكزات/ الضرورات التالية:
-ضرورة ضمان مصالح الجماعة من خلال الاستمرارية البيولوجية والثقافية والتوريث la transmission؛
-ضرورة استحضار المصالح والمواقع والتحرر من فتنة العواطف (الحذر من الجمال والحب والغرام والخضوع لإرادة الحبيبة)؛
-ضرورة مراعاة مستقبل الجماعة والتحرر من بهرج الحاضر العابر.
وينهض موقف ليلى/ليلى حاتمي ورضا/علي مصفا على المرتكزات /الضرورات التالية:
ضرورة مراعاة سعادة الفرد بمعزل من مصالح الجماعة الثقافية؛-
-ضرورة مراعاة الاختيار الشخصي والتخلي عن الإملاءات والإلزامات الجماعية؛
-ضرورة مراعاة الحاضر واختيارات الفرد في الحاضر بمعزل عن التطورات والمستجدات والمنعطفات المتوقعة.
إن موقف الأم/جميلة شيخي أكثر تناسقا وتماسكا، في الحقيقة، بالقياس إلى موقف ليلى/ليلى حاتمي.
فبينما تستحضر الأم الأزمنة الثلاثة ( التاريخ والحاضر والمستقبل) والديمومة والمآل البعيد للأحداث والاختيارات الشخصية والحياتية وتصر على هشاشة العواطف، فإن ليلى تراهن على قوة العواطف وجاذبية الحب، وترتهن بقوتهما وتستغرق في اللحظي، دون أدنى تفكير في وسائل دعم موقعها الاجتماعي (تحقيق الاستقلالية والأصالة الذاتية من خلال العمل المنتج أو الإبداع الجمالي أو الإنجاز العلمي أو الفني/بناء مشروع حياتي-وجودي خاص /الانخراط الفعلي في مسارات الفعل أو الإنجاز ).
إن الشخصيات (ليلى ورضا) ملتبسة القسمات والسمات، فهي منتمية، وجدانيا ومعرفيا إلى مشترك جماعي ضاغط، ومنخرطة في ذات الآن، في الحداثة. فرضا/علي مصفا، مهندس فيما يبدو، عقلاني السلوك؛ إلا أنه غارق في السلبية، ولا يفلح في تدبير الإشكال(تدخل الأم في حياته الزوجية)، ولا في توقع وتدبير ما نتج عن الارتباط بزوجة ثانية من معضلات (هجر الزوجة بيت الزوجية /تضايق الزوجة الثانية من التهميش وطلبها الطلاق بعد إنجاب بنت /باران/العودة إلى العزلة والوحدة/العجز عن إقناع ليلى باستئناف الحياة الزوجية).
أما ليلى/ليلى حاتمي فحديثة، مظهرا وسلوكا وتعاملا؛ إلا أنها لا تبرح نطاق التكيف والسلبية. فهي تتعرف إلى رضا/علي مصفا في سياق احتفالي تقليدي، وتكتفي بالتكيف مع إكراهات الإبدال التقليدي (تغليب الخصوبة والأمومة على الأنوثة و الجاذبية والتوافق والسعادة بين الأزواج)، وتعود إلى بيت أسرتها، بعد استقبال ضرتها ببيتها.
يحفل الفيلم بثنائيات دالة على الحيرة والتناقض الوجودي والوجداني وصعوبة حسم الإشكاليات الثقافية-الحضارية في مجتمع انتقالي .فتارة تنفرد مظاهر التقليد بواجهة المشهد (الاستغراق في طقوس أكلة شله زرد/تغليب الانجاب على الحب والسعادة /الركون إلى الدعاء في المشاهد /مشهد والسيدة زينب بسوريا/إهداء السبحات /شاه مقصود/إخضاع الفرد وربط مصيره بمصير الجماعة /التشديد على الإنجاب وعلى الدور الإنجابي للمرأة/التمسك بالعمارة الإيرانية التقليدية/عشق الموسيقى الإيرانية )؛وتارة يأوي الأفراد إلى حداثة مرغوبة ومرتجاة (إتحاف ليلى بالهدايا في عيد ميلادها/العشاء في مطعم ياباني/نقد الإنجاب/نقد سلطوية وتسلط الأم /تأكيد الحق في الحب والسعادة /التشديد على الحق في الحرية الشخصية / الركون إلى الطب العصري /التهادي /الاستهلاك/الانفتاح على العمارة الحديثة/ الاستمتاع بالسينما العالمية /فيلم الدكتور جيفاغو ).

تركيب: -IX
يظهر فيلم "ليلى" مظهرا من مظاهر التمزق النفساني والانشطار الثقافي والتحير والتوزع بين حداثة مرتجاة وقدامة متغلغلة في الوجدان والمتخيل.
لا يكفي تبني الحداثة والانخراط في مسالكها، للتخلص من إملاءات ونداءات قدامة متجذرة في اللاشعور الثقافي، بل لا بد من عقلنة الفعل وبناء الاستقلالية الذاتي (التأكيد على الدور الإنتاجي والفعالية الإبداعية).
يكشف الفيلم، باقتدار عن الواقعات النفسانية-الثقافية التالية:
-الشك والتردد الملازمان للحب وللعلائق العاطفية؛
-الانفصام النفساني والانشطار الثقافي في مجتمع انتقالي، ثقافيا وحضاريا.
يزداد الانفصام الثقافي والنفساني ضراوة، كلما استبد الشك والتردد والخوف من المستقبل ومن المجهول (رغبات رضا الحقيقة) والآتي.

الهوامش:
1-مصطفي حجازي، التخلف الاجتماعي –مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء –بيروت، الطبعة التاسعة 2005، ص.88.
2- علي زيعور، الأحلام والرموز، دار المناهل، بيروت –لبنان، الطبعة الأولى 2002، ص.134.
3-إبراهيم الحيدري، النظام الابوي وإشكالية الجنس عند العرب، دار الساقي، بيروت -لبنان الطبعة الأولى2003، ص.310.
4-مصطفى حجازي، الإنسان المهدور-دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء –بيروت، الطبعة الأولى 2005، ص.60.