إيلاف من الرياض: إذا بحثنا في الألفية الجديدة، ستجد أنه قلما ينجح كاتب رجل في التعبير عن المرأة ومشاعرها وأفكارها، كيفما فعل قديمًا إحسان عبدالقدوس، ولعل أنجح الأعمال خلال العشرين عامًا، التي تبحث في دواخل المرأة بعذوبة قدمتها نساء، سواء في الدراما أو السينما، بجانب بعض التجارب النادرة من تأليف رجال، ومنها فيلم "مقسوم" للمؤلف هيثم دبور.

وفيلم "مقسوم" يجمع الفنانات ليلى علوي، وشيرين رضا، وسماء إبراهيم، بجانب سارة عبدالرحمن وعمرو وهبة، وهو من تأليف هيثم دبور، وإخراج كوثر يونس، وتدور أحداثه عن فرقة موسيقية من النساء، يعتزلن بعد نجاحهن في التسعينات، ويقررن العودة للحلم القديم بعد سنوات.

"إيلاف" التقت هيثم دبور وحاورته عن كواليس فيلم "مقسوم" و"وقفة رجالة" والسينما المصرية وأشياء أخرى:

بعد النجاح الذي حققته في فيلم "وقفة رجالة"، توقعنا أن تكثف تواجدك السينمائي، لكن على العكس اخترت التأني قليلًا.. فما الذي أغراك في "مقسوم" لتعود به؟

قصة فيلم "مقسوم" أغرتني لأنني قابلت شخصيات مُشابهة لبطلات الفيلم، وأحببت التحدث عنهم وتقديم فيلم نسائي، كما أنه كانت تراودني دائمًا فكرة كتابة عمل عن النساء، يعبر عنهم بصدق وواقعية تجعل الجمهور يصدق القصة ويشعر بها.
وأيضًا أنا أحب اختبار نفسي بتجربة الأعمال المختلفة لمعرفة هل سأتمكن من تقديم هذا النوع أم لا؟ فأنا أميل للتنوع، لذا فإن فيلمي القادم مختلف تمامًا عما قدمته من قبل.
وأنا أحاول جاهدًا أن أبذل جهدًا وأتأنى في اختياراتي، كي أنظر لها بعد 10 سنوات من الآن بفخر، وألا أندم على أيٍ منها، لذلك رفضت الكثير من الأعمال التي عرضت عليّ بعد فيلمي "وقفة رجالة" و "واحد تاني" مع النجم أحمد حلمي، إلى أن وقع اختياري على "مقسوم".

صف لنا تجربتك مع أحمد حلمي في فيلمه الأخير (واحد ثاني)؟
بالطبع تجربة صعبة.. خاصةً إذا كان نجماً بحجم أحمد حلمي حيث يرتبط اسمه دائمًا بتوقعات كبرى من الجمهور، والتحدي الأكبر أن "واحد تاني" كان الفيلم الذي يشهد عودته للسينما بعد انقطاع دام 4 سنوات، والحمد لله نرى أننا قدمنا فيلمًا حقق إيرادات جيدة جدًا، بل هو من أعلى إيرادات أفلام أحمد حلمي، ومن أعلى 10 أفلام في مصر.
كما أن الفيلم قدم "حلمي" في منطقة مختلفة عما كان معتاد على تقديمه من قبل، وتمتع فيه بجرأة أكبر، وعلى الرغم من أن التجربة كانت صعبة إلا أن العمل معه أمر مُمتع جدًا، لأنه يتناقش كثيرًا، فلقد استمتعت كثيرًا بهذه التجربة وأتمنى تكرارها مجددًا.

تجاربك متنوعة جدًا، مثلًا (فوتوكوبي، ما تعلاش عن الحاجب، عيار ناري، وقفة رجالة، وأخيرًا مقسوم).. ما النهج الذي تتبعه في تجاربك؟ هل هي سيناريوهات جاهزة تحتفظ بها أم شعورك وقتها يوحي لك بالكتابة؟

صراحة، أنا لا أعلم ما هو عملي المُقبل، لأنني أكون عملت على كتابة الأفلام منذ وقتٍ طويل، ويُصادف أن يأتي تنفيذها في هذا الوقت، ويُمكن أن يستمر عملي على الفيلم لسنوات، فمثلًا أنا أعمل على فيلم مع المخرج كريم الشناوي باسم "ضي"، منذ حوالي 4 سنوات، وإذا كُنت نفذت هذا الفيلم في وقته لكان الفيلم التالي لـ "عيار ناري".
فما يحكمني في تحديد أعمالي التالية هو انتظاري أن تنال حظها وتُنفذ، وأعتقد أن الجيل الأكبر منَّا وأساتذتنا الكِبار كانوا يتبعون نفس النهج، فأنا لا أتحرك بالفيلم إلا عندما أكون أنهيته ومعي نسخة أولى وثانية منه وليس مجرد معالجة، ثم أعرضه حينها إلى منتج أو مخرج أو فنان مثلًا، ويعتمد توقيت تنفيذه على عدة عوامل كثيرة مثل وضع السوق وتوقيتات الممثلين وما إلى ذلك.

يٌعتبر فيلم "وقفة رجالة" أحد أنجح الأفلام المصرية في السعودية ، فهل نجاحه سبب لك ضغطًا جعلك تتأنى بعده؟

وجه الضغط الوحيد الذي شعرت به هو أن ذلك النجاح جعلني شديد الحساسية في اختياراتي للأفلام، فبعضها رفضته لأنني لا أريد أن أقدمه لجمهوري في مصر والسعودية، فأنا أتمنى ألا يرى الجمهور فيلمي مرة واحدة فقط بل مرات عدة، وأُفضل أن يشعر المشاهد فيه بشيء مختلف، لذلك اجتهد فيه قدر الإمكان، فأنا لا أريد تقديم فيلم يصلح للعرض في السوق السعودي فقط.

ولكن لم يُسبب لي الفيلم ضغطًا من حيث الإيرادات لأنها تتعلق بعوامل كثيرة تتحكم فيها، مثل توقيت الفيلم واسم بطل العمل وطبيعة الجمهور والحالة المزاجية في هذا التوقيت، لأن إذا ظلت الإيرادات تشغل عقل الفرد فلن يُقدم شيئًا جديدًا، أو شيئًا يرغب فيه، فمثلًا فيلم مثل "فوتوكوبي" الجمهور يُحبه ويتحدث عنه حتى الآن، ولكنه تجاريًا لم يُحقق الإيرادات المرجوة، والأفلام الكلاسيكية المصرية مثل "إشاعة حب" و"عائلة زيزي"، هي أفلام مستمرة معنا منذ سنوات عدة ولكن لا أحد يتذكر قيمة الإيرادات التي حققتها، لأن الإيرادات هي وليدة اللحظة، وإذ سألنا شخصًا عن إيرادات أي فيلم قُدم من 10 سنوات فلن يتذكر، ولكن سيتذكر ما إذا كان الفيلم جيدًا أم سيئًا، وأنا أعتقد أن هذا هو المعيار الأساسي، فنحن نتمنى التوفيق دومًا في شباك التذاكر، ولكننا لا نكتب أو نُقدم العمل من أجل ذلك فقط.

البعض يرى أن للسينما السعودية تأثيرًا إيجابيًا حيث تسببت في تنامي عدد الأفلام المعروضة، والبعض يراه سلبيًا؟ ما رأيك؟
للسوق السعودي تأثير إيجابي في كثير من الأشياء، فالجمهور السعودي ذواق للفن ونلحظ تطورًا في الأفلام السعودية، فأنا أحببت فيلم "مندوب الليل" وكذلك "هجان" وتمنيت لهما النجاح، وسعدت بمتابعة إيرادات ونجاح "مندوب الليل"، فالتأثير الإيجابي هو أنه أصبح هناك منافسة على الجودة.
أما التأثير السلبي يكمُن في ازدحام السوق بأعمال قليلة الجودة، فلكل شيء تأثير إيجابي وسلبي، لكن وجود سينما في السعودية وأي دولة عربية، والتوسع في صالات العرض هو شيء إيجابي للصُناع دائمًا، لأن الصناعة قائمة على السينمات وشباك التذاكر والاهتمام بالسينما بشكل كبير، لهذا فنحن نسعد كثيرًا مع افتتاح كل دار عرض سواء في السعودية أو في مصر أو الخليج أو المغرب العربي.

ماذا عن الرقابة في السينما المصرية والصعوبات التي تواجه صناعها؟
أعتقد أن الصناعة المصرية قادرة على التكيف مع الظروف، وهذا ما يُميزها بشكلٍ أساسي، فلقد شاهدنا من قبل مشكلاتٍ اقتصادية أثرت على الأفلام، ومع ذلك تكيف السوق معها وتمكن من التغلب عليها، وكذلك المناخ الذي له علاقة بفرض أو منع التحدث عن موضوعات معينة، وأرى دومًا أن السوق المصري ذكي وقادر على التكيف مع المعطيات.

وبالطبع إذا امتلكنا مساحة وسقفًا أعلى في طبيعة الموضوعات التي نُناقشها، وألا يكون هنالك مخاطرة على المنتج، فهذا سيُتيح فرصة التنوع في الأفلام المعروضة، وهذا حدث في السنوات الأخيرة، فأفلام مثل: (وش في وش، فوي فوي فوي، رحلة 404، مقسوم)، كلها تجارب مهمة ومختلفة ويجب أن نقوم بتحيتها لأنها تحاول كسر المُعتاد، ونجاح هذه الأفلام هو نجاح للصناعة بأكملها، لأنها تُشجع صُناع أو منتجين آخرين على تقديم أفلام أو تجارب مختلفة.

ما هو مشروعك القادم؟
أعمل حاليًا علي فيلم جديد مع صديقي كريم الشناوي اسمه "ضي" كما ذكرت سابقاً، وأزعُم أنه مختلف ويحتوي على مغامرة فنية وإنتاجية أيضًا، وأقوم بإنتاجه مع كريم الشناوي وأحمد يوسف في شركتنا "بلو برينت"، مع مجموعة من الشركاء، وأعتقد أنها مغامرة مختلفة، وأتمنى أن ينال الفيلم حظه الفني والنقدي والتجاري.