انتشرت شائعات حول اعتلال صحة اثنين من الرؤساء الأفارقة في الأسابيع الأخيرة، مما أثار ردود أفعال مت وكشف عن كيفية التعامل مع صحة الزعماء في كثير من الأحيان باعتبارها سرا من أسرار الدولة.

بدأت الأزمة مع الرئيس الكاميروني بول بيا، البالغ من العمر 91 عاما، الذي نفى وزراؤه مرضه، مؤكدين أنه يتمتع "بصحة ممتازة". ومع ذلك، مُنعت وسائل الإعلام في الكاميرون من التحدث عن حالته الصحية.

الكونغو تستعيد رفات سيسي سيكو لدفنها في الوطن بعد اتفاق مع أسرته

انتخابات الكاميرون تمهد لاحتفاظ الرئيس بول بيا بمنصبه

وبعد ذلك، نفى القصر الرئاسي في مالاوي الشائعات التي تفيد بأن الرئيس لازاروس تشاكويرا كان مريضًا، وذلك بنشر مقاطع فيديو للزعيم وهو يمارس رياضة الركض وتمارين الضغط في العاصمة ليلونغوي.

ويقول مايلز تيندي، الأستاذ المشارك في السياسة الأفريقية بجامعة أكسفورد، عن السرية التي تحيط بالزعماء الأفارقة وصحتهم: "يتعين عليك أن تعكس نوعاً معيناً من الرجال حتى تتمكن من الهيمنة على السياسة، لا يمكنك إظهار الضعف أو الهشاشة".

لقد استخدم تشاكويرا وبيا نهجين مختلفين للغاية للتعامل مع الشائعات حول الأمراض، لكن كان لديهما هدف مماثل وهو إظهار وحماية صورة القوة والرجولة.

ولكن ربما كان الأهم من ذلك كله هو إبقاء المنافسين والانتهازيين تحت السيطرة.

ويقول البروفيسور تيندي إن لعبة السياسة هي "أداء للذكورة" يجب القيام بها للحفاظ على السلطة.

ويضيف أن الطبيعة الذكورية للسياسة تجعل من الصعب للغاية على النساء النجاح، ولا يوجد حاليًا سوى رئيسة دولة واحدة في أفريقيا، وهي سامية سولوهو حسن في تنزانيا ، وقد ورثت السلطة كنائبة للزعيم عندما توفي رئيسها.

ومن المتوقع أن يكون الزعماء السياسيون، في أفريقيا وخارجها، رمزاً للقوة والمرونة.

وهكذا، وخاصة عندما يتقدم الزعيم في السن، تصبح صحته مسألة حساسة للغاية ذات أهمية وطنية هائلة، كما رأينا في الانتخابات الأمريكية هذا العام.

وقال أديكي أديباجو، الأستاذ بجامعة جوهانسبرغ، إن الزعماء في القارة "يعطون الانطباع بأن صحة بلدانهم مرتبطة بصحتهم الشخصية"، وأن مرض الزعيم غالبا ما يتم التعامل معه باعتباره سرا من أسرار الدولة.

وقال خبير أمني من زيمبابوي لبي بي سي إنه إذا حدث لهم أي شيء، فقد يؤثر ذلك على الاقتصاد والأسواق ويغير المشهد السياسي، ولهذا السبب يتم اتخاذ احتياطات إضافية.

وفي البلدان التي تكون فيها المؤسسات السياسية ضعيفة، فإن إجراءات الخلافة السياسية غالباً ما تكون غير راسخة، مما يثير المخاوف من أن أي فراغ في القيادة قد يؤدي إلى صراع على السلطة.

ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، اغتيل رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية لوران ديزيريه كابيلا على يد أحد حراسه الشخصيين.

ورفضت السلطات الاعتراف بمقتله، مؤكدة أنه أُرسل إلى زيمبابوي لتلقي العلاج الطبي، بينما كانت تدرس ما يجب فعله بعد ذلك.

في واقع الأمر، كانت جثته هي التي تم نقلها عبر القارة في مسرحية هزلية معقدة.

وفي نهاية المطاف، تم اختيار ابنه عديم الخبرة، جوزيف، ليكون الزعيم القادم للبلاد.

وفي ملاوي، أرجأت الحكومة الإعلان عن وفاة الرئيس بينغو وا موثاريكا في عام 2012، مما أثار التكهنات حول جهود لمنع خلافة نائبته جويس باندا.

ولكن في زامبيا المجاورة، حيث توفي رئيسان أثناء وجودهما في منصبيهما، وفي غانا، حيث توفي الرئيس آنذاك جون أتا ميلز في عام 2012، سارت العمليات الدستورية بسلاسة.

على مدى السنوات، واجه العديد من القادة الأفارقة الأسئلة حول صحتهم المتدهورة إما بالصمت أو بالغضب.

ففي عام 2010، ندد زعيم زيمبابوي السابق روبرت موغابي بسنوات من التكهنات ووصفها بأنها "أكاذيب عارية من صنع وسائل الإعلام الغربية".

وقبل 3 سنوات، جاء الإعلان عن وفاة الرئيس التنزاني جون ماغوفولي بعد أسابيع من إنكار مرضه، بل حتى تم اعتقال أشخاص لنشرهم معلومات كاذبة عن صحته، لكن ثبت في النهاية أنهم كانوا على حق.

نشر رئيس مالاوي لازاروس تشاكويرا، 69 عامًا، صورًا لنفسه وهو يقوم بتمارين الضغط لطمأنة الشعب بأنه ليس مريضًا
LAZARUS CHAKWERA/FACEBOOK
نشر رئيس مالاوي لازاروس تشاكويرا، 69 عامًا، صورًا لنفسه وهو يقوم بتمارين الضغط لطمأنة الشعب بأنه ليس مريضًا

وكانت نيجيريا واحدة من أكثر الحالات تطرفاً التي حاولت فيها الحكومة إخفاء صحة زعيمها، حيث لم يظهر الرئيس عمر يارادوا علناً لمدة 5 أشهر.

وقال مكتبه إنه كان يتلقى العلاج في يناير/كانون الثاني من عام 2010 وإن حالته كانت "تتحسن"، إلا أن هناك تقارير عديدة قالت إنه كان "ميتا دماغيا".

ولم يظهر يارادوا علناً مرة أخرى، وتم الإعلان عن وفاته في مايو/أيار من ذلك العام.

وقال البروفيسور تيندي:"إن بعض هؤلاء الأشخاص يريدون فقط التشبث بالسلطة" حتى النهاية المريرة.

ولا يعتقد العديد من القادة، خارج أفريقيا أيضًا، أن مواطنيهم لديهم الحق في معرفة معلومات عن حالاتهم الصحية، التي تُعامل باعتبارها سرية للغاية.

ولكن كانت هناك استثناءات.

بعد 7 أسابيع من الإجازة الطبية الرسمية في عام 2017، كشف الرئيس النيجيري محمد بخاري لشعبه أنه لم يكن "مريضا إلى هذا الحد" في حياته من قبل، على الرغم من أنه لم يقل ما الذي كان يعانيه.

ويعتقد أن الرئيس الكاميروني الأسبق أحمدو أهيدجو هو الزعيم الأفريقي الوحيد الذي استقال بسبب سوء حالته الصحية في عام 1982، بعد أن حكم لمدة 22 عاما.

إن هذا النوع من الشفافية والتنازل عن السلطة أمر نادر الحدوث، فقد توفي أكثر من عشرين زعيماً أفريقيا أثناء وجودهم في السلطة، وبعضهم لم يخبروا بلادهم حتى بأنهم كانوا مرضى.

ولم يقم خليفة أهيدجو، بول بيا، بتبني هذا المثال.

وربما يخشى القادة من أن يؤدي الكشف عن المشاكل الصحية إلى تشجيع منافسيهم أو حتى القوى الأجنبية التي تسعى إلى التأثير على البلاد أو زعزعة استقرارها.

وقد تمت الإطاحة ببعض الرؤساء بعد انتشار أنباء عن سوء حالتهم الصحية.

تم عزل موبوتو سيسي سيكو، الرئيس السابق لزائير، التي تعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد نقله إلى المستشفى
Getty Images
تم عزل موبوتو سيسي سيكو، الرئيس السابق لزائير، التي تعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد نقله إلى المستشفى

ففي عام 1996، أصبح من المعروف أن موبوتو سيسي سيكو الزعيم الفاسد في زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن) كان يتلقى العلاج من سرطان البروستاتا.

ولا شك أن هذا جعل من السهل للغاية على لوران كابيلا قيادة مجموعة من المتمردين المدعومين من رواندا في مختلف أنحاء البلاد الشاسعة.

وكان موبوتو مريضاً للغاية بحيث لم يتمكن من تنسيق أي مقاومة، ففر إلى المنفى في المغرب، تاركاً كابيلا يستولي على السلطة.

وقال البروفيسور تيندي: "إذا كان الناس ينظرون إليك على أنك ضعيف، فهذه إشارة إلى منافسيك الداخليين".

لكن المزارع والمعلم النيجيري أبيكو آدامز، البالغ من العمر 41 عاما والذي شهد وفاة رئيسين أثناء توليهما المنصب، قال إن السرية قد تكون أيضا "شيئا ثقافيا".

وأوضح قائلا: "يعتبر التكتم على صحة الإنسان جزءًا من عملية الشفاء في العديد من الثقافات الأفريقية، وقد يكون هذا هو السبب المحتمل وراء إخفائهم أو كذبهم بشأن صحتهم".

وفي حين أن للمواطنين العاديين الحق في الحفاظ على سرية سجلاتهم الطبية، إلا أن هناك من يزعم أن الزعماء السياسيين لا يتمتعون بهذه الرفاهية لأن صحتهم قد يكون لها تأثير على البلاد بأكملها.

ومع قيام المزيد من البلدان الأفريقية بتأسيس إجراءات أكثر صرامة لخلافة الحكم، هناك دعوات لمزيد من الشفافية عندما يتعلق الأمر بصحة قادتها، وخاصة من جانب سكان القارة الذين يتزايد بينهم معدلات الشباب.

وقال آدامز: "إن الحكومات مدينة لمواطنيها بمشاركة مثل هذه المعلومات".
ويصر على أنه بما أن المواطنين يدفعون الضرائب، فيجب أن يكونوا مطلعين على صحة قادتهم.
وربما يكون النظام السياسي شديد التنافسية في مالاوي، حيث من المقرر إجراء الانتخابات العام المقبل، هو ما دفع تشاكويرا إلى ممارسة تمارينه لإظهار أنه أكثر لياقة من منافسه الرئيسي، بيتر موثاريكا، الذي يكبره بخمسة عشر عاما.

وفي المقابل، لا يواجه بيا تهديدا كبيرا من الانتخابات فقد فاز بالفعل بخمسة انتخابات، على الرغم من شكاوى المعارضة من التزوير.
وفي دولة ديمقراطية حقيقية، ينبغي أن تكون صحة الزعيم شفافة، بحسب ما قاله أحد المحللين السياسيين لبي بي سي.
ولكن نظراً لطبيعة السياسة في معظم أنحاء أفريقيا، حيث تُتهم الأحزاب الحاكمة في كثير من الأحيان بتزوير الانتخابات، وحيث تشكل الانقلابات العسكرية تهديداً دائماً، وحتى الرئاسات المنتخبة يمكن أن تصبح وراثية، فإن الشفافية ليست الممارسة التي يبدو أن العديد من القادة على استعداد لتبنيها في أي وقت قريب.