في مشروع بحثي ميداني مشترك، يخوض باحثون من الجزائر وكندا في التغيرات المناخية ودورها في ظهور داء الليشمانيوز الجلدي، وهو ما يشكّل بحسب مراجع جزائرية وكندية تحدثت لـquot;إيلافquot; نموذجا ميدانيا لما يُعرف بـquot;الصحة البيئيةquot; التي لا تزال تطبيقاتها محدودة بعض الشيء.


الجزائر: تشير quot;هند وافيةquot; مسؤولة فرقة البحث إلى أنّ مشروع quot;التغير المناخي والليشمانيوزquot; شُرع فيه مطلع سبتمبر/أيلول 2009، ويمتد إلى غاية سنة 2012، ويركّز هذا المشروع على دراسة مختلف تموجهات المناخ بمنطقة القبائل الجزائرية وكذا الشريط الغربي للبلاد، عبر قيام الخبراء بفحص فضاءات جغرافية وكذا معايناتهم لعوامل المناخ والبيئة المحلية العامة.

وتوضح وافية، أنّ المشروع في عامه الأول، أحرز نتائج مهمة تتعلق بطبيعة الجانب الوبائي لليشمانيوز الجلدي وارتباطه بالنظام البيئي وخزاناته ونواقله، وامتد المختصون إلى بحث صلات التغيرات المناخية مع الأوبئة وسبل ضمان الصحة البيئية التي باتت هاجسا كبيرا لدى المهنيين وأيضا السكان وعموم الشركاء المحليين الذين يعتبرون كطرف في هذه الأبحاث.

واتخذّ المشروع الذي يشرف عليه مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لمدينة وهران (400 كلم غرب الجزائر) بالتعاون مع المركز الكندي المركزي لتطوير البحث البيئي، بلدة عين السخونة التابعة لمحافظة سعيدة (437 كلم غرب الجزائر) وضاحية ذراع الميزان التابعة لمحافظة تيزي وزو (110 كلم شرق)، وأتى الخيار استنادا إلى quot;أحمد قاسيميquot; وهو أحد أعضاء فرقة البحث المشتركة، على خلفية ارتفاع حالات الإصابة بداء الليشمانيوز الجلدي في المنطقتين المذكورتين خلال السنوات الأخيرة.
من جهتهما، يبرز كل من quot;هنري جانوسquot; وquot;فاهم بوزيرquot; اهتمام مخابر جزائرية وكندية بتعميق الأبحاث حول الصحة البيئية، مع إطلاق مشاريع بحثية أخرى حول مشكلات الماء والبيئة والنظام البيئي والصحة مثلا.

ويتجلى مرض الليشمانيوز المزمن من خلال أعراض جلدية وأحشائية، وانتقل في الجزائر من 8.4 حالة لكل مائة ألف نسمة في تسعينيات القرن الماضي إلى 78 حالة لكل مائة ألف نسمة خلال العام الأخير.

وثار نقاش كبير حول الصحة البيئية في الجزائر، إثر الذي انتاب تكاثر النفايات السامة هناك، مع إفراز مصنّعين لآلاف الأطنان من المواد المشعّة ونفايات الزئبق والسيانور، ناهيك عن مادة الأميانت الخطيرة والمبيدات الفاسدة ونفايات المحروقات، إضافة إلى محاذير أخرى مضرّة بالسلامة البيئية والصحية على حد سواء، في صورة كميات ضخمة من النفايات الاستشفائية وكذا المياه القذرة المكدّسة والمهملة.

أولوية البحث البيئي التطبيقي

يذهب الأستاذ quot;حسين دوفانquot; إلى أنّ اتساع الانشغالات المتعلقة بالتنمية المستديمة وحماية البيئة، بجانب التناقص المستمر للموارد الطبيعية، عوامل تدفع إلى إعطاء الأولوية للبحث التطبيقي، خصوصا في ظلّ تعقيد عملية التكفل بالمشكلات البيئية، وضرورة فهم سلوك مجموعات متهجمة على البيئة واستغلالها بشكل غير عقلاني لروافدها.
ويستدل أ/دوفان بما يسميه quot;أنانيةquot; البلدان المتقدمة التي تطبق بحسبه نموذجا تنمويا صناعيا مكثفا وفوضويا مترجما في أرض الواقع بالاحتباس الحراري المسجل على كوكب الأرض وتلوث الهواء والماء وتدهور الأراضي وتعرية الغابات، ما يستدعي حراكا للبحث عن حلول والتخفيف من وطأة هذه الأضرار عن طريق مقاربات علمية بديلة معتمدة على مفاهيم عدة بينها التنمية المستدامة والاقتصاد الجواري.

وأطلقت جامعات جزائرية هذه السنة 150 مشروعا بيئيا ميدانيا، تتمحور حول أربع محاور رئيسة: التنوع البيئي، الفضاءات الساحلية، المحميات الطبيعية، اختلالات علم الإنسان في الأنظمة البيئية الأرضية، التكنولوجيات البيئية، فضلا عما يتصل بالقانون والاقتصاد البيئي.

من جانبها، ترى quot;سعاد جرمانquot; الباحثة في المجال البيئي، أنّ نظام التسيير الحديث لموضوع النظافة والأمن والبيئة، لن يُكتب له النجاح في الميدان، ما لم ترافقه منظومات إعلام داخلي مع تكوين ورسكلة لتلافي جملة الأخطار المحدقة على البشر والبيئة