يواجه المدافعون عن البيئة في لبنان اليوم تدهور موارده الطبيعية بالسعي الى تحفيز السياحة البيئية فيه، لتأمين الحماية للمواقع الأساسية ومحاولة لفت نظر السلطات الحكومية الى أهمية هذا النوع من السياحة التي يزداد عدد عشّاقها يوماً بعد يوم.

فيرونيك أبو غزاله من بيروت: يمكن تشبيه الإهتمام بالسياحة البيئية في لبنان بالصحوة التي طالت المواطنين كما الجمعيات المهتمة بالقضايا البيئية، فخلال أقلّ من 5 سنوات تصّدر لبنان لائحة الدول الجاذبة للسوّاح الراغبين في الإستمتاع بالطبيعة والتراث الثقافيّ المحليّ. وبات اللبنانيون يضعون النشاطات المرتبطة بالمواقع ذات القيمة البيئية ضمن أولوياتهم خلال العطل، ليكتشفوا أنّ في بلدهم هناك الكثير من الأسرار المخبأة التي لم يتعرّفوا إليها بعد.

ومن الميزات الأساسية لهذه السياحة أنّها لا تحتاج الى أن يكون محبّوها علماء أو متخصّصين في مجال البيئة، إنما يمكن لكلّ واحد أن يندمج بالطبيعة ويتواصل مع عناصرها بما يساعد على كسر الحياة الروتينية التي تمليها المدينة. كما أنّها لا تساعد في تعريف السوّاح والمواطنين فقط بالمواقع الرئيسية إنما تساهم أيضاً في حماية الموارد الطبيعية والثروات من أي إستغلال أو تلوّث، إذ يتمّ إعتبار هذه المواقع بمثابة أماكن محمية لا يجوز إهمالها أو التعدّي عليها.

التعرّف على أبعاد السياحة البيئية لا يمكن أن يتمّ عن بعد، فالإنخراط فيها هو الذي يساعد على فهم أهميتها. ولهذا الهدف، كان لـquot;إيلافquot; الفرصة بالقيام بجولة سياحية في جبل موسى الذي أقرّته منظّمة الـquot;يونسكوquot; كمحمية للمحيط الحيويّ، وهو يقع في الجزء الشماليّ من محافظة جبل لبنان. فمنذ اللحظات الأولى للوصول الى هذا الجبل، يمكن الشعور بالإتصال بالطبيعة الخضراء وعناصرها من أشجار ونباتات وحيوانات وطيور. ويشرح الدليل السياحيّ الموجود دائماً لمرافقة السوّاح أنّ جبل موسى يُعتبر غابة بريّة بسبب تعدّد أنواع الأشجار الموجودة فيه، وكذلك فهو موطن لمجموعة كبيرة من الطيور الكاسرة والعصافير المميّزة.
وزيارة هذا الجبل كما غيره من المحميات تلفت الإنتباه الى أهمية تشجيع السياحة في مثل هذه الأماكن، لانّ ذلك يساعد في الحدّ من التشوّهات التي تحصل بفعل أعمال ونشاطات مختلفة، حيث يصبح المواطنون جزءاً من حملة المدافعة عن الموقع لتحويله الى محمية طبيعية لا يمكن المسّ بها. ورغم أنّ ملف جبل موسى لم يتمّ إقراره إلا منذ سنتين من قبل الـquot;يونسكوquot;، فهو قد تحوّل الى محطّة رئيسية لسوّاح من أرجاء العالم وخصوصاً لمحبّي تسلّق الجبال والسير عبر المنحدرات، وحتّى المسؤولون السياسيون في لبنان كان لهم زيارات متعدّدة الى هذا المكان ليكونوا هم أيضاً عناصراً فعّالة في عملية حماية الجبل.

أفضل 5 مواقع

إزدهار السياحة البيئية في لبنان أدّى أيضاً الى زيادة المجموعات العاملة في هذا المجال والمؤسسات المتخصّصة في تنظيم الرحلات لمواقع مختلفة بحسب خيارات المواطنين والسوّاح. وما يجمع عليه أصحاب هذه المؤسسات أنّ الطلب على الرحلات الى إرتفاع مستمر رغم كلّ الأزمات التي يمرّ بها لبنان، حيث يؤكد مدير مجموعة quot;Vamos Todosquot; مارك عون أنّهم يقومون بتنظيم حوالي 3 نشاطات أسبوعياً ويحضر فيها أكثر من 50 شخصاً، ويمكن لعدد المشاركين أن يصل الى 100 وهذا ما يدلّ على الإهتمام الكبير بالسياحة البيئية. ويلفت عون الى أنّ طبيعة لبنان تسمح بتنظيم عدد كبير جديد من الرحلات من السهول والغابات الى الأنهر والشلالات وصولاً الى الجبال والكهوف والجزر، ويتمّ التركيز على أن يكون كلّ نشاط يتمّ ضمن الفصل المناسب له.

ويجد عون صعوبة في تحديد أفضل 5 مواقع في لبنان بسبب تنوّعها الكبير، لكنّه يشير الى محمية الأرز في منطقة تنورين التي تتضّمن أكبر عدد من أشجار الأرز في البلد وغابة quot;القموعةquot; التي تتضمن 42 نوعاً مختلفاً من الأشجار. كما ينصح عون بالتوّجه الى وادي قاديشا الذي يزخر بالمغاور والكهوف، ومحمية الشوف التي تُعتبر الاكبر في لبنان وتحوي ربع عدد أشجار الأرز المتبقية. وأخيراً، هناك غابة إهدن أو حرش إهدن حيث يوجد أكثر من 1058 نوع من النبات.

أمّا مدير العمليات في مجموعة quot;Blue Carrot Adventuresquot; بشارة مزنر، فيرى أنّ الطلب على السياحة البيئية يزداد ولكن ما زال بالإمكان تعزيز ذلك، خصوصاً أنّ في لبنان أمكنة كثيرة تستحق الإكتشاف وهي ليست بعيدة جداً عن العاصمة بيروت. ومزنر يعطي المركز الأول لوادي قاديشا وتحديداً بالنسبة لمحبّي تسلّق الجبال، فيما ينصح بالتوّجه نحو محمية الباروك الطبيعية للتسلّق وركوب الدرّاجات لإكتشاف جمال هذه المنطقة. والمركز الثالث هو لحفرة بلعا (أو بالوع بلعا) في تنورين، وهو معلم تاريخيّ يعود عمره الى آلاف السنوات، ويبلغ عمقه الإجماليّ 255 متراً ما يجعله مناسباً لمحبّي تسلّق الصخور والتخييم.

ويضع مزنر جرود الهرمل تالياً حيث يتسنّى للزوّار أن يمارسوا نشاطات مختلفة كالسير في الطبيعة وتسلّق الجبال وقيادة الدراجات الهوائية، وبالإضافة الى ذلك سيتناولون الطعام الخالي من المواد الكيمائية والمنتج من قبل المزارعين مباشرة. أمّا المحطّة الأخيرة فهي عند نهر العاصي الذي يتيح ممارسة رياضة حديثة نسبياً وهي الترميث ما يزيد من الشعور بالمغامرة والإثارة لدى كلّ من يرغب في تجربة نشاط جديد.

تحديّات السياحة البيئية

إندفاع اللبنانيين والسوّاح نحو السياحة البيئية وسعي المنظّمات والجمعيات الأهلية الى تشجيع النشاطات الرفيقة للبيئة لا يعني أبداً غياب التحديات عن هذا المجال. فحماية الموارد البيئية لم تتحوّل بعد الى مشروع رئيسيّ بالنسبة لأي من الحكومات المتتالية، حتّى أنّ هذا النوع الجديد من السياحة لم يُعطَ بعد طابعاً رسمياً ولم يتمّ إقرار أي تشريعات أو ضوابط تحمي الأماكن السياحية البيئية.

هذا الواقع يفتح المجال أمام الكثير من التجاوزات ضمن مناطق لا يجب أن يُلمَس حجر فيها، وأكثر المشاكل التي تلفت إليها المنظّمات البيئية هي تناقص نسبة الغطاء الأخضر الى ما دون الـ12 في المئة وذلك تحديداً بسبب الحرائق التي تشبّ موسمياً دون إيجاد حلّ جذريّ لهذا الموضوع الذي يتكرّر من سنوات.

وخلال جولة لـquot;إيلافquot; على عدد من المواقع الطبيعية التي تشهد كثافة في أعداد الزوّار، لم يكن بالإمكان تجاهل النظر الى العبوات الفارغة العائدة لبنادق الصيد في حين توجد أنواع نادرة جداً من الطيور في مثل هذه المناطق. وكذلك، فإنّ القمامة تُعتبر مشكلة رئيسية في هذه المواقع حيث لم يتمّ تجهيز بعضها بالأدوات والمعدّات التي تسمح للزوّار بأن يتقيّدوا بالمعايير البيئية خلال جولتهم، بالإضافة الى غياب القوانين الصارمة في هذا المجال.

وأنظار البيئيين والمدافعين عن الطبيعة اللبنانية تتجه اليوم نحو وزارة البيئة لتراقب مدى إلتزامها بحماية المحميات الطبيعية وتشجيرها وإنمائها والحفاظ عليها، وأملهم أن ينفّذ الوزير ناظم الخوري ما وعد به خلال جولة في منطقة البترون أي تأمين وجود نواطير في كلّ البلدات لحماية الغابات والأحراج من التعدّي عليها للمحافظة على التراث الطبيعيّ الذي ربما يكون ربما آخر ما تبقى من ثروات لبنان.