د . عماد صبحي : أصبح الطفل البدين مشكلة حقيقية لدي كثير من الأسر . و تكون الأم هى الطرف الأكثر قلقا ورغبة في حل هذه المشكلة أو القنبلة الصحية الموقوتة . وقد تكون هذه المشكلة من صنع الأم في وقت مبكر من الطفولة ، حين كانت تدفع الطفل الى الأكل رغبة منها في أن يتمتع بصحة طيبة تبدو من خلال شكله الممتلئ ووجهه المستدير ، أو تكون قد ساهمت في صنعها فيما بعد بمكافأته بالحلويات وغيرها من أنواع الطعام . كما قد يكون المساهم الأكبر هو سهولة حصول الأطفال على المشروبات الغازية وأكياس المقرمشات ورقائق البطاطس عن طريق الشراء المباشر من مصروفهم الخاص ، أثناء تواجدهم خارج المنزل وبدون اشراف الأم . و قد يضاف الى ذلك أسلوب تمضية الأطفال لأوقاتهم في مشاهدة التليفزيون و ممارسة ألعاب الفيديو . وفي نسبة ضئيلة من الحالات ، قد يكون السبب خلل طبي في الغدد أو أسباب جينية أو غير ذلك .

ولكي نعرف البدانة في الأطفال ، فاننا يجب أن نعرف أن الطفل البدين هو من يزن أكثر من 20 بالمائة فوق الوزن المثالي بالنسبة للطول و السن وجنس الطفل .لكن زيادة الوزن المفاجئة أو التدريجية لطفل ينمو و خصوصا قبل و أثناء فترة البلوغ يجب الا تدعو للقلق . فخلال هذه الفترة يزداد احتياج الطفل للسعرات الحرارية ، و بالتالي يبدو عليه النمو السريع في الحجم . و هذه الظاهرة لاتعتبر مشكلة ما لم تتعدى الزيادة 20 بالمائة من الوزن المثالي لطول و سن الطفل وجنسه .

ومخاطر السمنة لدى الأطفال أنها تشكل مقدمة لعديد من المشاكل الصحية مثل ضغط الدم العالي ، و السكر ، و السرطان ، و أمراض القلب ، و توقف التنفس أثناء النوم ، و التهاب المفاصل و أمراض المرارة . وبالاضافة للمشاكل الصحية ، فان الطفل البدين قد يعاني من ضعف ثقته بنفسه ، اذ قد يعايره أطفال آخرون بسمنته ، و قد يستبعد من المشاركة مع فريق في لعبة كرة القدم مثلا .
و الأطفال الذين ينتمون لوالدين أو اخوة زائدي الوزن قد تزيد نسبة اصابتهم بالسمنة . و بالرغم من أن مشاكل الوزن توجد في أسر محددة ، فان ليس بالضرورة أن يصاب كل أطفال هذه الأسر بالسمنة . صحيح أن العوامل الجينية مهمة لكن يبدو أن العادات الغذائية و الحركية المتشابهة لها تأثير أيضا على وزن الأطفال .
وسمنة الأطفال ndash; كما هو الحال في الكبار - تنتج عن تناول سعرات حرارية أكثر من المنصرفة ، و ذلك عن طريق الأساليب الغذائية غير الصحية ، كما قد يشكل التاريخ الطبي للأسرة عاملا هاما كأن يكون الوالدين أو أحدهما سمينا . وقد يكون السبب ناتج عن خلل هورموني أو في العمليات الحيوية لجسم الطفل . أيضا ، فان قلة الحركة عامل مهم في احداث السمنة . وقد يستغرق بعض الأطفال في أكل الحلويات ورقائق البطاطس و النشويات المختلفة كردة فعل لانفعال عاطفي مثل التعرض للضغوط أو الاكتئاب و القلق ، و أحيانا في حالات السعادة المفرطة .

وعلاج سمنة الأطفال يبدأ بمعرفة الوزن المثالي والذي يتم تحديده عن طريق معرفة جنس الطفل ، و سنه ، وطوله .
وللاسترشاد فقط فاننا نورد فيما يلي جدول يبين متوسط الطول و الوزن الطبيعي من سن 6 اشهر الى 20 عاما بالنسبة للاناث و الذكور :

ومن المهم أن يكون طعام الطفل متوازنا مع الأخذ في الاعتبار وجود فيتامينات و معادن بنسب كافية . كما يجب أن يتم تشجيع الطفل على شرب كثيرا من الماء ، وأيضا تشجيعه على التمرينات الرياضية المنتظمة . و هناك نقطة هامة يجب الالتفات اليها وهي تحديد الوقت الذي يقضيه الطفل أمام التليفزيون و ألعاب الفيديو ، حيث أن ذلك يقلل من حركة الطفل و يجعله خاملا . ويجب أن تراعي الأم في الوجبات الخفيفة التي قد يطلبها الطفل بين الوجبات أن تكون قليلة الدهون و السكريات ، كما يجب أن تشجع الطفل على الأخذ بالعادات الغذائية السليمة .
و الأنظمة الغذائية القاسية غير صحية بالنسبة للصغار ، و الحل المثالي هو أن يتم اعطاء الطفل غذاء متنوع مثل الخضروات الطازجة ، والدواجن والأسماك المشوية ، والفواكه ذات السعرات المنخفضة ذات المحتوى الغذائي العالي ، مع تقليل حجم الوجبات ، وعدم التقليل المبالغ فيه في كمية السعرات المستهلكة لأن ذلك يؤثر على نمو الطفل . ويجب على الأم أن تدرك أن تقليل وزن الطفل ليس سهلا ، و على هذا الأساس يجب أن تكون متفهمة ومشجعة ومعاونة للطفل في التعامل مع النظام الغذائي الجديد ، و أيضا في الالتزام بالرياضة الموصوفة له .

كيف تساعدين طفلك البدين :
bull; كوني عونا له : من أهم الأشياء التي تساعد الطفل البدين أن يعرف أنك تحبينه بصرف النظر عن وزنه . ذلك أن مشاعر الأطفال عن أنفسهم ترتكز غالبا على مشاعر والديهم بالنسبة لهم . ان تقبلك وحبك لطفلك بغض النظر عن وزنه سيجعله أكثر تقبلا لنفسه , و أكثر ثقة في ذاته . من المهم أن تتكلمي مع أطفالك عن أوزانهم ، معطية اياهم الفرصة لكي يتشاركوا معك في مخاوفهم و أفكارهم . ان الطفل يعلم أكثر من أي شخص آخر أن عنده مشكلة وزن زائد ، ولهذا السبب فان الطفل زائد الوزن يحتاج الى المساندة و القبول و التشجيع من الوالدين .
bull; ركزي على الأسرة ككل وليس على الطفل البدين فقط : يجب أن لا يفرق الوالدين بين الأطفال بسبب أوزانهم ، بل يجب التركيز على تغيير النشاط الحركي للأسرة ككل وعلى تغيير عاداتهم الغذائية بصفة تدريجية . ان هذا التوجه يساعد على تعليم كل واحد من الأسرة العادات الغذائية الجيدة ولا يركز على الطفل البدين بالذات .
bull; اعملي على زيادة النشاط البدني للأسرة ، حيث أنه ، مع العادات الغذائية الجيدة ، هو الطريق الى السيطرة على مشكلة الوزن الزائد ، كما انه جزء هام من أسلوب الحياة الصحي . و هاهي بعض الطرق البسيطة لزيادة النشاط البدني للأسرة :
o كوني نموذجا للأطفال . عندما يرى الأطفال أمهم و هي تمارس الرياضة و تستمتع بذلك فانهم سيكونون أكثر نشاطا ، و سيستمر ذلك معهم كأسلوب حياة طوال حياتهم .
o ضعي خطة لنشاط الأسرة و اطلبي من كل فرد أداء بعض التمرينات التي يحبون القبام بها مثل المشي أو ركوب الدراجات أو السباحة .
o استشعري احتياجات طفلك ، اذ يشعر الطفل البدين بعدم الراحة في المشاركة في بعض النشاطات . من المهم أن تساعدي طفلك أن يجد نشاطا بدنيا يبهجه و يجعله يتمتع به بحيث يكون في مقدوره القيام به دون أن يسبب له احراجا .
o قللي قدر الامكان من الوقت الذي تقضيه الأسرة في النشاطات الخاملة وغير البدنية مثل مشاهدة التليفزيون أو ممارسة العاب الفيديو .
o كوني أكثر نشاطا خلال اليوم و شجعي أفراد أسرتك ليفعلوا نفس الشئ . على سبيل المثال اصعدي السلالم بدلا من استعمال المصعد . علميهم أن يقوموا ببعض النشاط البدني في أي وقت يتاح لهم حتي لو كان المشي في المكان .
o علمي أفراد الأسرة عادات غذائية سليمة : سوف يساعدهم ذلك على التعامل مع الطعام بالطريقة الصحيحة ، اذ أن الطعام لازم للنمو كما أنه شيء ممتع أيضا ، و هو الذي يمدنا بالطاقة التي تجعلنا نتحرك .

و في هذا المجال لا تضعي لطفلك نظام غذائي يقيد تناول بعض الأطعمة لكي تجعليه يفقد وزنا الا اذا كان هذا هو رأي الطبيب و لأسباب طبية . اذ أن تقييد تناول بعض الأطعمة قد يكون ضارا بالصحة و يؤثر على النمو . ولكي نضمن النمو الطبيعي للأطفال وفي نفس الوقت نقيهم من زيادة الوزن فانه يجب أن نقدم للأطفال نوعية واسعة من المواد الغذائية تتضمن البروتينات و النشويات والقليل من الدهون والكثير من الخضروات الطازجة والفواكه كمصادر هامة للفيتامينات و المعادن . كما يمكن شرح أهمية تناول أغذية بعينها كالأغذية الغنية بالكالسيوم مثلا حتي لا يتعرض الأطفال لأمراض في مستقبل حياتهم مثل هشاشة العظام التي تصيب السيدات بعد انقطاع هورموناتهم النسائية ( يمكن الاطلاع على المزيد في موقع http://dr.emadsobhi.to.md)
و من الضروري أن تقلل الأم من استعمال الدهون في طعام الأسرة ، فتلك وسيلة هامة للتقليل من السعرات الحرارية بدون أن تؤثري على احتياجات طفلك الغذائية . مثال ذلك استعمال الألبان خالية أو منخفضة الدسم ، وطهي الدجاج بدون الجلد ، وشراء اللحم الأحمر بدون دهون . ان مثل هذه الوسائل تؤدي الى التقليل من فرصة زيادة الوزن في الأطفال ، مع ملاحطة عدم تقييد استعمال الدهون في اعداد طعام الأطفال دون سن السنتين ، على أن يتم تعويدهم تدريجيا بعد هذا السن على التقليل من الدهون في الطعام . كما يجب على الأم أن تضع في اعتبارها أيضا أن تسمح لأطفالها بأكل كل أنواع الطعام بما فيها تلك الغنية بالدهون أو السكريات و لكن بشرط الكمية المناسبة . و يجب أن تظهر الأم بمظهر الموجه للطعام المناسب لابمظهر الدكتاتور الآمر الناهي .

وعلى الأم أن تعلم طفلها أن يأكل ببطء اذ يجعله ذلك يعرف ان كان قد شبع أم لا ، كما يجب أن يتعلم الطفل زائد الوزن أن يأكل مع أفراد اسرته وليس وحده كلما كان ذلك ممكنا ، مع ملاحطة أن يكون وقت الطعام ممتعا و مناسبا للأحاديث المرحة وليس وقتا للتأنيب أو المناقشة ، حتي لا يربط الطفل بين الطعام و المعاناة النفسية .

ومن المناسب أن تعلم الأم أولادها كيف يشترون الطعام و كيف يحضرونه في المنزل ، و يعلمهم ذلك كيف يأكلون أنواعا مختلفة من الطعام قد تكون أكثر فائدة من التي يتعلقون بها . والأم تعلم ان أكل المقرقشات و التسالي و رقائق البطاطس بين الوجبات سبب هام لزيادة الوزن ، و بالتالي فعليها اعداد بدائل لذلك مثل اعداد بعض الخضروات الطازجة لتكون سهلة الأكل بين الوجبات .
و تصرفات الأم تكون مثالا وقدوة لأطفالها فلا تأكل أمام التليفزيون مثل ، بل تجعل الأكل دائما في غرفة المائدة ، ذلك أن الأكل أمام التليفزيون قد يلهي الانسان عن الاحساس بالشبع و بالتالي يقود الى مزيد من الأكل .

و من النقاط الهامة في التعامل مع الطفل عموما ، والطفل البدين بصفة خاصة ، عدم استعمال الطعام كوسيلة للعقاب أو الثواب . ان منع الطعام عن الطفل كنوع من العقاب يجعل الطفل قلقا من احتمال عدم الحصول على طعام كاف ، و هذا يدفع الطفل الى الأكل كلما حانت له الفرصة خوفا من العقاب . و في نفس الوقت عندما يكافأ الطفل بطعام ، و خصوصا الحلوى فانه يفترض أن هذا الطعام هو أفضل أو أكثر قيمة من الأطعمة الأخرى . و عندما تعد الأم طفلها بطبق من الحلوى لو أكل الخضروات فان الطفل يتلقى رسالة خاطئة عن الخضروات التي تبدو كنوع من المشقة التي يكافأ عن فعلها بتناول الحلوى . و عندما يذهب الطفل لتناول الطعام خارج المنزل أو مع أصدقائه حاولي التأكد من أن الطعام الذي سيتناوله متوازن في كافة المواد الغذائية .

ان الطفل يلتقط التعليم بسهولة ، و يتعلم أكثر عن طريق المثل و القدوة ، فاجعلي من نفسك قدوة طيبة في تناول الطعام . تناولي أغذية متنوعة ، و قومي دائما بممارسة نشاط بدني يجعله يحاول أن يتمثل بك ، فيكون هذا أسلوب حياة للطفل زائد الوزن و عادات غذائية طيبة يستطيع بممارستها أن يحيا حياة صحية طيبة طوال عمره .

ولايكتمل موضوع المقال بدون التطرق الى الحالتين الخاصتين جدا اللتان تربطان بين الأم و الطفل و هما حالتي الحمل و الارضاع . ان الدراسات التي أجريت على الانسان و الحيوان أثبتت أن التغذية خلال الحمل تؤثر بالقطع الى صحة ونمو الطفل بعد الولادة . ان وزن الأم أثناء الحمل والزيادة المناسبة فيه ، و تناولها لكميات مناسبة من البروتينات و السعرات الحرارية و الفيتامينات و المعادن هي عوامل مؤثرة في ولادة طفل يتمتع بالصحة و العافية . لكن يجب على الحامل أن تضع في اعتبارها ألا يزيد وزنها في المتوسط عن حوالى 11 كيلوجرام تقريبا . و في حالة زيادة وزنها عن هذا المتوسط فان الطبيب سوف يوصيها باتباع نظام غذائي يضمن لها كمية مناسبة من البروتين ، و الفيتامينات و المعادن بدون أن يساهم في تراكم الدهون في جسمها ، و غالبا ما يتكون هذا النظام من اللحوم و الدواجن ومنتجات الألبان ، و كثير من الخضروات الطازجة و الفاكهة .

كما أن الأم المرضع يجب أن تلاحظ التغذية الجيدة أثناء فترة الرضاعة ، بالرغم من أن نوعية اللبن لا تتأثر بحالة الأم الغذائية ، اذ أن لبنها سيحافظ على نوعيته الجيدة على حساب مخزونها من المعادن و الفيتامينات . و المقصود هنا هو الحفاظ على صحة الأم نفسها . لذا يجب أن تتنبه الأم المرضع لأهمية تناول السوائل بكثرة ، و الأغذية الغنية بالكالسيوم مثل اللبن و منتجاته ، والمواد البروتينية ، والسعرات الحرارية باعتدال ، كما ستلاحظ أن جسمها يفقد بعضا من دهونه خلال فترة الرضاعة .

ان وعي الأم الغذائي أثناء الحمل ، وخلال الرضاعة ، ثم خلال مرحلة الطفولة و النمو ، و قدرتها على ضرب المثل في اتباع عادات غذائية و حركية سليمة لكل أفراد العائلة هو سبيل الوقاية ، و العلاج ، لمشكلة الطفل البدين .