طلال سلامة من روما: يتمتع فيروس نقص المناعة المكتسبة اتش آي في بقدرته الخارقة على تفكيك مناعات الجسم قطعة قطعة. كما يتمتع بذكائه في جعل الأدوية التي تدخل الجسم أقل فاعلية. في الواقع، فان هذا الفيروس يقتل خلايا جهاز المناعة المكتسبة بالجسم، التي بالإمكان اعتبارها خلايا فدائية تخشاها جميع الجراثيم والبكتيريا الأخرى، بواسطة حيلة يعجز عن فك طلاسمها الغدارة حتى أعظم لاعبي الشطرنج حول العالم، هذا ويقوم فيروس الإيدز بإصابة خلايا الجسم الدفاعية(خلايا المناعة تي وخلايا ماكروفيج). بعد ذلك، فانه يقوم بوضع هذه الخلايا على ناقل، يشابه حصان طروادة، يعمل على اقتحام خلايا ب البيضاء المخيفة بهدف إصابتها ببروتين فيروسي قاتل، يدعى نيف (Nef). يذكر أن الخلايا البيضاء تتألف من قسمين رئيسيين، الخلايا ب والخلايا ت. وتعتبر الخلايا ب مقاتلة من الطراز الأول، ويكمن عملها الأساسي في مواجهة الأجسام الغريبة وتتمايز عن غيرها من الخلايا البيضاء بقدرتها على إفراز جزيئات مضادة للأجسام الغريبة. من دون السيطرة على خلايا ب بواسطة هذا البروتين الفيروسي لما كان فيروس الإيدز قادراً على التحول الى مرض قاتل! بمعنى آخر، من دون اللجوء الى مجموعة من الخدع البيولوجية لما كان هذا الفيروس هكذا مخيفاً.

في الأيام الأخيرة، تمكن الباحث الإيطالي أندريا تشيروتي، 44 عاماً، مدير قسم علوم الجراثيم والمناعة في كلية الطب (Weill Medical College) في جامعة quot;كورنيلquot; بنيويورك، الذي حقق لسنوات طويلة حول الآليات الغامضة التي يستعملها فيروس الإيدز لأجل quot;استيطانquot; الجسم، بكل معنى الكلمة، من العثور على الإطار المتكامل لهذه الآليات التي تزيل الضباب عن المدرج الصحيح لمعالجة مرضى الإيدز. وفي ما يلي نص الحوار معه:

* ما هي آخر المستجدات التي قد تنفح الأمل في تاريخ البشرية؟
- لقد اكتشفنا أن فيروس نقص المناعة المكتسبة ينجح في زرع بروتين quot;نيفquot; الفيروسي داخل خلايا quot;بquot; البيضاء، من الخارج، عن طريق أنابيب نانومترية وهي عبارة عن أنفاق ميكروسكوبية(كما الجسر الخارجي الذي يربط خليتين اثنتين). ان هذا النظام الفعال، المؤلف من شبكة الأنابيب النانومترية، ينجح في بناء جسر تواصل بين خلايا quot;بquot; البيضاء وخلايا ماكروفيج (Macrophage) المُصابة بالعدوى. ان بروتين quot;نيفquot; (Nef) هو المسؤول الأكبر عن بناء شبكة الأنفاق هذه، بين الخلوية، كي يستعملها بالتالي للانتقال من خلايا ماكروفيج المريضة الى خلايا quot;بquot; البيضاء، بصورة صامتة أي من دون أن يراه نظام المناعة المكتسبة بالجسم. ان هذا البروتين القاتل، محتال وصامت في نفس الوقت! علاوة على ذلك، فان تعطيل وظائف خلايا quot;بquot; البيضاء عبر هذه الأنابيب النانومترية، التي تحوي بروتين quot;نيفquot; الفيروسي، يؤول كذلك الى إضعاف تكوٌن المضادات الحيوية أمام الفيروس، بالجسم.

* إذن، يمكننا القول ان هذا الفيروس يجلب معه كارثة حقيقية على نظام المناعة بالجسم؟
- نعم. للأسف! وهو يفعل ذلك من دون أن يُعدي جميع خلايا هذا النظام الدفاعي. وحتى لو تحسنت الوظيفة المناعية عموماً، أثناء العلاج، فان المرضى الخاضعين للأدوية المضادة للفيروسات التقهقرية يسجل لديهم تراجعاً مستمراً في إنتاج الأجسام المضادة.

* ماذا اكتشفتم في الدراسات السابقة؟
- اكتشفت أن البروتين الفيروسي quot;نيفquot; (Negative Factor) المثبط للمناعة يمنع خلايا quot;بquot; البيضاء من إنتاج الأجسام المضادة. وتبقى هذه الخلايا الوحيدة التي لا يمكن لفيروس الإيدز اختراقها بسهولة.