أكدت دراسة ميدانية أن القلق عنصر جيد للصحة، وأن أهمية التفاؤل قد بولغ في تقويمها، وأن النساء تزدهر حياتهن بعد الطلاق عكس الرجال. جاءت هذه النتائج ضمن كتاب يحمل عنوان (مشروع العمر المديد)، ويستند إلى دراسة استمرت 8 عقود، ودارت حول العمر الطويل.


في دراسة نفذها عالم النفس هوارد فريدمان وزميلته لزلي مارتن جرى تقصي البيانات التي جمعها في بادئ الأمر عالم النفس لويس ترمان الذي تتبع حياة مئات الرجال والنساء، ابتداء من مولدهم في كاليفورنيا خلال العشرينات من القرن الماضي وحتى وفاتهم.

وفي هذه البيانات درس فريدمان ومارتن باحثين عن العناصر النفسية ذات العلاقة بطول العمر.

وفي مقابلة أجرتها معه مجلة quot;تايمquot; الأميركية سئل عالم النفس فريدمان عن السبب الذي دفعه إلى التركيز على طول العمر من دون الاهتمام بنوعية الحياة.

فقال فريدمان إن معظم الأشخاص الذي يعمّرون يتمتعون بصحة أفضل من غيرهم بشكل عام. فغالبية الذينتمتد بهم الحياة إلى عمر متقدم لا ينجحون في ذلك، لأنهم تمكنوا من هزم أمراض فتاكة، مثل السرطان وأمراض القلب والسكري، بل لأنهم في أكثر الأحيان لم يصابوا بها.

هل روح التحفظ لدى الفرد وراء إطالة عمره؟
يؤكدفريدمان أن ما كشفته الدراسة هو أهمية هذا العامل لدى الأفراد خلال طفولتهم وسنوات رشدهم. وهو عامل قوي مقارنة بعوامل، مثل ارتفاع ضغط الدم او الكولسترول على إطالة العمر.

ويبرر فريدمان ذلك إلى عاملين: أصحاب الضمير القوي الذي يحاسبون أنفسهم عن كل صغيرة وكبيرة، وهمفي الغالب لا يدخنون ولا يفرطون في الشرب ولا يستخدمون المخدرات أو يقودون بسرعة كبيرة. إنهم على الأرجح يشدون أحزمة مقاعد السيارات ويتبعون تعليمات الأطباء.

والسبب الأكثر أهمية وراء عيش أولئك المهمومين بتجنب التصرف الخاطئ والمتمتعين بضمير قوي وحياة أطول، هو امتلاكهم شخصية متحفظة ومراقبة الذات، وهذا ما يؤدي إلى العيش بطريقة أكثر صحية وعلاقات أكثر صحية أيضًا. بصيغة أخرى يمكن القول إن الأشخاص الحريصين على تجنب القيام بسلوك خاطئ يتمكنون من تحقيق زواجات سعيدة وصداقات ناجحة وأوضاع عمل مناسبة. فهم يساعدون على اتباع طرق صحية لحياة أطول.

ما هي علاقة العمل بالعمل المديد؟
من جهته لفتفريدمان إلى أن النتائج التي توصل إليها مع زميلته مارتن هي أن أولئك الأشخاص الممتلكين حوافز قوية على العمل المجهد الطويل وحققوا تقدمًا منتظمًا في مجالات العمل قد عاشوا أطول. بالطبع هم لم يعملوا إلى حد الانهاك القاتل.

ويرى فريدمان أنه ليس من الصحيح القول إن من يمارس العمل الشاق لا يتبع حياة غير صحية، وليس صحيحًا أيضًا القول إن العيش الطويل يؤول إلى حياة مملة. فالكثير من التحليلات الاحصائية أوضحت أن تجنب العمل الشاق خوفًا من التوتر الناجم منه سيؤول إلى موت مبكر.

هل التفاؤل قد بولغ في أهميته في السابق؟
أوضحفريدمان في المقابلة أن دراسته أسقطت قناعة كانت سائدة بأن التفاؤل وحالة الابتهاج المستمرة لدى الأطفال تجعلهم يعيشون أطول من زملائهم الرصينين والجديين. كذلك فإنه في سنّ الرشد لا يشكل الطموح القوي عائقًا أمام العيش المديد والصحي.

بل اتضح من البيانات أن أولئك المرحين وغير الطموحين خلال سنوات طفولتهم وغير الناجحين في أعمالهم خلال سنوات الرشد هم الأكثر تعرضًا للموت قبل بلوغ سنّ متقدمة.

واتضح كذلكأن اولئك الذين يعانون قلقًا متواصلاً في حياتهم هم الأطول عمرًا لأنهم على استعداد أكثر من غيرهم للعناية بصحتهم، خصوصًا في صفوف الرجال.

هل هناك علاقة ما بين الزواج والعمر المديد؟
أشار فريدمان إلى أن الدراسة التي اشترك فيها مع زميلته لزلي مارتن قددحضت قناعة سائدة ترى أنه إذا كان الشخص مقتنعًا في حب شريك حياته له حبًا جمًا وعنايته الكبيرة به، فإن ذلك يؤول إلى التمتع بصحة جيدة وإلى العمر المديد.

وإذا كانت العلاقات الاجتماعية والأواصر الجيدة مع الآخرين مهمة جدًا للبقاء متمتعًا بصحة جيدة فإن الشعور بأنك موضع عناية الآخرين ليس بالضرورة أساسيًا. بل إن العكس هو الصحيح، إذ كلما كان هناك أصدقاء واقارب تعتني بهم كلما ساعد ذلك على العيش المديد. فحب الآخرين ومساعدتهم أكثر أهمية للصحة من الشعور بأنك موضع مساعدة وحب الآخرين لك.

هل هناك فرق ما بين الرجال والنساء بما يخص الزواج والطلاق؟
في هذا الشأن يقول فريدمان إن البيانات أوضحت أن الرجال الذين ارتبطوا بعلاقة زواج طويلة ومُرْضية قد عاشوا أطول من غيرهم. لكن الرجال الذين بقوا مطلقين أو تزوجوا ثانية، ثم طلقوا مرة أخرى، يموتون مبكرًا بمعدلات عالية جدا.

لكن النساء اللواتي طلقن بعد تجربة زواج سيئة يملن إلى الازدهار في حياتهن، وهذا هو الحال بالنسبة إلى النساء العازبات (في الولايات المتحدة). بل إن النساء الأرامل وعلى غير المتوقع عشن بشكل جيد. لماذا؟ لأن النساء قادرات على الاعتماد على أصدقائهم، في حين أن الكثير من الرجال اعتمدوا على زوجاتهم في شبكات علاقاتهم الاجتماعية، لذلك فإن صلاتهم بالعالم الخارجي كانت تتهدم حال انفصالهم عن زوجاتهم.