لا تزال عمليات زرع الأعضاء والأنسجة والخلايا في الجزائر محدودة، رغم المحاولات المتتالية لدفعها منذ العام 2002، ويؤكد متخصصون سألتهم إيلاف أنّ الأمر مرتبط مباشرة بتشجيع التبرعات ووهب الأحياء أعضاءهم، علمًا أنّ نزع الأخيرة من جثث الموتى لا يزال مقتصرًا على ذوي القربى.


يلاحظ طارق سعيداني أنّ التبرع بالأعضاء خجول في الجزائر، ولا يرقى إلى مستوى يسمح بتوفير ما يحتاجه آلاف المرضى، لا سيما في ما يتعلق بالكبد والكلى، إذ ينحصر بين أفراد العوائل وأقاربهم، وهو ما يقتضي بحسب سعيداني تغييرًا كبيرًا للذهنيات السائدة، خصوصًا مع أهمية زراعة الأعضاء في تمكين المرضى من العيش لأكثر من عشر سنوات بعد إخضاعهم للعمليات، في حين يستطيع المتبرعون أن يتمتعوا بصحة جيدة وبنسبة تربو عن 97 %.

من جانبه، يؤكد مولود عتيق أنه لا يمكن تطوير عمليات زرع الأعضاء وتوابعها، إلاّ بتشجيع نزعها من الجثث، ويلح عتيق المختص في الجراحة على مضاعفة أعداد المشافي المرشحة للنهوض بهذه الأدوار، مقترحًا إنشاء وكالة وطنية بيو طبية تتكفل بتنظيم هذه العمليات، بالتزامن مع تطوير التكوين وإبرام شراكات وضمان خدمات على مدار الساعة بوسعها زرع الأعضاء.

يتفق علي حلاصا مع مولود عتيق في أهمية وضع سجلات خاصة بمتبرعي ومتلقي الأعضاء، مع ضمان الأمن الصحي والمتابعة والتقييم بشكل دائم، إلى جانب تشجيع البحث في مجال زرع الاعضاء، هذا الأخير مصنّف كعلاج متطور لأكثر العلل تعقيدًا، ومن شأنه تمديد آمال الحياة للسكان المحليين.

بدورها، ترى راضية كرايبة بضرورة تسريع إنشاء هيكل لزرع الأعضاء، حتى يتم بلورة ممارسة أكبر للتبرع بالأعضاء. وتشير كرايبة المشرفة على مصلحة الكشف عن الخلايا الخبيثة في مركز محلي للسرطان، إلى أنّ الوكالة الوطنية لزرع الاعضاء يمكنها في حالة الكلى أن تلعب دورًا مهمًا في ضبط التبرع، من خلال نهوضها بمهام الترخيص والتنظيم ومراقبة الاعضاء وزرعها بما يضمن السلامة الصحية وجودة الزرع والتوزيع المتكامل.

وتعزو كرايبة إشكال التبرع بالأعضاء في الجزائر، إلى غياب ثقافة في المجال، لذا تدعو إلى تكثيف الاتصال والتوعية بقضية تتطلب اندراج المجتمع المدني بأسره، خصوصًا مع بقاء ما لا يقلّ عن 14 ألف شخص ينتظرون الزرع، وهو ما يمثل 80% من مرضى القصور الكلوي، هؤلاء استفادوا من سبعمائة عملية زرع منذ العام 1986، 8% منها كانت انطلاقا من متبرعين متوفين.

إلى ذلك، يؤكد فريد هدّوم أنّ نقص بعض الأدوية الواجب أخذها قبل إجراء عمليات زرع الكلى، يعتبر سببًا رئيسًا في قلة عدد هذه العمليات في الجزائر، ويقترح هدّوم الذي يرأس قسم طب الكلى في مستشفى الأمين دبّاغين، تطوير الجانب اللوجستي تمامًا مثل المهارات والكفاءات للتكفل تدريجيًا بآلاف الحالات.

وتعدّ عمليات زراعة الأعضاء حلاً اقتصاديًا، يمكن لوكالة مركزية أن تنشطه، في ظلّ افتقار البلاد إلى لجنة مختصة وبرنامج محلي، ويقرّ الطاهر ريان رئيس الجمعية الجزائرية لأمراض الكلى، أنّ عمليات الزرع لم تتطور بعد في الجزائر بفعل نقص الجراحين المتخصصين، ملحًا على ضرورة تفعيلها بالتأهيل، علمًا أنّ البلاد تتطلع للقيام بمائة عملية زرع للكلى في الجزائر سنويًا، في وقت يبلغ الطلب على هذا النوع من العمليات حدود الخمسمائة عملية كل عام، وأمام تعذر الحصول على كليات داخل بلادهم، يضطر العديد من المرضى الجزائريين للجوء إلى شرائها في الخارج.

ويطالب أطباء بغلق عشرة مراكز يتم فيها زراعة الأعضاء، ويبررون ذلك بتسجيل المراكز المعنية لعديد الوفيات، وافتقاد تلك المراكز فرقًا طبية متخصصة، رغم صرامة القوانين الجزائرية.

الحل في بنك للأعضاء وبطاقات الواهبين
تسعى الجزائر إلى استحداث بنك للأعضاء البشرية مستقبلاً، خصوصًا مع إدراك مهنيي قطاع الصحة مدى الحاجة لهذا المنجز، ومن المرتقب أن تتيح وكالة التبرع بالأعضاء البشرية، إمكانية اقتطاع أعضاء موتى لزرعها لدى المرضى، وتعتبر أكثر الأعضاء طلبًا، الكلى وكذا القرنية، إضافة إلى النخاع الشوكي والكبد.

وبحسب حسين رحماني، يتيح بنك الأعضاء البشرية أمام المستشفيات الجزائرية إمكانية إجراء عمليات زرع لمختلف الأعضاء، مثل تلك المتعلقة بالكلى والكبد والأذن الوسطى، علمًا أنّ القانون المحلي يشدّد على عدم مشروعية التبرع بالأعضاء إلاّ بين أعضاء الأسرة الواحدة (الأب والأم والأخ والأخت)، ولا يُسمح بالتبرع بها بين الزوجين أو توسيعها إلى بقية الأهل والأقارب الآخرين.

ويقترح متخصصون نموذجًا لبطاقات الواهبين لتشجيع المتبرعين بالأعضاء الأحياء بعد مماتهم، ويتصور هؤلاء أنّ اعتماد السلطات للبطاقة المقترحة سيحلّ إلى حد كبير مشكلة زرع الأعضاء، لا سيما إذا كان هناك تحسيس بالعملية، وذاك يفرض التحلي بمرونة أكبر من طرف السلطات مع بقاءها يقظة لتفادي أي تجاوزات أو المتاجرة في الأعضاء.