تصادف اليوم الذكرى الخامسة لحرب إسرائيل على لبنان، ورغم انقضاء فترة زمنية عليها غير أن بعض أطفال جنوب لبنان لا يزالون يعانون آثار ما بعد الصدمة، وينصح علماء النفس الاهالي بالإصغاء اليهم ودفعهم نحو هوايات عدة كالرسم مثلاً كي يفرجوا قليلاً عن الآثار الصعبة التي خلفتها هذه الحرب عليهم.

__________________________________________________________________

يمسك عمر طائرته الحربية ويتجول بها في أرجاء المنزل قاصفًا مواقع يحددها هو على هواه، عمر في الثالثة عشرة من عمره، عايش حرب اسرائيل على لبنان والتي دامت أكثر من 33 يومًا، وهذه الحرب حتى لو حطّت رحالها لفترة زمنية الا أنها أثرت تأثيرًا مباشرًافي سلوك أطفال لبنان.
جهاد في التاسعة من عمره، لا يزال يتذكر كيف كان يخاف من النوم وحيدًا في سريره ويطلب أن تبقى والدته بقربه لأنه كان يخاف من القصف وأصواته المزعجة خلال حرب إسرائيل على لبنان، اما رولا (11 عامًا) فبقيت لفترة لا تتابع محطات التلفزيون خصوصًا بعدما رأت هذا الكم الهائل من الاطفال المصابين بعد مجزرة قانا في العام 2006، التي ذهب ضحيتها العديد من الاطفال.

أمام هذه العينة من اطفال جنوب لبنان يطرح السؤال اليوم، اي مستقبل نفسي لأطفالنا خصوصًا بعد هذه الحرب التي قضت على احلامهم الوردية وأملهم بمستقبل مشرق؟ وأي مصير ينتظر هؤلاء الأطفال خصوصًا في المراحل الحساسة من عمرهم، وبالتحديد الاطفال النازحين الذين عايشوا الحرب بأصعب تفاصيلها؟ وهل تبقى آثار ما بعد الصدمة راسخة في نفوس الاطفال حتى بعد قضاء سنوات عليها؟

في هذا الصدد ينصح علماء النفس الأهالي بالاستماع الى ابنائهم دائمًا خصوصًا عندما يتكلمون عن مرحلة الحرب الصعبة وان يشرحوا لهم ان هذه المرحلة ذهبت لتأتي بعدها مراحل مشرقة، ومن المهم جدًا ان ينّفس الاطفال عما يخالجهم من خلال الرسم وحتى لو أتت الرسوم مخيفة في بعض الاحيان الا انها ستكون تعبيرًا وتنفيسًا عن ازمة نفسية عاشوها.

بعض الاهالي لاحظوا خلال الحرب أن سلوك أبنائهم تغير كليًا فباتوا أكثر عصبيّة ويتكلمون لغة الكبار، ودخلت على مفرداتهم عبارات القصف والقذائف والطائرات، بعدما كانت لغة الألعاب والرسوم المتحركة هي المسيطرة. لا شك ان الحرب كانت مؤذية جدًا للكبار خصوصًا اولئك الذين عايشوا الحروب اللبنانية السابقة، لان هذه الحرب أعادت الى الاذهان صورًا ماضية في عمق تفكيرهم لم تمح بعد، الا ان آثار هذه الحرب على الاطفال اكبر بكثير، خصوصًا وان علم النفس يعتبر ان الطفل بين الرابعة والتاسعة من عمره تتكون شخصيته على ما شاهد ومرّ في حياته من أحداث، وهؤلاء الاطفال الذين عايشوا هذه الحرب ستولد عندهم بلا شك في المستقبل عقدٌ أقلها ضغوط نفسية عاشوها او كبتوها وسوف تظهر في المستقبل من خلال سلوكهم العدائي، لان العنف لا يولد الا العنف.

ويعتبر علماء النفس أن الطفولة هي ركيزة الشخصية الانسانية، فاذا ما نما الانسان من خلال طفولة يائسة ستكون حياته المستقبلية أشبه بالجحيم، وسيتذكر حتمًا في كل مشكلة تصادفه هذه الطفولة البائسة التي ستبقى حاجزًا امام انطلاقه في الحياة وتمتعه بها.
اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة عند الاطفال

تقول المعالجة النفسية سهير فاخوري لايلاف إنه في البدء يجب معرفة أنواع الصدمة وصفاتها، لان اضطراب ما بعد الصدمة يشكل عاملاً مهمًا في حدوث اضطرابات نفسية معقدة عند الاطفال قد تستمر حتى سن الرشد، وتضيف:quot; يمرّ بعض الأطفال بخبرات مؤلمة مختلفة، وهذه الخبرات قد تؤدي بهم الى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، مثلا ان يشاهد الطفل امامه أعمال العنف والقتل والدم، او أن يسمع بان احدًا من الاشخاص الاعزاء يتعرض للتعذيب والخطف والاعتداء، كذلك التهجير وتدمير المنزل والانفجارات، علمًا ان الاطفال معرضون لاضطراب ما بعد الصدمة أكثر من الراشدين، وقد وجد الباحثون ان هناك 45% من الاطفال قد اصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة بعدما تعرضوا لحادثة وفاة او قتل لاحد افراد الاسرة. ويلعب العنف الامني والسياسي دورًا كبيرًا على الاطفال ويؤدي الى نتائج مأسوية لديهم.