حوار مع الشاعرة والكاتبة المسرحية الإماراتية فواغي بنت صقر القاسمي:
* الشاعر في عصرنا اليوم لم يعامل بما يستحق
* الشعر هو خزين الحياة المكثف في زوايا الوجدان

حاورها مهند صلاحات: تعتبر الشاعرة الإماراتية فواغي بنت صقر القاسمي نفسها من رواد المذهب الشعري الكلاسيكي، رغم إدخالها لبعض الشطحات نحو شعر التفعيلة والنثر في بعض دواوينها، بالإضافة لأن المشروع الثقافي الذي تحمله الشاعرة والأديبة قبل الشيخة والأميرة فواغي القاسمي يجعل منها إحدى رائدات المشاريع الثقافية على مستوى عالمي، لكونها أديبة أولاً وهذا ما يكسر عرف المثقف في المنطقة العربية الذي ظلّ لسنوات بثقافته الشرقية يستهين بنتاج المرأة المثقفة ودورها العضوي في المساهمة في المشروع الثقافي، أو لكونها خارجة من عباءة الإمارة، وكاسرة للبروتكولات المعهودة لذوي السلطة، وإعادة صياغة مشروع المثقف والسلطة.
فالشاعرة quot;القاسميquot; حملت على عاتقها المساهمة الفاعلة في صنع مشروع ثقافي عربي يحفظ هيبة واستقلال دولتها، وحمايتها من المشاريع الطامعة فيها وفي خيراتها، سواء الفارسية القريبة التي تحتل الجزر الإماراتية العربية وأجزاء من العراق العربي، أو الأمريكية والإسرائيلية التي تفرض هيمنتها وقوتها على عدد من الدول العربية.
عرضت للشاعرة على خشبة المسرح نادي الفتيات العديد من المسرحيات الاجتماعية والوطنية ومن ضمنها المسرحيات التي قامت بتأليفها الشاعرة كملحمة quot;عين اليقينquot; التي تم عرضها إضافة إلى دولة الإمارات على مسرح دار الأوبرا بالقاهرة، وquot;الأخطبوطquot; التي تنصب حول إحياء نكسة احتلال الجزر العربية الثلاث quot;طنب الكبرى والصغرى وأبو موسىquot; من قبل إيران، ويعتبر كذلك ديوانها الشعري quot;ألم المسيح ردائيquot; الديوان الأول الصادر عن دار الحضارة العربية للنشر بجمهورية مصر العربية والذي كان ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب 2007. إيلاف التي استضافت الشاعرة لتقدمها للقارئ العربي عبر هذا الحوار والذي بدأ بالسؤال:

* يقال أن هنالك شجرة للعائلة، أما الشاعر فينتمي لشجرة الشعر، إلى أي شجرة شعرية تنتمين؟؟
- حين أعمد لتعيين فيء شجرة أستظل به فحتماً خطاي تقوداني لانتمائي لشجرة الشعر الكلاسيكية، العمودية... وإن كنت أجنح في بعض الأحيان إلى امتداد ظلالها، فأكتب التفعيلة - وإن أخذتني الشطحات بعيداً، أتشكل في نصوص نثرية.

* هل حقاً أن قصيدة النثر كما يرى البعض لم تنصف الشعر العربي وقللت من قيمته؟
ظُلمت قصيدة كثيراً بهذه التسمية، حيث جعلتها مولوداً خدجاً، وأضاعت ملامحها،فهذا الفن الأدبي الحديث ما كان له أن يدرج تحت تلك التسمية التي لا ينتمي لها، فلا أضافت لما كان يجب لها أن تضيف له، ولا استقلت بذاتها كفن حديث له من جمالياته ما يضاهي الشعر ويزيد أحياناً. فهي قد أخرجت الشكل التقليدي للشعر عن مساره الجمالي المتمثل في ارتكازاته الأصلية ومقوماته الضرورية كالوزن والقافية، وإن كانت تزخر بالمقومات التالية من جماليات الصورة واللفظ ndash; إلا أن هناك من المسلمات المقدسة لا يمكن المساس بها وإلا اعتبرت اعتداءاً غير مقبول. لكن ما نقرأه من نثر أدبي جميل يطلق عليه جزافا بقصيدة النثر فذاك مخالف للطبيعة الشعرية ويجب أن يتفق النقاد على تسمية جديدة له تليق به ولا يدرج تحت مسمى الشعر وهو منه بعيد.

* على ضوء تعريّف بعض النقاد والأدباء الشعر على أنه الشعور، في أي الأجواء تتشكل لديك القصيدة، وكيف تأتيك؟
- الشعر هو خزين الحياة المكثف في زوايا الوجدان، القابع في مُدد الوقت والمنعجن بالتواءات الحدث، يختمر في لا إدراك الشاعر الذي شكله الزمن، ويتشكل في لحظة خارج نطاق السيطرة، ويأتي متمرداً على أفاريز المعقول والمخترق حدود القدرة والشعور، مادته تتشكل في اللون والصورة. لكن لا يعنى كل ما قيل من نابع الشعور هو الشعر، أو كل ما احتوى على شعور يعتبر شعراً دون التفات لتركيبته وشروطه، لأننا إذا اعتمدنا ذلك التعريف نكون قد فرشنا البساط لكل خاطرة وفكرة ومقال، وبمعنى أوسع كل ما تمخض في لحظة شعور عابر ومؤثر. هكذا يصبح شعراء العالم العربي يعدون بمئات الملايين ! وهذا إجحاف بحق الشعر وتعويم خاصيته بتوسيع رقعة الانتماء له ممن لا تنطبق عليهم خصائص الشعراء.

* صدر لكِ بالإضافة لدواوينك الشعرية، نصوص مسرحية، وهنالك أيضاً مزيج من المسرحيات الشعرية، ما هي الروابط المشتركة بين الشعر والمسرح بناء على تجربتك؟
- المسرح كفن أدبي جماهيري مستقل بذاته عن غيره، إلا أن ذلك لا يندرج تحت معنى التنافر وعدم الانسجام، كما أن وجود الواحد لا يحتم بضرورة وجود الآخر والعكس صحيح.. غير أن التكامل بين الاثنين قد يسقط على كليهما من صفات الآخر ما يجعلهما وحدة منسجمة. كما تخدم صفات كليهما نقصاً قد يتمثل في الآخر بإكمال وصوله إلى المتلقي، ويساعد أحدهما الآخر في جعله أكثر تقبلاً ووعياً. و إن ألف الناس المسرح بصفة عامة نموذجاً فنياً يعتمد على الحركة والتجسيد المعتمد أصلاً على قدرات شخوصه، إلا أنه لم يغفل أسلوب التقديم الذي تنوع بين أدبٍ حواريٍ سرديٍ محض لآخر تتداخل به صنوف متنوعة من الفنون الأدبية كالشعر، لآخر شعري محضٍ، وتحول فيما بعد إلى فن يعتمد بالدرجة الأولى على العامية من اللهجات كهدف لاستقطاب الشريحة المجتمعية الأوسع، إلا أن ذلك لم يلغِ تماماً الحاجة لمسرحٍ أدبي بحت، يرضي ذائقة البعض بصرف النظر عن حجم هذا البعض، وقد ساعد الشعر كثيراً في إثراء هذا الفن، وكذلك في استقطاب أعداد ليست بالقليلة من فئات المجتمع، خاصة إن نظرنا إلى إمكانية توظيف الشعر بمظهر فني استعراضي منغم يرسل ذبذباته المغناطيسية للجذب الجماهيري والعاطفي.

* هل تعتقدين أن المسرح العربي اليوم قادر على التعبير عن همومنا كعرب ومشاكلنا أم أنه لم يزل يحاول البقاء ضمن الصورة الغربية؟؟
- لا يمكن اجتزاء بعض من كل في مرحلة من الزمن، حيث أن التكامل، سلباً كان أم إيجاباً، يشتمل اتجاهات الحياة كوحدة واحدة. وفي عصر العولمة هذا، أصبح تدني الذوق العام واضمحلال الكثير من الفنون الأدبية والثقافية صفة عامة لم يستثنى منها نهج أو وسيلة.. والمسرح كواحد من تلك الوسائل المؤثرة سابقاً أصبح يترنح تحت وطأة موجة التغريب تلك الشاملة العامة، لكنه يبقى النافذة التي يسقط الضوء من خلالها على مساحات الهواجس العربية المثقلة بهموم التهميش والاستعباد المقيت في ظل ثورة إعلامية تسوقها عصا الجبروت الغربي التي تسلخ كرامة الأمة الغائبة.

* يرى الشاعر نفسه في الغالب بعيداً عن البيئة والمجتمع من ناحية ثقافية، لكنه ينصهر في هموم المجتمع، ما طبيعة الظلم الواقع على الشاعر من مجتمعه؟
- للشاعر بيئته الشعورية التي يتجسد من خلالها منجزاً أدبياً مصقولاً بعوامل الوراثة أولاً، والتشذيب الأدبي للارتقاء بالنص المدون حين انسكابه من الذات ثانياً. وإن كان للمجتمع دوراً في ذلك، فإن إرهاصاته وعوامل القهر والتحدي في مجملها عوامل خلاّقة تستفز القول والتعبير في تفجير كوامن الشعر وفيض المعرفة. فالشاعر في عصرنا اليوم لم يعامل بما يستحق، إن حاولنا مقارنته بالشاعر في عصور مضت، وربما يعود ذلك لأثر للطبيعة الحياتية التي قلصت من دوره كناطق ومحفز وناقد. في عصور خلت لم يكن ما يسمى بالجهاز الإعلامي العصري الذي استل سيف المناورة من غمد الشاعر ليصبحه لينتحل مكانته. وللأسف فإن البلدان العربية أضاعت تراثها شيئاً فشيئا ولا يزال الهدر متواصلاً، إذا ما نظرنا بعين التقييم لما يتحصل عليه الشاعر من اهتمام مقارنة بما يحصل عليه الآخر حتى وإن كانت الدونية ميزة الآخر، بينما مكانة تراثنا الأدبي ومعجزة الشعر العربي لا تزال تراوح في ظل التهميش أو المسابقات الفارغة المعنى لذر الرماد في العيون أو انتحال شخصية المثقف الراعي. لكن أبواق الإعلام تنعق صبح مساء بالفيديو كليب وغيره من انحدار ثقافي مدمر للذوق العربي بكل جوانبه، فأي ظلم يمكن أن يصنف عليه وضع ذلك الشاعر المعتز بعروبته وتراثه الثقافي الحضاري !
كيف تنظرين لتجربة الشعر النبطي، وهل هي تجربة خاصة في بيئة أو مجتمعات عربية معينة أو أنه يمكن لهذه التجربة أن تعمم مستقبلا؟
ما ينطبق على الشعر الفصيح هو ذاته ما ينطبق على الشعر النبطي، فالأدب مليء بالأصناف المختلفة، منها الجيد والرديء، الهادف والمنبوذ. ولأن مجتمعاتنا العربية، كطبيعتنا العربية، شديدة الاختلاف والتباين، فإن كل ما فيها منطبق على طبيعتها، فلا عجب أن تتباين لهجاتها حتى لتكاد في بعضها أقرب لاغتراب اللغة منها إلى اللهجة. هذا النوع من الاختلاف بين بيئة وأخرى أنتج فناً شعرياً خاصاً ببيئته، يسهل تلقيه من قبل أفراد تلك البيئة، وهنا أيضاً تلعب العوامل الثقافية دوراً في إبراز نوع الشعر لدى الشاعر.
أما الحكم مسبقاً على تعميم التجربة مستقبلاً من عدمه لا يدخل في نطاق الجزم بقدر ما يخضع لأحكام التوقعات المبنية على المشاهدات الفكرية والاجتماعية. وكما قلت لك في بيئة تتباين فيها اللهجات المحلية من الجلي بأن احتمالاً واعداً لتعميم تلك التجربة يبقى قابعاً في الدائرة الأضعف، اللهم إلا إنْ كانت وسيلة التعميم منتحلة شخصية لونٍ آخر من فنون الانتشار كالغناء مثلاً، ومدعومة بآلة الإعلام المرئية والمسموعة.

* يرى بعض النقاد أن الشعر النبطي أو العامي لا يعتبر شعراً، ولا يعدو كونه أهازيج شعبية وجزء من الأغنية الشعبية.. على ضوء ظهور أجناس الشعر العربي سواء التفعيلة أو الحر وصولا إلى قصيدة النثر، ما تعليقك على ذلك؟
- كما قلت لك فإن الشعر النبطي هو فن شعري يخضع لمقاييس الجمال الأدبية والثقافية مدعمة بموهبة الشاعر الحقيقية، لكن وكما في الشعر العربي الفصيح دخلت ألوانا جديدة لإثرائه وتنويعه دون المساس بركائزه وأركانه، فالشيء نفسه ينطبق على الشعر النبطي. ولوثة quot;الشعر الحديثquot; التي ابتلى بها الشعر العربي ليست ببعيدة على الشعر النبطي أيضاً، وإن كانت لا تظهر بصورة واضحة كما في الشعر العربي الفصيح، حيث أن الشاعر النبطي لا يعتمد على تجديد اللفظ والصورة كما في قصيدة النثر مثلاً، والتحلل من مقومات الشعر الأساسية كالوزن والقافية، فهو على خلاف ذلك يتلمس مواطن العزف والموسيقى في قصيدته فلا يتنكر لتلك المقومات، لكن ذلك لا يمنع من وجود شعر نبطي جيد وآخر لا يستحق إطلاق المسمى عليه. لكننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال مقارنته بفنون الأدب الحديث التي أدرجت تحت مظلة الشعر فظلمت بذلك، وظلم الشعر بها. هذا إن استثنينا قصيدة التفعيلة التي حاولت التجديد في الفن الشعري بما يعكس روح العصر دون هدم أركانه فحافظت على البحر والقافية، وإن لجأ البعض أحياناً إلى التحرر من القافية كما في الشعر الحر، و لا يعتبر ذلك عيباً، فالقارئ لمثل تلك القصائد لا يمكن إلا أن يصفها بشعريتها، تماماً كما حدث في العصر الأندلسي بالنسبة للموشحات التي خرجت من نطاق الكلاسيكية لتوائم روح العصر، وتناسب العزف والتلحين للغناء.
[email protected]