بيروت: أقساط مدرسية، مساعدات طبية، رواتب، بطاقات سفر وخدمات... المرشحون الى الانتخابات النيابية في لبنان ينفقون اموالا طائلة لارضاء ناخبين فقدوا الامل في تحصيل حقوقهم من quot;دولة القانونquot; فسعوا الى مصلحة مادية موقتة. وتستعد ناتاشا ت. (35 عاما) لزيارة لبنان بعد عشر سنوات من الغياب للمشاركة في الانتخابات في السابع من حزيران/يونيو المقبل. وتقول انها quot;مشتاقة جداquot; لزيارة بلدها الام quot;ولقاء اصدقاء الطفولةquot;.

ومنذ اشهر عدة، اتصل بناتاشا وافراد عائلتها المقيمين في بلد اوروبي، حزب ارمني معارض ساعدهم على استصدار جوازات سفر لبنانية وتعهد بدفع التكاليف، بالاضافة الى تكاليف اقامتهم المقبلة في لبنان وبطاقة السفر quot;شرط ان نصوت لاحد مرشحيهquot;. وتضيف quot;اعتقد ان هذا المرشح الذي لا اعرف اسمه، جيد. انا لا اهتم بالسياسة في لبنان، لكنني متحمسة للمجيءquot;.

ورغم نفي الاحزاب والتيارات السياسية قيامها بعملية منظمة لاستقدام لبنانيين من الخارج، فان الشائعات والاخبار حول ذلك منتشرة بقوة. وذكر دبلوماسي غربي رفض الكشف عن هويته انه تلقى تقارير من دولته عن انتقال حوالى خمسة الاف لبناني مقيمين في استراليا الى لبنان للمشاركة في عملية الاقتراع، وان غالبيتهم حصلوا على تمويل لرحلتهم. ويقارب عدد الناخبين المسجلين على لوائح القيد اكثر من ثلاثة ملايين، نسبة كبيرة منهم من المهاجرين او المغتربين الذين لا يمكنهم الاقتراع في الخارج.

ويقول مارك ض. (37 عاما) انه سيصوت في السابع من حزيران/يونيو لمرشح في قوى 14 آذار (الاكثرية) في دائرة جبيل (شمال بيروت) ذات الغالبية المسيحية، علما انه كان ضده لفترة قصيرة خلت. quot;انا مضطر لذلك، لقد استخدم نفوذه لمساعدة زوجتي في ايجاد عملquot;. وكان سبب غضب مارك على المرشح ذاته انه ساعد في الفترة التي سبقت الانتخابات الماضية في 2005 quot;الجيران على تسوية مخالفة بناء قاموا بها والحقت ضررا بمنزلناquot;.

ولا يقتصر اغراء الناخب على الخدمات. ويشكر بولس ب. (42 عاما) الذي يصوت في دائرة عكار (الشمال) النائب سعد الحريري، ابرز قادة الاكثريةquot;، لان quot;احد نواب كتلته يرسل الينا اعاشة غذائية شهريةquot;. في البقاع، يروي المواطن طارق ن. (40 عاما، مدرس) بسخرية ان نائبا في منطقته quot;زود خلال فصل الشتاء، المدرسة التي اعمل فيها بالفي ليتر من المازوت للتدفئة.انه كريم فعلا ولكن لم لم يفعل ذلك العام الماضي وما قبله؟quot;.

في الجنوب، يقول جمال ش. (55 عاما) انه انضم الى حزب الانتماء اللبناني المناهض لحزب الله منذ خمسة اشهر وquot;اتقاضى مليون ليرة لبنانية شهريا للمساعدة على نشر مبادىء الحزبquot;.
في المقابل، يقول عماد ر. ان حزب الله quot;انا مقاول وحصلت على تعهدات من حزب الله لمشاريع فى بلدتي بقيمة خمسين الف دولارquot;. ويقول محمد ح. وهو يراقب ورشة تعبيد على الطريق الساحلية جنوب مدينة صور quot;ظهر الزفت الذي كنا ننتظره منذ سنوات. هذا زفت انتخابيquot;.

ومن الامثلة التي تندرج في اطار quot;الرشوة الانتخابيةquot; والتي تم رصدها وتوثيقها في تقارير الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات، quot;دفع اقساط طلاب (...)، قيام مراكز حزبية في اكثر من دائرة بتوزيع ادوية وتنظيم حملات صحية مجانية لم تدرج العادة عليها، دفع مبالغ نقدية لمواطنين او الوعد بذلك لقاء تصويتهمquot;. وتوضح يارا نصار، المديرة التنفيذية للجمعية التي حصلت على اعتماد من وزارة الداخلية لمراقبة سير العملية الانتخابية، ان quot;الرشوة يحاسب عليها القانون الجزائي وليس فقط قانون الانتخابquot;.

الا ان شريحة واسعة من اللبنانيين لم تعد تؤمن بسطوة القانون. ويعتبر استاذ علم الاجتماع والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية شارل شرتوني ان هذا يشكل quot;وجها من وجوه سقوط المؤسسات الديموقراطية والثقافة الديموقراطية في البلدquot;، معتبرا ان quot;اللبنانيين مستعبدون سياسياquot;. ويضيف ان quot;عنصر المال موجود، لان دولة القانون والحقوق غير موجودةquot;، مشيرا الى ان quot;مثل هذه الممارسات في اي دولة ديموقراطية تنسف العملية الانتخابية من اساسهاquot;.

ويتابع ان quot;السياسيين جعلوا وظيفتهم الفعلية استعمال حقوق الناس ليبيعوهم اياهاquot;. وقال شرتوني quot;هناك دول ايضا تمول العملية الانتخابية مثل السعودية وايرانquot;، مضيفا quot;كل سياسات النفوذ الاقليمية معطوفة على سياسات النفوذ الداخلية تعيد تسليط الطبقة السياسية ذاتها على المواطنينquot;.