مسيرة رجل من لبنان متعدد الأدوار والوجوه والحسابات
دولة الرئيس نبيه بري : البيت بيتك

الحريري ساير حلفاءه وحافظ على إتفاقه مع رئيس المجلس العائد
قراءة في الأوراق البيضاء والأصوات الـ 90 لنبيه بري


بري رئيسًا لمجلس النواب اللبناني ومكاري نائبًا له


الأوراق البيضاء أغاظت بري ... فانتقم من نائبه

نجم الهاشم من بيروت: لم يعد نبيه بري غريبا عن المكان في كل حجارته. من مبنى مجلس النواب في ساحة النجمة إلى مقر رئيس المجلس في عين التينة يتصرف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري كأن البيت بيته، وقد صار المكانان مألوفان لديه أكثر من قصره الكبير في المصيلح على الطريق إلى النبطية أكبر تجمع للشيعة في الجنوب اللبناني.

مفتاح مجلس النواب في جيب الرئيس بري أيضا كأن المؤسسة صارت أيضا مشابهة للرجل الذي يترأسها منذ عام 1992. تبدلت الظروف وتغيرت المعطيات وبقي نبيه بري في موقعه يعرف كيف ينسج علاقاته الصعبة مع الحلفاء ومع الخصوم فلا يندمج إلى حد الذوبان ولا يعادي إلى حد اللاعودة. يخط دائما خطا مفتوحا حتى على أعز خصومه في أصعب الأوقات ويجد لنفسه دائما المخارج والتفسير لمواقفه ويحل أكبر الأزمات بنكتة يطلقها، وهو دائما سريع البديهة حاضر الذهن وسليط اللسان،إذا انتقد قسا وإذا هادن لايدير ظهره.

على مدى أعوام لعب نبيه بري دور القائد الشيعي الأول في لبنان. لم يكن بحاجة إى أعواك كثيرة ليثبن جدارته وحضوره. كان عمره أربعين عاما عندما تبوأ قيادة حركة أمل الشيعية بعد عام على اختفاء مؤسس الحركة وباعث النهضة الشيعية في لبنان الإمام السيد موسى الصدر في ليبيا في آخر آب/ أغسطس 1978. لم يستطع الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني أن يستمر في خلافة الصدر في رئاسة الحركة بينما كانت الثورة الإسلامية تتسلم مقاليد السلطة في إيران، وقد ترعرع قياديون كثيرون منها في ظل حركة quot;أملquot; في لبنان.

لم تكن وراثة موسى الصدر الدينية أصعب. كان نائبه الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقد تحمل المسؤولية كاملة واستمر في حملها في نيابة رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حتى وفاته في 11 كانون الثاني/ يناير 2001.

برز اسم نبيه بري على رأس حركة quot;أملquot; في بداية المواجهات في الجنوب بينها وبين التنظيمات الفلسطينية قبل الإجتياح الإسرائيلي عام 1982. وفي مواجهة هذا الإجتياح كانت للحركة محطة مواجهة رئيسية عند مثلث خلدة أي بوابة بيروت من الجنوب بعد عام 1982 كتب لحركة quot;أملquot; ولرئيسها نبيه بري دور جديد. من رحم الحركة انبثقت أولى تكوينات حزب الله عندما انشق عنها ما سمي حركة أمل الإسلامية التي دخل مطلقها السيد حسين الموسوي إلى مجلس نواب 2009 ولكن هذا النزوح من الحركة لم يمنعها من أن تكون الجناح الشيعي الأول في لبنان لتخوض أول المواجهات مع الجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية ولتستعيد السيطرة على هذه الضاحية في أواخر عام 1983 قبل أن تسيطر على بيروت في 6 شباط/ فبراير 1984. يومها قال نبيه بري أنه لا يستطيع أن يتحمل وحده أمن بيروت ووصفه بأنه قميص وسخ ولكنه غاص في بحر الصراعات، ومن موقع المنتصر دخل إلى الحكومة اللبنانية وزيرا للعدل والجنوب عام 1984 في الحكومة التي شكلها الرئيس رشيد كرامي على عهد الرئيس أمين الجميل ومن ذلك التاريخ لم يخرج من السلطة ومن دائرة القرار وظل يجمع بين قائد الميليشيا وبين رجل الدولة وأحد أركانها.

عام 1985 قاد نبيه بري عملية الحرب ضد تنظيم quot;المرابطونquot; السني وأخرجه من المعادلة ثم وجد نفسه مع الحركة في مواجهة المخيمات الفلسطيني ضد ما سمي محاولة عودة نفوذ ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني، إلى العاصمة اللبنانية في ظل الصراع الذي كان دائرا بينه وبين الرئيس السوري حافظ الأسد على أرض لبنان أنهكت هذه الحرب حركة quot;أملquot; واستنزفتها ولم تكن نزهة على الإطلاق وقبل أن تنتهي وجدت الحركة نفسها بقيادة نبيه بري في أصعب مواجهة مع حزب الله التنظيم الشيعي المدعوم من إيران.

قيل وقتها أن الحرب بين الحركة والحزب كانت مجرد غيمة صيف عابرة في العلاقات السورية الإيرانية الإستراتيجية. بعد جولات قتال متكررة بين الجنوب والضاحية الجنوبية وإقليم التفاح نجحت الوساطة الإيرانية في التوصل إلى ما سمي اتفاق دمشق بين الحزب والحركة عام 1989 الذي أدى عمليا إلى احتكار quot;حزب اللهquot; لدور المقاومة في الجنوب ولبنان وإلى إحالة حركة quot;أمل. عمليا إلى الإحتياط إو إلى التقاعد. وقد شكا نبيه بري وقتها لقريبين منه من تخلي سورية عنه، ولكن التخلي كان عن التنظيم الذي كان يرأسه بينما ظل موقعه محفوظا كأول قيادي رسمي للطائفة الشيعية في لبنان.

عام 1992 فتح مجلس النواب أبوابه للوزير نبيه بري وكان على موعد آخر مع دولة الرئيس حسين الحسيني. بعد إخراجه من قيادة حركة quot;أملquot; أخرجه نبيه بري من رئاسة مجلس النواب وتبوأ سدة الرئاسة الثانية في أول مجلس نواب بعد اتفاق الطائف اشرف على إخراجه إلى العلن الدور السوري في لبنان الذي كان وراء تسمية معظم النواب، وكذلك وراء بناء التحالف بين quot;حزب اللهquot;وحركة quot;أملquot; وتوزيع المقاعد النيابية حصصا عليهما تجنبا لأي خلاف بينهما وقد نجحت عملية التوزيع هذه بحيث أعطت لكل طرف منهما كتلته بغض النظر عن حجم الشعبية المتنامية لحزب الله واحتفظ الحزب بدور المقاومة وبرئاسة المجلس.

أمسك نبيه بري بمطرقة المجلس الرئاسة الثانية وأصبح شريكا في السلطة إلى جانب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وكثيرا ما سرت تهكمات حول دور المجلس في ما كان يسنى عهد الوصاية السورية على لبنان خصوصا حول مقولة أن المجلس النيابي سيد نفسه. فقد كان هذا المجلس أداة طيعة في يد السلطة التي كانت تديرها سوريا مباشرة وكثيرا ما اضطر ألى التراجع عن قرارات اتخذها لعل أهمها كان تعديل قانون العقوبات

برع نبيه بري في إدارة المجلس النيابي في تلك المرحلة وهذا ما أهله ليبقى في هذا المنصب بعد انتخابات 1996العام وانتخابات العام 2000 التي كرست رئيس الحكومة رفيق الحريري زعيما لكتلة النواب السنة داخل المجلس النيابي الأمر الذي سرع في خلافه مع سوريا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان من العام نفسه وانتخاب مجلس نواب جديد بعد شهرين وتكوين أكثرية جديدة خارج السيطرة السورية ومؤيدة لما سمي ثورة الأرزتساءل كثيرون عما إذا كان نبيه بري سيبفى رئيسا لمجلس النواب الجديد. ولكن التساؤل لم يدم طويلا ذلك أن حزب الله بتحالفه مع بري احتكر تمثيل الشيعة في مجلس النواب في ما اعتبر ردة فعل ناتجة عن الخوف من الفراغ بعد الإنسحاب السوري، كما أن التحالف الرباعي الذي نشأ مع quot;تيار المستقبلquot; والنائب وليد جنبلاط سهل عملية بقاء نبيه بري في رئاسة المجلس، حيث كان المرشح الوحيد الذي ترشحه الطائفة الشيعية ولم تكن الأكثرية الجديدة قادرة على الخروج من هذه المعادلة لذلط كان لا بد من التعايش معه ومن بناء علاقات حسن جوار معه.

في الطريق إلى تشكيل المحكمة الدولية أقفل نبيه بري أبواب مجلس النواب بعدما بدأت حرب الإغتيالات تطال عددا منهم من أجل إسقاط الأكثرية بالموت، ولكنه في المقابل كان يسدي النصح للنائب وليد جنبلاط بأن اذهبوا إلى مجلس الأمن لأن المحكمة لن تمر في مجلس النواب. وهكذا كان وظل المجلس النيابي مقفلا أيضا.

عندما حان موعد انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس أميل لحود كان نبيه بري يشارك المعارضة في الإعتصام لإسقاط حكومة الرئيس السنيورة في ساحة رياض الصلح بحيث خرجت الديمقراطية من المؤسسات إلى الشارع، بعدما كان نبيه بري حاول أن يأخذ الصراع من الشارع إلى مجلس النواب قبل حرب تموز/ يوليو 2006 عندما فتح أبواب المجلس النيابي لمؤتمر الحوار اللبناني ولكن المحاولة لم تنجح وبقي الصراع على حدته وهذا ما أدى إلى انفجاره في 7 أيار عندما شاركت حركة quot;أملquot; مع quot;حزب الله quot; في الحرب في شوارع بيروت،وإن كان الحزب هو الذي لعب الدور الرئيسي في قيادة المعركة في بيروت والجبل.

أخذت أحداث 7 أيار/ مايو 2008 القيادات اللبنانية إلى الدوحة في قطر وسهلت انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعدم فتح رئيس المجلس نبيه بري أبواب المجلس
بعد انتخابات 7 حزيران 2009 عادت إشكالية انتخاب نبيه بري رئيسا للمجلس. فقد رشحته الأقلية وحده حيث لا يوجد نواب شيعة خارج كتلته وكتلة quot;حزب اللهquot; إلا النائبين غازي يوسف وعقاب صقر من تيار المستقبل والنائب عبا هاشم من تكتل التغيير والإصلاح الذي يرأسه العماد ميشال عون حليف الرئيس بري وخصمه في انتخابات دائرة جزين في الجنوب
قبل الإنتخابات فتح النائب وليد جنبلاط خطا على الرئيس نبيه بري على أساس أنه يظل جسر العبور إلى الحوار مع quot;حزب اللهquot;ولم يقطع بري في المقابل خطوطه مع الخصوم الآخرين. صحيح أنه كانت هناك اعتراضات على إقفاله مجلس النواب بعد العام 2005 ومنع انتخاب رئيس للجمهورية طوال سبعة أشهر، لكن الواقع فرضه مرة جديدة رئيس لمجلس النواب على الغالبية أن تجد الطريقة المناسبة للتعامل معه.

كان بري ينتظر أن يحصل على أكثر من مئة صوت من النواب ولكن المفاجأة كانت في عدم حصوله إلا على 90 صوتا حيث يظهر أن كتلة quot;تيار المستقبلquot; لم تصوت كلها له كما كان وعد رئيسها الناتئب سعد الحريري وهذا ما انعكس سلبا على التصويت لنائب الرئيس فريد مكاري من تيار المستقبل الذي حصل على 74 صوتا منهم أربعة فقط من الأقلية طريق نبيه بري إلى رئاسة مجلس النواب مرة خامسة تدخل ضمن توافق على تسمية النائب سعد الحريري لتشكيل الحكوم اللبنانية الجديدة في ظل توقعات بأن ينعكس التصويت للرئيس بري سلبا عليه بحيث يحجم معظم نواب الأقلية عن تسميته وفي مرحلة التأليف قد توضع العراقيل في طريقه من خلال اًلإصرار على الحصول على ثلث أعضاء الحوكمة زائدا واحدا.

فهل يستدرج القيادي الشاب إلى أول محطة لتفشيله كرئيس للحكومة بحيث تطول عملية التكليف ليجد نفسه في النهاية أمام حل من ثلاثة : إما أن يشكل حكومة من دون المعارضة وهذا ما قد يعيد الإعتراض إلى الشارع، أما أن يقبل بإعطائها الثلث المعطل وهذا ما قد يخلق له مشكلة مع حلفائه، إما أن يعتذر عن التكليف وهذا يسجل كأول نكسة سياسية له في أول الطريق وهو الداخل إلى رئاسة الحكوم بعمر 39 سنة، أي العمر نفسه الذي دخل فيه نبيه بري إلى عالم السياسة اللبنانية رئيسا لحركة أمل، بينما يقف اليوم على عتبة بداية السبعينات من عمره وهو يعد نفسه بالبقاء في ما أصبح يعتبره بيتا له في مجلس النواب وفي عين التينة. ولم تفته النكتة السياسية في كلمته بعد انتخابه عندما حيا الذين اقترعوا بورقة بيضاء وأمل أن يصوتوا له في المرة المقبلة في السنة 2013 أي بعد أربع سنوات.