أصبح علاج المرضى العراقيين في خارج العراق لاسيما الهند وإيران ، ظاهرة ملفتة في المجتمع ، في ظل تساؤلات يطرحها البعض انْ كان التطبب في العراق يعجز عن علاج الكثير من الحالات.

على رغم ان الكثير ممن أدلوا برأيهم في الاستطلاع حول الموضوع لا ينتابهم الشك في توفر كفاءات عراقية جيدة في البلد ، إلا انهم في ذات الوقت يرون ان غياب التقنيات وتردي اوضاع المستشفيات ، وهجرة العقول تسببت في تردي مستوى العلاج في العراق الى حد كبير .
ويقول الطبيب سعد رحيم في هذا الصدد ان معرفة الطبيب تبقى عاجزة امام توفير العلاج المناسب في ظل غياب الوسائل من تقنيات وأدوية . ويتابع : عملية علاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان على سبيل المثال لا تكتمل بفحص الطبيب ، فهذه خطوة بسيطة في مسيرة العلاج تحتاج الى الإمكانيات الفنية والكوادر الوسطية والصحية.
الطبيب المخدر عصام نعمان يوضح ان وزارة الصحة نفسها ، تعترف بعدم قدرة المستشفيات العراقية على توفير الكثير من العلاجات ، لذا ترسل الحالات المستعصية التي لا يتوفر لها علاج إلى الخارج بحسب استشارة طبية.
قلة الخدمات
ويتسائل الاعلامي سلام الامير في هذا الخصوص عن أسباب الاهمال في المستشفيات الحكومية ومن المسؤول عنه؟ ويضيف : هناك غياب المتابعة وقلة الخدمات وازدياد المحسوبيات .
وتفتقر المستشفيات الحكومية في العراق الى الخدمات الطبية المتطورة والى المعدات الطبية الخاصة بغرف الانعاش والعمليات والتشخيص. وحتى قبل عام 2003 ، يقصد العراقيون الاطباء في الخارج للعلاج في مستشفياتها التخصصية.
وأحد الأسباب المهمة لتفضيل الكثير من المواطنين التطبب في الخارج ، هو هجرة أعداد كبيرة من الأطباء العراقيين الاختصاصيين طيلة السنوات السابقة ، إضافة الى عدم تجديد وتحديث وتطوير المستشفيات في العراق . وبالنسبة للأغنياء في العراق فانهم يفضلون منذ عقود التطبب في الخارج . وتخصص الحكومة العراقية، سنويا مخصصات لنفقات علاج مرضى الأمراض المستعصية في خارج العراق في دلالة على عدم توفر الإمكانية لعلاج مثل هذه الأمراض في الداخل.
وبحسب وزارة الصحة العراقية فان حوالى 5000 عراقي تحملت الدولة نفقات سفرهم للعلاج في الخارج، كلفة الفرد الواحد منهم نحو اربعة آلاف دولار كمعدل.وفي كل مدن العراق بلا استثناء ، يوجد سماسرة يتبعون الى شركات أهلية (طبية) لتنظيم رحلات علاج للمرضى ، وغالبا ما يلمح الفرد إعلانات علقت في الشوارع تقدم عروض العلاج في الهند ولبنان ولندن.
الأمراض المستعصية
كريم الجنابي يروي رحلته مع المرض بالقول ان الفحوصات في العراق ، أثبتت إصابته بالتهاب في الكبد ، وعلى رغم ان هذا العلاج يتوفر في العراق ، الا ان أطباء نصحوه بالسفر الى الهند أو إيران بغية العلاج الافضل .
و يتسائل الجنابي : يفقد الانسان ثقته بقدرات بلده الطبية والعلمية حين يسمع ان الطبيب نفسه ينصحه بالعلاج في الخارج . ويسافر أغلب مرضى السرطان للعلاج خارج العراق لاسيما الهند وايران وبدرجة اقل في الاردن .
وعلى رغم توفر العلاج الكيماوي في مستشفيات العراق الا انه المرضى يفضلونه في الخارج أيضا. ومن وجهة نظر سعد حسن الذي عولج من مرض اللوكيميا في الهند فان الجرعات التي تلقاها في الهند اقل بكثير مما لو بقي في العراق .
ومن الامراض التي يفضل اصحابها علاجها خارج العراق بعض أمراض العيون .علي حسن الذي اصيبت عينه بالتهاب حاد جراء خطأ طبي في مستشفى الحبوبي العام بمدينة الناصرية ( 375 كم جنوبي العاصمة بغداد) ، يفضل العلاج خارج العراق بعدما اثبتت الفحوصات والتقارير الطبية استحالة معالجته داخل البلاد .
وعلي واحد من عدة مرضى تسببت أخطاء طبية في مستشفى الناصرية في إصابتهم بالتهابات حادة تهددهم بالعمى . مريض آخر هو الطفل احمد حسين الذي اثبتت الفحوصات انه مصاب بسرطان في النخاع ، حيث خيره الأطباء في مستشفى الطفل العربي في بغداد بين البقاء داخل المستشفى للعلاج بالكيماوي وإما السفر الى الهند تحديدا حيث يمكن زرع نخاع جديد له .
ومن الأمراض الأخرى الشائعة العلاج خارج العراق مرض التلاسيميا (فقر الدم المزمن) ، وبسبب هذا المرض ، سافر الطفل رحمن عبد الى الاردن للعلاج ومازال يتردد الى عمان لإتمام علاجه .
الشيخ حساني علوان يتهيأ للسفرة الرابعة الى الهند ، لعلاج مرض السكر في عينيه ، حيث أجريت عملية جراحية له، والى الان لم تظهر بوادر النجاح لكنه يستمر على العلاج، على أمل ان يشفى تماما.
لماذا الهند؟
وتشير تجرية ليث حميد الذي سافر الى ايران لطلب الشفاء من مرض ( الكنكر ) في قدمه فان العلاج في المستشفيات الايرانية رخيص الثمن بسبب انخفاض قيمة العملة الايرانية مما يلقي اعباءا اقل على المريض العراقي. ويثني حميد على المستشفيات الخاصة بالهند ، حيث أثبتت تجارب المرضى العراقيين انها حققت نسب شفاء جيدة حتى في الأمراض المستعصية مثل بعض أنواع السرطانات .
من الأسباب التي جعلت من إيران والهند مقصدا لمرضى العراق بحسب متعهد السفر والتطبب في تلك البلدان كرم نويلي ، رخص الاسعار قياسا الى الدول المجاورة مثل الاردن وأوربا وتركيا .

يتحدث نويلي : أضف الى ذلك سهولة وسرعة الحصول على الفيزا ، كما ان اجراءات السفر الى الهند سهلة وتنسق من قبل متعهدين وإدلاء ، اذ يصل المريض بسهولة الى المستشفى المقصود ويحاط بالرعاية والخدمات ، اضافة الى توفر الادلاء والمترجمين .
ويحسب الطبيب نعمان قاسم فان حوالي ثمانية من اصل عشرة مرضى يفضلون السفر الى الهند او ايران للتطبب ، لكن عددا اقل يذهب فعليا الى هناك ، اما الباقي فيفضل البقاء في العراق لعدم امتلاكه المبالغ الكافية للعلاج . وتشير تجربة سعد حسن الذي يعمل في مكاتب السفر انه نظم في شهر واحد برنامج علاج لعشرة مرضى في مستشفى ماكس في نيودلهي .
ويخمن حسن ان المستشفى تستقبل حوالي مائة وخمسين مريضا كل شهر من العراق . وعلى مدى ستة اشهر انفق محمد امين المصاب بسرطان في الدم حوالي عشرين الف دولار كنفقات سفر وعلاج ، ومازال العلاج مستمرا . ويثني امين كثيرا على الخدمات وطرق العلاجات التي عايشها في الهند ، مؤكدا ان هذا ليس دعاية مجانية بل حقيقة يحب ان تقال .
ويشعر امين بالألم لان بلدا مثل العراق لا تتوفر فيه طرق العلاج والحكات الصحية التي صادفها في الهند, من ناحيته يؤكد الطبيب على صاحب ان توفر تقنيات العلاج واعادة تأهيل مستشفيات العراق هو الحل لتامين علاج محلي لمرضى فقدوا ثقتهم بالمؤسسات الطبية العراقية.