بات من الملح أن تتسلح الخارجية العراقية بخطاب ستراتيجي محكم تجاه ما يحصل في سوريا، خاصة وإن المعطيات تفيد بان الازمة هناك قد تطول، بل من منظور أكثر عمقا وموضوعية، إن سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي واقليمي، وعلى ارض الواقع شبه حرب أهلية، وإن الشرخ في بنية المجتمع السوري لن يندمل! لابد من خطاب جديد ايضا لما شاع ويُشاع عن مواقف عراقية رسمية باتجاه دعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد بالمال والسلاح والرجال، وهي المواقف التي لم تثبت حقا على مستوى البرهان، ولكنها تكشف بالفعل عن دور الاعلام في توجيه ورسم الواقع السياسي في هذه القضية وبشكل عميق ومؤثر. ليس هناك ما يؤيد ان العراق دعم النظام بعشرة بلايين دولار كما تدعي بعض الجهات، وليس هناك ما يؤيد بان الحكومة العراقية تسمح لمقاتلين عراقيين للتسلل الى سوريا دعما للنظام، ولا يوجد اي مؤشر بان الاجواء العراقية تحولت إلى ممر للسلاح الإيراني لسوريا، وما تثيره الصحافة الغربية هنا وهناك مجرد كلام لم يثبت، ولكن هذا لايعني أن النظام اتخذ سياسة ناجعة تجا ه ما يحدث في سوريا، هنا، بودي أن اطرح بعض نقاط رؤية سياسية في المجال ذاته.
لقد صرَّح رئيس الوزراء العراقي مرّة وبلغة قاطعة بان نظام بشار الاسد لن يسقط، وانه خبير بهذا النظام لانه عاش في سوريا مدة ليست قصيرة، وكان وزير الخارجية العراقي قد صرح قبيل انعقاد مؤتمرالقمة العربي في بغداد ما يفيد ذلك من على قناة الفضائية العربية من ان الوضع الاقليمي والعالمي لا يسمحان بسقوط نظام الاسد.
في بلد مثل العراق حيث تتجاذب على أرضه التوجهات الطائفية والقومية، وتحوَّل إلى ساحة صراع اقليمي حاد، لا ينبغي التورط بمثل هذه التصريحات،لِمَا تخلقه من بلبلة داخلية على أقل تقدير، ولِمَا قد تصطدم بواقع مغاير، الامر الذي يُحسَب فيما بعد على ضعف الدبلوماسية العراقية وعدم قدرتها على تشخيص الواقع،كان الاجدر هو الامتناع عن مثل هذه (التنبؤات)، وفي حال كما هو حال المعارضة السورية في الداخل والخارج، حيث تشكل خليطا غريب الاطوار، يجب على الدبلوماسية العراقية، بل الخارجية العراقية أن تميِّز بشكل جيد بين مكونات هذ ا الخليط كي تنأى عن وصفه جملة وتفصيلا بلغة واحدة متشددة، كان يكون التكفير والارهاب والارتباط بالخارج وما شابه ذلك، فمثل هذه الخبطة أضرت بسمعة العراق، وتقضي على أي بادرة أمل أن يكون هناك تفاهم أو شبه تفاهم بين العراق من جهة وبين قوى فاعلة في المعارضة السورية في الداخل والخارج ذات صدقية وطنية، أو على أقل تقدير لها الحق بتغيير النظام لِما تسببه من ظلم واضطهاد، ولما يتصف به من (اقلوية) واضحة كل الوضوح.
إن هذا الموقف أو هذه المواقف قللت من قيمة الطرح العراقي في خصوص القضية السورية والذي يتسم بشيء من الحيادية، ففيما كان العراق يرفض أي تدخل خارجي لحل المشكل السوري، ويدعو إلى حوار بين الحكومة والمعارضة بشتى فصائلها، كانت تلك التصريحات بمثابة بسمار بنعش هذا الموقف الجيد نسبيا، وبالتالي، كان هناك تصدع بوحدة الموقف، وهو مضر بالنهاية بلا شك.
هل من بديل أكثر معقولية؟
1: عدم التورط باي لغة (تنبؤية) عراقية رسمية لما سوف يحدث في سوريا على صعيد مستقبل النظام، بقاء اوسقوطا.
2: التمييز بين مكونات المعارضة السورية بدقة، وعدم اطلاق التسمية الكليانية الشاملة على جسم المعارضة .
3: التوكيد بان هناك في جسم المعارضة السورية ما يثبت صدقيتها، وعدم التفريط باي رغبة للتواصل مع هذا اللون من المعارضة للتفاهم والحوار.
4: إدانة العنف والعنف المضاد ولكن مع التركيز الشديد على الطرف الرسمي لانه يملك القوة الاكثر شراسة، ولأنه اوغل بالعنف، حتى بات يستخدم سياسة الارض المحروقة،ممَّا تسبب في خراب مذهل في الكثير من المدن والاحياء السورية.
5: دعم جهود المبعوث الدولي / العربي لحل المشكلة، واقول هنا جهود وليس خطة لانه لم يعلن عن خطته بعد.
6: ترجيح مبدأ انتقال السلطة سلميا، ودعوة النظام الى تفهم هذا الحق من خلال إجراءات واقعية مقنعة.
7: الإيعاز الى الاعلام العراقي الرسمي بضرورة الموازنة الدقيقة بين أخبار النظام والمعارضة وعدم التورط بنقل الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وضرورة اختيار الكلمات اوالمفردات التي تصف المعاراضة وتحدد ملامحها بشكل حيادي مريح.
8: أدانة كل تصرف طائفي خاصة مبدا القتل على الهوية، والتحذير من مغبة حرب سنية شيعية في المنطقة جراء تلك التصرفات الطائشة.
9: بما أن البرلمان منقسم حول الموقف العراقي المطلوب تجاه الازمة السورية فمن المعقول أن يمتنع الاعلا م الرسمي من عرض هذه التوجهات المتضاربة لانها كثيرا ما تتسبب في تأجيج الاوضاع في سوريا وبالعراق حتما، اللهم إلا اذا كانت هذه التصريحات المتقابلة مجرد أراء وبعيدة عن الاثارات والاتهامات والتجريح.
10: دعم وبلا حدود كل الجهود العالمية لمد المساعدات الانسانية الى الشعب السوري بصرف النظر عن موقف النظام السوري.
11: تكفل الرد العلمي على اي موقف تشكيكي تجاه سياسة العراق في معالجة ومقاربة الازمة السورية.
12: الإصرار على أنَّ القضية السورية هي وطنية بالدرجة الاولى، ثم عربية بالدرجة الثانية، ثم اقليمية بالدرجة الثالثة.
13: التوكيد العلمي على محتملات انعكاس تعقد الاوضاع في سوريا على دول الجوار، الانعكاس السلبي وهو واقع لا لبس فيه، والتحذير من مضاعفات هذه الحالة على كل العالم العربي والاسلامي.
14: ضرورة الإشارة الى أن الاعلام العربي والاسلامي الرسمي ينبغي أن لا يشحن الأزمة السورية بمزيد من الحرج والاحتقان والاقتتال من خلال إعطاء صبغة طائفية لما يحدث هناك باي شكل من الاشكال.
وفيما انهي هذه المقترحات اراني مضطرا أن اؤكد ان الموضوع حول خطاب السياسة الخارجية العراقية فيما يخص الازمة السورية وليس الكلام عن الخطة الاستراتيجية في هذا الموضوع، وهناك فرق كبير بين الموضوعين.