أكد مصمم ألعاب الكمبيوتر كريستوفر جارفيس، أن الحافز وراء تصميم لعبة تعالج قضية الأخبار الكاذبة رغبته المستمرة في استعادة النشاط كل مرة يترك فيها منزله في مدينة نيويورك.

جاء ذلك خلال مشاركته في معرض الترفيه الإلكتروني 2017 Electronic Entertainment Expo، للألعاب الإلكترونية والمعروف اختصارا باسم "إي 3"، والذي يقام سنويا في مدينة لوس أنجليس الأمريكية.

وقال مازحا "أعيش في برج ترامب. هذه الطريقة الوحيدة التي تمكنني من القبول بهذه الأخبار"، وأضاف بجدية "لكنني سأغادره قريبا".

وتطغى السياسية على الأفكار الجديدة للألعاب الإلكترونية البسيطة قليلة التكلفة التي يصممها مصممون مستقلون عن شركات صناعة الألعاب الكبرى.

وفي الركن الخاص بألعاب المصممين المستقلين في المعرض، تحل تلك الألعاب البسيطة محل الألعاب ذات الميزانية الضخمة التي تتجاوز ملايين الدولارات.

تفنيد الأخبار الوهمية

لعبة جارفيس، بوليتيتروث Polititruth، توصف بأنها مساعدة في فك لغز الأخبار الوهمية.

كما تطرح أسئلة للإجابة عنها، مثل "إذا كنت تعتقد أن عبارة مثل "الملايين سوف تفقد التأمين الصحي" هي خبر وهمي، اسحب إلى اليسار، أما إذا كنت تعتقد أنها صحيحة، فاسحب إلى اليمين.

وفي النهاية فإن القرار الخاص باعتبار الأخبار صحيحة أو كاذبة يعود لمنظمة بوليتي فاكت Politifact، وهي منظمة مختصة بفحص الحقائق وفائزة بجائزة بوليتزر في الصحافة.

ويأمل في نهاية المطاف أن يتم دمج الفكرة في موقع فيسبوك مباشرة لمساعدة الناس على تمييز الحقيقة المؤكدة من المزيفة.

وتقول ستيفاني باريش، الرئيس التنفيذي لشركة انديكيد، المتخصصة في الترويج لمطوري الألعاب المستقلين "نرى في ألعاب هذا العام طابعا اجتماعيا سياسيا".

وتوضح "كان من المدهش أن ندرك كيف يحاول المطورون المفكرون والسياسيون والجادون تنفيذ ألعابهم الشخصية".

وتضيف أنهم يستخدمون إمكانيات متوسطة لصناعة الألعاب، مثلما يستخدم الرسام الفرشاة للتعبير عن أفكاره وشعوره تجاه المناخ السياسي الحالي.

وقالت "هناك اتجاه عام لمقاومة الشعور بالقهر والطغيان".

قطة محجبة

ودعمت شركة انديكيد، في مارس/آذار الماضي، فاعلية للرد على "تزايد الأفكار الفاشية" في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

وقدم المشاركون، على مدار سبعة أيام، عددا من الألعاب البسيطة لكنها كانت معبرة عما بداخلهم من انفعالات.

العديد من تلك الأعمال تعرض في إي 3، بما فيها لعبة قطة ترتدي الحجاب The Cat in a Hijab.

ويقوم اللاعب بالتحكم في قطة ترتدي حجابا وتستقل قطار مترو أنفاق، لتواجه وابلا من التعليقات بعضها عدواني وبعضها ساذج ويترك للاعب حرية اختيار كيفية التعامل مع الموقف والرد على التعليق.

وفي أحد التعليقات المستفزة باللعبة "رئيسنا (ترامب) سوف يطردك ويعيدك إلى بلدك"، وفي تعليق آخر "(ترامب) سوف يعيد بلدنا عظيما مرة أخرى".

وعلى مائدة أخرى يعرض المصصم غونزالو ألفاريز، لعبته الحدود Borders والتي رغم بساطتها، فإنها صعبة جدا، وتعتمد على التحكم في رجل يحاول الهروب وعبور الحدود من المكسيك إلى الولايات المتحدة.

ويوضح ألفاريز أنه استلهمها من والده الذي "عبر الحدود من المكسيك عندما كان عمره 17 عاما".

ويقول "الكثير من القصص في اللعبة. السيطرة على الحدود وطائرة مروحية تظهر في اللعبة أيضا".

وبالتجول في خريطة اللعبة، متجنبا حرس الحدود، سوف تجد "بقايا عظام" لاعبين آخرين حاولوا عبور الحدود في اللعبة.

ويقول مطور اللعبة عن تلك الأشياء التي وضعها إن والده رأى هيكلا عظميا بشريا أثناء رحلته لعبور الحدود.

ويؤكد ألفاريز على أنه يريد إظهار صعوبة عبور الحدود بصورة غير شرعية وليس تشجيع المكسيكيين على عمل هذا.

ويضيف "انظر إلى عدد الذين فقدوا حياتهم.. إن بناء جدار أكبر (على الحدود) ليس الرد المناسب على ما يحدث هنا"، في إشارة إلى سعى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك للحد من الهجرة غير الشرعية.

ولكن التحدي الذي يواجه تطبيق، مثل فضح الأخبار الكاذبة لجارفيس، وجميع الألعاب في المعرض هو في الحصول على السند لتقديمه إلى الناس الذين يطلبون رؤيته.

وتقول باريش، مدير شركة إنديكيد لرعاية مطوري الألعاب "ربما تكون عملية بطيئة".

وتوضح "لا أعتقد أن الملايين من الناس سوف يغيرون أفكارهم بعد ممارسة هذه الألعاب، لكنني أعتقد أنها تقوي مكانة مجموعة من مبدعي الالعاب، وأعتقد بوجود إمكانيات هائلة هناك".

ففي لعبة الحدود قدم ألفاريز فكرته مباشرة إلى جمهوره المستهدف. وأنشأ كشك ألعاب ووضعه في معرض في بورت آرثر بولاية تكساس، وكانت الانتخابات الرئاسية ساخنة في المنطقة، وتقدم الرئيس ترامب على منافسته هيلاري كلينتون بنسبة 0.5 في المائة فقط.

ووضع هذه اللعبة في مكان تقصده مجموعة من الناس ربما يكونوا من المحافظين، "ربما يكون هدفا تسويقيا جيدا".

والمعروف أن المحافظين انتخبوا ترامب، والذي يدعو إلى منع الهجرة.

وتقول باريش إن توفير الألعاب في مكان عام، وعدم الحاجة إلى استخدام جهاز كمبيوتر لشخص ما، يساعد في الاقبال عليها وممارستها.

الانقسام السياسي

لكن في مدينة منقسمة سياسيا لا يرحب الجميع بمفهوم لعبة ألفاريز عن الهجرة.

ويقول ألفاريز : "أراد الناس مني تطوير لعبة تمنحهم السيطرة على الجانب الآخر، وأرادوا إطلاق النار على الأخرين في اللعبة".

"بالنسبة لي هذه فكرة مثيرة للاشمئزاز. وقالوا إنهم يريدون مني العودة إلى المكسيك."

"قد تكون لديهم مشكلة مع ذلك لكنني من نيويورك".

هل الألعاب الداعمة لترامب أكثر متعة؟

يوجد الكثير من الألعاب الداعمة للرئيس ترامب، رغم عدم عرضها في إي 3.

فهناك لعبة (جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى: رئاسة ترامب)، وهي "محاكاة" للأنشطة اليومية العادية للرئيس (باستثناء لعب الغولف).

في اللعبة يستقل الرئيس ترامب طائرة مروحية ويجوب أنحاء العالم، ويتحكم اللاعب في طائرة الرئيس ويتخذ قرارات منها حفر آبار للنفط، وتركيب خط أنابيب داكوتا المثيرة للجدل، أو "ضرب تنظيم الدولة الإسلامية".

في الجزء العلوي من الشاشة، يظهر شريط انخفاض الدين الوطني، ولكن أيضا العالم يزداد "غضبا" من الولايات المتحدة. وبينما الغضب قائم يظهر شريط آخر مكتوب عليه "أنتم في الطريق إلى حرب عالمية ثالثة".

ورغم أن هذه اللعبة مصممة للتعامل معها كلعبة للمتعة والترفية، ولكن بالنسبة لمفهوم الألعاب لا يمكن إنكار أنها أكثر متعة من الألعاب الأخرى الموجودة هنا.

ويقول ألفاريز :"هذا هو التحدي الكبير في تطوير ألعاب تقدم أيضا رسالة هامة".

ويوضح أنه لم يكن يريد تقديم النصائح والوعظ، فهو أمر ليس ممتعا والمعروف ان الأولوية القصوى هي جعل الأشياء ممتعة.

تجنب المخاطر

من الإنصاف القول إن ناشري الألعاب الرئيسية يتجنبون الرسائل السياسية المثيرة للجدل. ففي مثل هذه الصناعة جعل سيدة شخصية رئيسية قد يكون مثار جدل، لأن مقاطعة شراء اللعبة قد تكون مكلفة.

وعن هذا توضح باريش :"هناك الكثير من الأمور التي تتعلق بتنوع الأشخاص الذين يقومون على هذه الألعاب". "وكما ترى فإن هؤلاء الناس يتجنبون المخاطر."

وهناك علامات على إمكانية تغير هذا، ومع ذلك فإن أحدث نسخة من لعبة فار كراي Far Cry دخلت إلى منطقة سياسية، مع قصة بلدة يحتلها متعصبون دينيون.

وقال أحد مسؤولي اللعبة لراديو 1 نيوزبيت إن صناعة الألعاب يجب أن تكون "ناضجة" وتتناول مثل هذه الموضوعات.

وحتى الآن، تعد لعبة فار كراي حالة منفصلة، ولكن باريش تعتقد أن ما بدأ يظهر في ألعاب المصممين المستقلين سيصل في نهاية المطاف إلى الصناعة الأوسع.

وقالت "في نهاية المطاف نحن مجرد بداية، لكن لدينا قناعة أن هذه الألعاب السياسية الصغيرة ستحدث تأثيرا".