رغم أمل اعتراهم أخيرًا، بعد دعم قوات التحالف إياهم ميدانيًا، إلا أن تعزيزات "داعش" العسكرية المتواصلة تقلق أهل مدينة كوباني، خصوصًا أن الدولة الإسلامية تسيطر على نصف عين العرب، ويحلم اللاجئون منهم إلى الطرف المقابل من الحدود في تركيا بالعودة إلى ديارهم التي تركوها وفرّوا منها بلا شيء عندما علموا أن داعش على الأبواب.


بيروت: استقدم تنظيم الدولة الاسلامية تعزيزات جديدة الى مدينة عين العرب (كوباني بالكردية) السورية، وشن السبت هجومًا جديدًا، رغم غارات الائتلاف الدولي. ويحشد الجهاديون قسمًا كبيرًا من جهودهم لمهاجمة المدينة، التي سيتيح الاستيلاء عليها، السيطرة على شريط طويل من الاراضي على الحدود بين سوريا وتركيا.

وكان المرصد السوري لحقوق الانسان اكد أن "تنظيم الدولة الاسلامية استقدم تعزيزات عسكرية بالمقاتلين والسلاح والعتاد من المناطق التي يسيطر عليها في ريفي حلب والرقة" الى عين العرب. واطلق الجهاديون قذائف هاون عدة على المركز الحدودي مع تركيا، بحسب صحافية في وكالة فرانس برس على الحدود التركية.

واشار المرصد، الذي يستند الى شبكة واسعة من الناشطين والشهود في مختلف انحاء سوريا، الى أن 28 قذيفة هاون استهدفت الجمعة منطقة المركز الحدودي في شمال كوباني.
واكد المسؤول الكردي المحلي ادريس نعسان الموجود حاليًا في تركيا لوكالة فرانس برس أن التنظيم "استهدف المركز الحدودي والمباني المحيطة". اضاف أن التنظيم شن&"ليلاً هجومًا عنيفًا من شرق كوباني للوصول الى المعبر الحدودي، الا أن وحدات حماية الشعب ردت بقوة وصدته".

نصف سيطرة
واشار نعسان ايضًا الى خمس غارات جوية شنها الائتلاف الدولي ليل الجمعة السبت في شرق وغرب وجنوب كوباني لدعم المقاتلين الاكراد. واورد المرصد أن 35 جهاديًا قتلوا في معارك وغارات الجمعة، بينما قتل ثلاثة مقاتلين اكراد في المواجهات. وتشهد كوباني منذ شهر هجوماً واسعاً يشنه الجهاديون، الذين اقتحموا المدينة في السادس من تشرين الاول/اكتوبر، الا أنهم لا يسيطرون سوى على نصفها، بحسب المرصد.

ويشن التنظيم معارك على جبهات اخرى خصوصًا في دير الزور (شرق) وقرب حلب ضد القوات النظامية، وايضًا ضد الاكراد في الحسكة (شمال شرق) حيث يشن الائتلاف غارات جوية. وليل الجمعة السبت ادت الغارات الى مقتل سبعة مدنيين في دير الزور وثلاثة في جنوب محافظة الحسكة. ومنذ اواخر ايلول/سبتمبر، شن الائتلاف الدولي اكثر من مئة غارة في منطقة كوباني وحدها.

وصرح الجنرال لويد اوستن قائد القيادة العسكرية الاميركية المكلفة الاشراف على الغارات الجوية في العراق وسوريا "اعتقد أن ما قمنا به هناك في الايام الاخيرة مشجع. لقد رأينا الاكراد يقاتلون، ويستعيدون السيطرة على اراضٍ، واعتقد اننا تمكنّا من مساعدتهم، من خلال شن غارات جوية محددة الاهداف في الايام الاخيرة". الا أنه اقر أن المدينة التي لا يزال مئات المدنيين عالقين فيها لا تزال معرّضة للسقوط في ايدي الجهاديين.

الأولوية للعراق
ورغم الاهمية التي اكتسبتها كوباني في الاسابيع الاخيرة، الا أن الجنرال اوستن ذكر بأن العراق "هو الاولوية بالنسبة الى الولايات المتحدة". وحض مجلس الامن الدولي الاسرة الدولية على تعزيز دعمها للحكومة العراقية وقواتها. وشنت القوات العراقية بدعم جوي من الائتلاف الدولي هجمات عدة الجمعة في منطقة تكريت التي يسيطر عليها الجهاديون منذ اربعة اشهر، وعلى ثلاثة قطاعات في الرمادي، التي يسيطرون على قسم منها.

واذا كانت الولايات المتحدة استبعدت ارسال قوات برية، الا انها تسعى الى دعم الجيش العراقي والمقاتلين الاكراد في العراق والمقاتلين الاكراد في سوريا. والتقى وفد اميركي في 12 تشرين الاول/اكتوبر وفدًا من حزب الاتحاد الديموقراطي، ابرز الاحزاب السياسية الكردية في سوريا، بحسب بيان صدر من المتحدث باسم الحزب. ولا تؤيد تركيا التي لا تزال ترفض التدخل في سوريا رغم النداءات الملحّة لحلفائها، مثل هذا اللقاء. اذ تخشى انقرة أن ينعكس دعم الاكراد في سوريا على مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذين يشنون تمردًا مسلحًا على اراضيها منذ 1984.

بريق أمل
ورغم أنه لم يحن وقت الاحتفال، لكن المزاج العام تبدل. فمنذ ايام أعادت المقاومة الشرسة للمدافعين الاكراد عن مدينة كوباني (عين العرب) في مواجهة الجهاديين بعض الامل الى سكانها اللاجئين في الطرف المقابل من الحدود في تركيا. "لم نحرز النصر، بالطبع، لكننا نتقدم خطوة خطوة". وقبل اسبوع لم تكن فايزة عبدي، تتأمل الخير حول مصير المدينة الكردية الثالثة في سوريا. لكن النائبة في المجلس التشريعي لكوباني، التي استقرت منذ 15 يومًا في مدينة سروج التركية الحدودية، تقر اليوم بأنها اكثر ارتياحًا.

"لا سيما في الايام الاخيرة" بحسبها. "لقد صدت وحدات الدفاع عن الشعب (الميليشيا الكردية السورية الرئيسة) هجمات داعش (تسمية أخرى لتنظيم الدولة الاسلامية) شرق المدينة، واستعادوا مناطق عدة منهم".

بالطبع لم يفك الجهاديون الحصار عن كوباني. واعلن المرصد السوري لحقوق الانسان انهم ما زالوا يسيطرون على الكثير من احياء المدينة، التي كانت تضم مع ضواحيها حوالى 300 الف نسمة، بحسب التقديرات قبل المعارك ومغادرة المدنيين. ونظرًا الى الجنازات التي تتوالى في الجهة التركية، يبدو أن الجهاديين يكبدون المقاتلين الاكراد خسائر كبرى.

المنازل متاريس
وافاد رئيس مقاطعة كوباني، الذي بقي في المدينة أنور مسلم، في اتصال هاتفي، "دمّر التحالف الكثير من الآليات وقطع المدفعية التابعة لتنظيم الدولة الاسلامية". واضاف "لقد خبأوا سياراتهم الرباعية الدفع المصفحة من طراز هامر ومدافعهم ودباباتهم بين المنازل لتجنيبها الغارات". وعلى التلال المشرفة على المدينة من الجهة التركية تلقى كل قذيفة ملقاة من السماء هتافات الترحيب من عشرات اللاجئين الاكراد، الذين يشاهدون المعارك مباشرة، حيث استعان الافضل تجهيزًا بينهم بمنظار.

واكد سروان علي "هذه الضربات انقذت كوباني"، مضيفًا "بحسب المعلومات الوافدة من مدينتنا تحسن الوضع كثيرًا". منذ اكثر من اسبوع يمضي هذا الطبيب البالغ 30 عامًا الحيز الاكبر من وقته في المركز الثقافي لسروج، الذي حول الى مستشفى ميداني. هناك يعالج اللاجئون الكثر من مدينته، بعد فرارهم من المعارك الى تركيا بشكل عاجل لدى اقارب أو مخيمات أو مساكن عشوائية.

نحلم بالعودة
ومع المقاومة غير المتوقعة للميليشيا الكردية، بدأ الطبيب يحلم بصوت عالٍ، بنصر يمكنه من العودة الى دياره. وقال الطبيب الذي درس في روسيا "إن فزنا بالحرب، وآمل ذلك من كل قلبي، فلن أضيّع أي دقيقة وسأعود فورًا إلى كوباني بالرغم من الدمار. انها بلادي، فيها ولدت ونشأت". يشاطره هذه الرغبة مجمل السوريين الذين عبروا الحدود. فقد بدأت اولى امطار الموسم تهطل في سروج ومنطقتها، ما يضاعف سوء ظروف ايوائهم.

واوضحت زايدة اسماعيل، التي تبلع 40 عاماً، "هربنا من المدينة بالملابس التي نرتديها فحسب. غادرنا منازلنا، وتركنا طعامنا على الطاولة، ما ان قيل لنا انهم يقتربون". جالسة القرفصاء امام خيمة تقيم فيها مع عائلة اخرى، اخذت اسماعيل نفسًا من سيجارتها بتوتر، وهي لا تفكر الا بشيء واحد. العودة الى ديارها سريعًا.

واكدت "لا اريد حتى أن افكر بما كان سيحدث لنا وعائلاتنا واولادنا وشرفنا، من دون تمكننا من الوصول الى تركيا". وتابعت: "لكننا هنا بؤساء، فيما في مدينتنا كان كل شيء جاهزاً للشتاء".
&