أوقفت إدارة أوباما مساهمتها السنوية في تمويل عمل هيئة العدالة والمحاسبة الدولية لتوثيق جرائم النظام السوري، بينما تزيد الدعم لمشروع مماثل يوثّق جرائم داعش.

إعداد عبد الاله مجيد: قرّرت وزارة الخارجية الأميركية انهاء مساهمتها، البالغة 500 الف دولار سنويًا، في تمويل عمل هيئة العدالة والمحاسبة الدولية لتوثيق جرائم النظام السوري، من خلال دخول قواعد عسكرية مهجورة والتسلل إلى السجون ومؤسسات الدولة من دون علم النظام، لجمع أدلة تدين رئيس النظام السوري بشار الأسد وأركان حكمه، بارتكاب جرائم حرب وفظائع اخرى، منذ اندلاع الانتفاضة في العام 2011، كما افاد مسؤولون في الهيئة، وأكده مسؤول رفيع في الادارة الأميركية.

تقاطع مصالح

يأتي القرار، الذي لم يُعلن عنه، في وقت تزيد ادارة الرئيس الأميركي باراك اوباما تمويلها لمشروع مماثل، هدفه جمع أدلة على جرائم تنظيم& "داعش" في العراق.

وأثار الموقف الأميركي قلقًا في اوساط المدافعين عن حقوق الانسان من أن الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة تتراجع عن التزامها بمحاسبة رئيس النظام السوري، بسبب التقاء مصالحه ومصالح واشنطن في المعركة ضد داعش، كما قالت مجلة فورين بولسي، مشيرة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية قدمت حتى الآن مليون دولار لهيئة العدالة والمحاسبة الدولية، التي تضم محققين دوليين يرسلون باحثين محليين ومحامين وطلابًا يدرسون القانون إلى مناطق يستطيعون فيها جمع واستخراج ملفات وأدلة، تساعد في توثيق اوامر وتوجيهات تجيز استخدام اساليب واسلحة محظورة، مثل البراميل المتفجرة وتجويع المدن المحاصرة وارتكاب جرائم قتل جماعي، رفعت حصيلة ضحايا النزاع إلى أكثر من 190 الف قتيل منذ آذار (مارس) 2011.

لا دعم

ونقلت مجلة فورين بولسي عن نيرما جيلاسيك، المتحدثة باسم هيئة العدالة والمحاسبة الدولية، قولها إن الهيئة بعد مفاوضات مكثفة أُبلغت أخيرًا بأنها لن تتلقى بعد الآن دعمًا ماليًا من مكتب الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل التابع لوزارة الخارجية، من اجل مواصلة نشاطها في العام 2015.

واضافت أن الهيئة أُبلغت بأن التحقيقات الجنائية ليست من اولويات برنامج المكتب في العام 2015، مؤكدة أن أنشطة الهيئة في جمع الوثائق وتحليلها سيتوقف، وذلك يعني حرمانها من أدلة اساسية لبناء ملف دعوى جنائية في العام المقبل.

واشارت جيلاسيك إلى أن السفير الأميركي المتجول لشؤون جرائم الحرب ستيفن راب لم يؤيد قرار وزارة الخارجية وقف التمويل، قائلة إن راب وفريقه كانوا يدعمون عمل هيئة العدالة والمحاسبة الدولية، لكنهم لا يتحكمون بالتمويل.

لا تحتاج إليه

أوضحت جيلاسيك أن عمل هيئة العدالة والمحاسبة الدولية يتميز عن عمل المنظمات الحقوقية الأخرى المعنية بالحرب الأهلية السورية، "فالهيئة هي المنظمة الوحيدة التي تجمع ملفات جاهزة لوضعها أمام المحققين وممثلي الادعاء العام، مع أدلة تشير إلى المسؤولة الجنائية لأركان النظام وافراد يتولون مناصب حساسة فيه".

راب أكد أن وزارة الخارجية الأميركية أوقفت مساهمتها المالية في هذا العمل، لكنه أضاف: "هيئة العدالة والمحاسبة التي تتلقى دعمًا ماليًا يبلغ نحو 5 ملايين دولار سنويًا من بريطانيا والدنمارك والمانيا والنرويج وسويسرا أثبتت قدرتها على جمع ما يكفي من التمويل دون الحاجة إلى الدعم الأميركي".

في هذه الأثناء، اعلنت وزارة الخارجية الأميركية تخصيص 1.6 مليون دولار من التمويل الجديد لتوثيق جرائم داعش.

صمت يصمّ الآذان

وقال ريتشارد ديكر، الخبير بالعدالة الجنائية الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان: "ظهور داعش في العراق دفع الحكومة الأميركية إلى التقليل من أهمية المحاسبة على أخطر الجرائم المرتكبة في سوريا خلال ما يقرب من اربع سنوات".

ونقلت مجلة فورين بولسي عن ديكر قوله: "الصمت الأخير من جانب أعلى المستويات في ادارة اوباما بشأن انهاء الافلات من العقاب على هذه الجرائم التي ارتكبها حكم الأسد ومسلحون مختلفون، صمت يصم الآذان".

وكانت ادارة اوباما اتخذت قبل أكثر من عامين مبادرة هدفها ضمان تقديم اركان النظام السوري إلى المحاكمة ذات يوم على ما ارتكبوه من جرائم. وفي 1 نيسان (ابريل) 2012 اقترحت وزيرة الخارجية وقتذاك هيلاري كلينتون استحداث هيئة محاسبة لدعم مواطنين سوريين وتدريبهم على توثيق الجرائم وتحديد هوية مرتكبيها وحفظ الأدلة لاستخدامها في التحقيقات والملاحقات القضائية.

3.7 ملايين دولار

وبعد اشهر على تلك المبادرة، اعلنت وزارة الخارجية الأميركية دعمها لفتح مركز العدالة والمحاسبة السوري بتقديم 1,25 مليون دولار كتمويل أولي. وتلقى المركز، ومقره في لاهاي، تبرعات بلغت اجمالا 3.7 ملايين دولار لتمويل نشاطه في تدعيم العدالة الانتقالية والمحاسبة.

وقال مدير المركز محمد العبد الله إن هيئة العدالة والمحاسبة الدولية قوة رئيسة في المجهود الرامي إلى ملاحقة اركان النظام السوري، "وجمعت عددًا هائلا من الوثائق وهي هيئة بالغة الأهمية".

واكد العبد الله أن مركزه ما زال يتلقى المستوى نفسه من الدعم الذي تلقاه في السنوات السابقة، لكنه لاحظ أن هناك تركيزا متزايدا على داعش، "لأن مواجهة التنظيم أولوية سياسية للحكومات التي تريد أن تُري ناخبيها انها تفعل كل ما بوسعها لاحتواء المتطرفين".