يحضر الجانب الاقتصادي بقوة في قمة الدوحة الخليجية التي انطلقت اليوم، ولعل أكثر ما يثير الاهتمام في هذا الجانب هو تذبذب أسعار النفط، وارتباط ذلك بالحضور السياسي لدول المجلس، التي أنهت مؤخراً خلافاتها وبدت أنها تفتح صفحة جديدة في علاقاتها.&

الرياض: بعيدا عن كل ما حمل العام 2014 من منعطفات أو اختلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كان انخفاض أسعار النفط و وصولها إلى حدود 70 دولارا للبرميل الواحد، مثار جدل ونقاش دائمين بين أورقة البيت الخليجي، ولاسيما ان تراجع الأسعار قد يؤثر&في الميزانيات الضخمة التي اعتمدتها هذه الدول لمتابعة برامج التنمية، فضلا عن الفاتورة الباهظة التي تتكفل بها منظومة مجلس التعاون لاستمرارية حضورها في المنطقة.

وكانت تركيا و إيران، ودول الخليج العربي بزعامة السعودية، قد مثلت الأطراف الثلاثة الحاضرة في جميع حركات التغيير السياسي التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، فيما &برزت دول الخليج في السياسات الإقليمية اليوم كما لم تبرز من &قبل، ابتداء بمصر و العراق &ومرورا بسوريا و فلسطين وصولا إلى لبنان وليبيا، و انتهاء بالبحرين واليمن، حيث كان الدعم المادي آيا كان مفهومه هو المحرك الأساسي في اغلب تلك القضايا.

وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، يعقد مجلس التعاون الخليجي قمته السنوية الخامسة والثلاثين (35)، مسجلا عددا من الأهداف المشتركة من أبرزها توصله إلى اتفاق مصالحة أنقذه من التفكك، واقترابه من تحقيق سوق اقتصادية مشتركة متكاملة ، فيما يبقى تذبذب أسعار النفط إحدى القضايا المحورية التي قد تؤثر في صورة هذه المنظومة المستقّرة &سياسيا والنافذة عربيا وإقليميا ودوليا.

الاقتصاد قاطرة تجرها السياسة

الأكاديمي الدكتور محمود الشهري، أوضح أن منظومة دول الخليج العربي مثلت على مدى سنوات الشريك العربي الأبرز في المنطقة ، ولذا فهي لم تقرر الانكفاء بل عملت على استمرارية حضورها في المشرق العربي بالطرق الدبلوماسية لحماية نفسها وأشقائها.

وأشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن استقرار مصر واليمن و سوريا &وغيرها من الدول هو صمام أمان لدول الخليج، وبالتالي الدعم المقدم لتلك الدول لم يكن من باب الشراء السياسي، وإنما من حرص دول الخليج على الوقوف مع الدول الشقيقة لضمان استقرارها &وأمنها ووحدتها وتجنيبها التدهور الأمني والانقسام السياسي.

كما أكد الشهري، أن الاقتصاد قاطرة تجرها السياسة، &وأي تصور يستند إلى غير ذلك فهو طموح أقرب إلى السذاجة بمعطيات الواقع أيا كان المفهوم، لان الوصول إلى علاقة تكاملية بين منظومة الخليج والدول الشقيقة، يقوم على أساس التعاون المشترك في جميع المجالات.

أما في ما يتعلق بتأثيرات العامل الاقتصادي وانخفاض النفط على النفوذ السياسي لدول الخليج فقال الشهري إن دول الخليج تعتبر مركز النفوذ الاقتصادي والسياسي الأبرز في العالم العربي ، ودورها السياسي لن يتأثر بين ليلة وضحاها، &لاسيما انه يمكنها التعويض بالاعتماد على الاحتياطات المالية التي تراكمت خلال طفرة ارتفاع الأسعار والتي ستكون &كافية لسنوات، بحسب الشهري.

يذكر انه رغم انخفاض الأسعار، إلا أن السعودية والإمارات والكويت وقطر دفعت باتجاه إبقاء مستويات الإنتاج على حالها في ( أوبك) فيما ارتفعت صيحات المطالبين خارج منظومة دول الخليج بخفض الإنتاج للحفاظ على تماسك الأسعار، هذا وتنتج دول الخليج الأربع 16,2 مليون برميل يوميا، ما يمثل 52% من إنتاج أوبك التي تضم 12 عضوا وهو ما يمثل ثلثي صادرات المجموعة.

&وتوقعت دراسات اقتصادية أن السلوك الخليجي ينطوي على قرار سياسي هدفه الضغط على روسيا وإيران بهدف تغيير مواقفهما السياسية إزاء الأزمات في سوريا والعراق ، فيما قالت تحليلات أخرى إن السلوك الخليجي هدفه الضغط على منتجي النفط الصخري، وإخراجهم من المعادلة، لان تكاليف استخراجه عالية، &ومع هذا التوقف سيقل العرض وترتفع الأسعار مجددا.

الاقتصاد والملفات الإقليمية

من جهته ، قال الصحافي ياسر باعامر، إن &السياسات الخارجية للدول تتداخل دائما بالمعايير الاقتصادية، لاسيما في مجال النفط، فالدول الصناعية ظلت تتقارب مع مزوديها، وصرفت النظر عن الاختلافات الأيدولوجية.

وأشار في حديثه لـ "ايلاف" إلى إن دول الخليج &ليست استثناء من هذه القاعدة، و من دون اقتصاد قوي لن تستطيع دول الخليج أن تلعب دورا إقليميا ودوليا.

كما اتفق باعامر مع الشهري بأن دول الخليج ستكون &قادرة على تحمل تداعيات تراجع الأسعار بسبب التحوطات المالية الضخمة، لاسيما أن الأسعار الحالية لا تزال تغطي السعر الذي تم تحديده في موازنتها العامة.

وأوضح باعامر، أن قضية انخفاض أسعار البترول ، لا بد أن تكون حافزا للدول الخليجية، لإعادة النظر في مخزونها النفطي من خلال فتح مصادر موارد جديدة، أو على الأقل تصنيع البترول داخليا ومن ثم تصديره بدلا من &تصديره كمادة خام.

وأكد أن دول الخليج لديها القدرة الكاملة &للقيام بذلك، وهذا من شأنه أن يمكن الخليج من تقليل الاعتماد على أسعار البترول في موازناتهم، فضلا عن فتح قنوات جديدة في الصناعات التي ستدعم القطاع الخاص الخليجي ليصبح شريكاً فاعلاً في التنمية في كل اتجاهاتها.

تجدر الإشارة إلى أن منظومة دول الخليج العربي التي استثمرت الملايين في المساعدات الإنسانية والدعم المالي والقروض التي قدمتها خلال عقود، تعتبر حليفاً استراتيجيا لمعظم الدول العربية ، حيث أدت دول الخليج &بقيادة المملكة العربية السعودية دوراً مركزياً في العديد من القضايا العربية، فيما تتابع الكثير من العواصم العربية عن كثب قضية انخفاض أسعار النفط ومدى تأثيراته على الدعم المقدم من دول الخليج العربي.
&

&