تسببت القضايا الخلافية في الفقه الإسلامي في استبعاد السلفيين من الخطابة في المساجد المصرية، لاسيما بعد أن أعلنت وزارة الأوقاف عن مسابقة لإختيار خطباء جدد للعمل بالمساجد، ووضع مجموعة من الأسئلة الفقهية بالإختبارات، حاولت استطلاع رأي المرشحين في قضايا: تولي المرأة المناصب العليا، والترشح للبرلمان، وإرتداء النقاب، بالإضافة إلى الفوائد البنكية، وتولي الأقباط المناصب العليا، وتهنئتهم بأعيادهم، وفرض الجزية عليهم، و"الجهاد" ضد &الأنظمة الحاكمة، والخروج على الحاكم، وهدم الأضرحة.

&
في ضربة جديدة للتيار السلفي في مصر، وبسبب إصراره على التشدد في التعامل مع القضايا المعاصرة، لن يكون بمقدور قياداته وأعضائه الصعود إلى المنابر بالمساجد، أو إلقاء خطبة الجمعة أو دروس إسلامية. وتلقى التيار السلفي الضربة الجديدة أثناء مسابقة نظمتها وزارة الأوقاف لإختيار الخطباء الجدد، واشترطت الوزارة حصول المتقدم للعمل بالخطابة على شهادة الأزهر، &والخضوع لإختبارات في الفقه والدعوة الإسلامية.
&
وتقدم السلفيون بمئات المرشحين للعمل بالمساجد، لم ينجح أغلبيتهم، بل إن قياداتهم حرموا من الخطابة، ولاسيما الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية، والدكتورأحمد فريد، وشريف الهوارى، وأحمد الشريف، والدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، والمهندس صلاح عبد المعبود، عضو الهيئة العليا للنور.
&
طرحت وزارة الأوقاف على المتقدمين، لاسيما السلفيين، مجموعة من المسائل الفقهية المثيرة للجدل، والتي يختلف فيها رأي السلفية عن رأي الأزهريين، ومنها: مدى جواز هدم الأضرحة الخاصة بـ"أولياء الله الصالحين"، وهو ما يرفضه الأزهر ويقره السلفيون، الذين حاولوا بأنفسهم وبعيدًا عن الدولة هدم مجموعة من الأضرحة في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
&
الموقف من المرأة
عن الرأي الفقهي في تولي المرأة المناصب العليا بالدولة، أو الترشح للبرلمان، يرفض السلفيون تولي المرأة المناصب أو الخروج للعمل، أو الترشح والحصول على منصب بالبرلمان. وأكد فقهاء السلفية رفضهم ترشح المرأة أو توليها المناصب بالدولة، أثناء إجراء الإنتخابات البرلمانية في مصر في العام 2011، وعندما أجبرهم القانون على ترشيح المرأة على قوائم حزب النور الإنتخابية، وضعوا بدلاً من صور المرشحات صور أزهار أو صور أزواجهن.
&
الأقباط
&ومن المسائل الفقهية التي تسببت في ابعاد السلفيين عن المنابر في مصر، قضايا الأقباط، ومنها: تولي القبطي المناصب العليا أو منصب الرئيس، ويرى السلفيون أنه ليس للأقباط الحق في تولي المناصب، ولاسيما منصب الرئيس أو الخدمة بالجيش، ويدعون إلى ضرورة فرض الجزية عليهم، مقابل حمايتهم وعدم التجنيد في القوات المسلحة، كما يرى السلفيون أن تهنئة الأقباط بأعيادهم المسيحية حرام شرعاً. في حين يقر الأزهر أن للأقباط الحق في تولي المناصب، ويدعو إلى تهنئتهم بأعيادهم.
&كما شملت الاختبارات التي أدت إلى استبعاد السلفيين، على مسائل فقهية تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومدى إمكانية تطبيق المواطنين العاديين للحدود بعيداً عن الدولة، وأحكام الجهاد ضد الدولة العربية وقتال الجيوش الإسلامية، وموالاة غير المسلم، والسياحة، والتكفير، وتفسير بعض الآيات القرآنية التي تختص بتكفير الحاكم، إذا لم يحكم بالشريعة الإسلامية.
&
رفض الاختبارات
ورفضت قيادات التيار السلفي الخضوع للإختبارات، بدعوى وجود حالة من التربص بهم، وأنها غير محايدة. وقال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، إنه يستشعر "حالة من التربص والإقصاء له من قِبل وزارة الأوقاف، بدليل التصريحات الإعلامية العدائية من جانبها، مما يجعل عقد اختبارات الحصول على تصريح خطابة، تتم في أجواء غير حيادية". وأضاف في تصريحات له، "الامتحانات السابقة كان بها أسئلة خلافية مثل قضية الأضرحة وفوائد البنوك الربوية والنقاب، وما نقول به في هذه المسائل؛ تقول به طائفة كبيرة من علماء الأزهر"، وتابع: "بعض وكلاء وزارة الأوقاف صرحوا بأنه لابد أن يجيب برهامي (وفق ما تراه الوزارة)؛ مما يؤكد عدم الحيادية والنية المسبقة في التحكم بنتيجة الاختبار، وممارسة ما يشبه محاكم التفتيش على الآراء العلمية في التعصب لرأي معين وترسيب من يخالفه"، معتبراً أن "مثل هذه التصريحات العدائية تزيد من الاحتقان والانقسام داخل المجتمع".
&
وقال برهامي &إنه لا يرفض تنظيم القانون للعمل الدعوي، لكنه يرفض استخدام القانون للإقصاء، لافتاً إلى أن تقدمه بالأوراق؛ يظهر حسن النية في الحرص على الإطار القانوني. وهدد بمقاضاة وزارة الأوقاف لمنعه من الخطابة، لاسيما أنه "حاصل على ليسانس الشريعة بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف"، على حد قوله.&
ووصف وزارة الأوقاف بأنها "جهة تنفيذية وإدارية وليست جهة علمية والأزهر هو الجهة العلمية".

الالتزام بالضوابط
ومن جانبه، قال الشيخ علي أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً، لـ"إيلاف"، إنه يجب على الجميع الالتزام بالضوابط المنظمة للدعوة الإسلامية، مشيراً إلى أنه لا يجب أن يكون هناك أحد فوق المساءلة أو التوجيه. ولفت إلى أن الوسطية ليست أمرًا هينًا، ويجب أن تؤخذ بكل رعاية وجدية، خاصة أن العنف، والتكفير، له جذور موجودة في المساجد، وعند بعض السلفيين، منوهاً إلى أن كبار المشايخ عليهم إجراء حوارات مع الشباب؛ لتعريفهم بالدين الوسطي.
&
ودعا الدكتور محمد علي عثمان، الأستاذ بجامعة الأزهر، السلفيين إلى إحترام مؤسسة الأزهر، مشيراً إلى أن له&دوراً كبيراً في&الحفاظ على هوية مصر الإسلامية. وأضاف لـ"إيلاف" إنه يجب على السلفيين عدم الاصطدام بهذه المؤسسات الرسمية، خاصة أنها تحمل على كاهلها حماية الدين، كما دعاهم إلى مراجعة أفكارهم، وتجديد الخطاب الديني، وعدم التشدد.
ولفت إلى أنه لا يوجد لدى مشايخ السلفية مقصد غير النص. وأوضح أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة أيام عام المجاعة، ووافق الخليفة عثمان بن عفان على الظلم الظاهر من أجل استقرار الدولة واتساعها، وأوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حد القصاص حتى تستقر الدولة، في حين أن خليفة رسول الله أبو بكر الصديق دخل في حروب الردة قاتل لحماية الدولة الفتية، وبالتالي كل شخص من هؤلاء عطل النص، وطبق مقاصد الشريعة التي يشهد لها الجميع"، على حد قوله.
&
وأضاف أنه توجد خلافات جذرية تصل لحد التناقض بين موقف السلفيين وموقف الأزهر الشريف في الكثير من المسائل الفقهية مثل، الأضرحة، وفوائد البنوك، والنقاب، والمرأة، والخلافة الإسلامية، وبناء الكنائس، والديمقراطية.
&وتابع:"الأسئلة التي جاءت في امتحان الخطابة، وضعت برهامي والسلفيين في مأزق وورطة شديدين، خاصة أن الإجابة عليها طبقاً لمذهبه السلفي كانت تضعه أمام خيارين، إما أن يوافق على مذهب الأزهر، في مثل هذه المسائل، وإما أن يجيب عليها طبقاً لمذهب محمد بن عبد الوهاب، وبالتالي سيكون مصيره الرسوب في هذا الامتحان، ومنعه من الخطابة للأبد".
&ولفت القيادي إلى أن الخطاب الديني تعرض للتشويش في الفترة الماضية؛ بسبب الإخوان والسلفيين والأزهر، مشيراً إلى أن نظام مبارك كان يشجع الناس على السير، وراء الإخوان والسلفيين، على أساس أنه يستطيع السيطرة عليهم، وطالب الدولة باستقلال الأزهر، ومنحه صلاحيات كافية، كما طالب الأزهر بتطوير الخطاب الديني للأزهر.
&