على أنه من المبكر الحديث عن خاسرين ورابحين على وقع تداعيات الأزمة الأوكرانية الراهنة على صعيد إقليمي ودولي، إلا أنه يمكن توقع سيناريوهات وصفقات على الطريق.

واضح أنه لا حرب عالمية جديدة تلوح في الأفق، وكذا الحال لا عودة لحرب قِرم جديدة كالتي حدثت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1853 وحتى 1856م حيث دخلت مصر وبريطانيا وفرنسا الحرب إلى جانب الدولة العثمانية، وكانت النتيجة وقتهاأنها وضعتترسيماً جديداً لخريطة الإقليم،وحدودًا جديدة وكذلك صيغًا للتفاهم العالمي الذيافرزته معاهدة باريس غداة انتهاء الحرب.
وكانت لمعاهدة باريس أهمية خاصة في التوازن على الساحة الدولية بين الدول الكبرى، فهي من المعاهدات التي صاغت الوجه السياسي لأوروبا خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت مدخلاً مهماً لتطوير القانون الدولي حيث كانت بداية الفصل بين العقائد الدينية والعلاقات الخارجية، وانتقلت بالقانون الدولي من الحيز الأوروبي الذي كان يعبر في الأساس عن مجموعة من الأعراف غير الملزمة لغير الأوروبيين إلى إشراك الدولة العثمانية في هذا القانون الدولي.
صناعة التاريخ
وتكمن أهمية هذه المعاهدة في أنها كشفت بجلاء أن المصالح هي التي تصنع الأحداث ومن ثم تصنع التاريخ، فالتحالفات لا تصاغ وفق العقائد الدينية بقدر ما تصاغ وفق المصالح التي تحققها تلك العقائد، ولذا كانت أطر التحالفات واسعة ومرنة وقابلة للتحرك مع تغيّر المصلحة، وتلك قصة طويلة دامية كشفتها بجلاء معاهدة باريس.
لقد سارعت (إيلاف) منذ لحظة اندلاع الأزمة إلى طرح استفتاء لقرّائها ومتابعيها عبر العالم وهو: هل ربح الغرب في أوكرانيا ما خسره في سوريا ؟، وجاءت النتيجة لصالح ربحية الغرب حيث صوّت 58% (1578 مشاركاً) بـquot;نعمquot;، في المقابل صوّتت ما نسبته 42 % (1155مشاركاً) بـ quot;لاquot;.
وإذ جاءت نتيجة الاستفتاء بهذه التوقعات، فإنه في مثل تطورات الأزمة الراهنة في شبه جزيرة القرم يمكن استرجاع معاهدة باريس التي وقعت غداة حربها قبل 161 عاماً، رغم أن الأزمة في حدود تداعياتها الراهنة لن تتعدى quot;الحرب الكلاميةquot; وتسجيل المواقف بين الدول الغربية الكبرى وquot;إمبرطورية بوتينquot; التي تأمل بصفقة كبرى.
صفقة القرن
مثل هذه الصفقة التي يمكن توصيفها بـ quot;صفقة القرنquot; ستكون ذات رأسين، أولها في ميناءسيفاستوبل الاستراتيجي في شبه جزيرة القرم، حيث ستعطى فيه اليد العليا للأسطول البحري النووي الروسي بمباركة (غربية) علنية ورسمية هذه المرة.
بالمقابل، فإن على موسكو تقديم تنازل في مكان ما من العالم، وهنا فإن سوريا ليست ببعيدة، وإذ أصيبت أوكرانيا بالإنفلونزا ستكون (العطسة) الأكبر في دمشق، اذ ربما يكون نظام بشار الأسد مقابل صفقة ميناء ستيفاستوبل، ولكن ليس بالشكل العلني المباح الكلام عنه في بيانات رسمية.
ونتائج كهذه ان صحت توقعات دبلوماسية، فإن الغرب سيربح في أوكرانيا التي سيحافظ على وحدتها وضمّها الى الاتحاد الأوروبي مع ضمان احترام حقوق الاقلية الروسية في شبه جزيرة القرم والحكم الذاتي مناصفة بين كييف وموسكو التي ستكسب السيادة على ميناء سيفاستوبل.
وإذ ذاك، فإن الغرب سيربح في سوريا كنتيجة حتمية برفع الغطاء الروسي عن نظام بشّار الأسد مما سيؤدي إلى إنجاح مؤتمر جنيف 2 الحالي وخصوصًا لجهة اعلان هيئة الحكم الانتقالية التي لا دور فيها لبشار الذي تحمّله عواصم الغرب فشل الجولة الاخيرة من جنيف 2 .