&يبدو أن السياسات التقشفية للمستشارة الألمانية قد ارتدت عليها عكسيًا وباتت تواجه هجوماً على ثلاث جبهات. &فهي تتعرض الى ضغوط من خصومها في اوروبا، وتواجه انتقادات من داخل حكومتها، وما زاد الطين بلة ظهور حليف جديد لمنتقدي ميركل قد يكون على رأس المفوضية الأوروبية.


&
قبل زمن ليس ببعيد كان زيغمار غابرييل نائب المستشارة الالمانية انغيلا ميركل مسافراً في جنوب فرنسا مع مجموعة صغيرة من رفاقه الديمقراطيين الاجتماعيين عندما توقفوا لتناول وجبة في مطعم ريفي. &ولكن الترحيب الذي لاقوه لم يكن حاراً.&وقالت لهم صاحبة المطعم "أنتم الالمان إذا بقيتم على هذا المنوال ستدمرون الاتحاد الاوروبي".&
&
وتمتم نائب المستشارة الذي فوجئ بكلام السيدة الفرنسية قائلاً إنه لا يريد ان يعرف لمن منحت صوتها في انتخابات البرلمان الاوروبي الأخيرة. &وسرعان ما انخرطت المجموعة في نقاش محتدم حول المكاسب التي حققها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا من سياسات التقشف التي فرضتها المانيا على عدة دول اعضاء في منطقة اليورو خلال الأزمة المالية التي ضربت المنطقة. &
&
وبعد يوم على السجال الذي دار حول مائدة المطعم قال غابرييل الذي يتولى منصب وزير الاقتصاد ايضاً في حكومة المستشارة ميركل للصحافيين خلال جولة على مصانع شركة ايرباص في طولوز "ان التركيز على انتهاج سياسات تقشفية محضة باء بالفشل". &
&
لم يصدق الصحافيون ما سمعوه متسائلين ما إذا كانت آذانهم اخطأت السمع وما إذا كان غابرييل يريد ان يفتح معركة مع ملكة التقشف في الاتحاد الاوروبي التي يعمل نائبًا لها. &
&
قبضة ميركل على أوروبا
كان تصريح غابرييل أحدث مؤشر الى ان قبضة ميركل على زمام السلطة في اوروبا ربما أخذت تتراخى ببطء. &وبعد سنوات كانت ميركل خلالها ملكة اوروبا غير المتوجة بحكم قوة الاقتصاد الالماني أخذت المستشارة تفقد التأييد بشأن جملة قضايا. &وبدعمها ترشيح رئيس وزراء لكومسبورغ السابق جان كلود يونكر لرئاسة المفوضية الاوروبية لعلها فتحت الباب لافلات السلطة تدريجيًا من بين يديها. &&
&
هجوم على ثلاث جبهات
وتواجه ميركل هجوماً على ثلاث جبهات. &فهي تتعرض الى ضغوط من خصومها في اوروبا. &وتعتقد حكومتا باريس وروما منذ زمن طويل ان ميركل متسلطة وانها تدفع اوروبا في الاتجاه الخطأ. &ولكن المستشارة أخذت الآن تفقد تأييد بلدان كانت تدعم نهجها في السابق. &وعندما يجتمع قادة الاتحاد الاوروبي في بروكسل ستكون هناك قضية واحدة توحدهم جميعا بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية هي ان ميركل تتمتع بقوة مفرطة.&
&
وثانيا ، ان منتقدي ميركل سيجدون لهم حليفاً على رأس المفوضية الاوروبية. &ويبدو من المرجح في الوضع الحالي ان يفوز يونكر برئاسة المفوضية التي تعتبر السلطة التنفيذية للاتحاد الاوروبي. &وتدعم ميركل رسميًا ترشيح يونكر الذين ينتمي الى يمين الوسط ولكن حين يتعلق الأمر بالتقشف والسياسة المالية في اوروبا فإن يونكر يقف على يسار المستشارة الالمانية. &
&
ويأتي الهجوم الثالث الذي تواجهه ميركل ، من داخل حكومتها نفسها. &فان سطوة ميركل في بروكسل كانت تعود في جانب منها الى غياب أي منافسين لها يُعتد بهم في المانيا. &وبطبيعة الحال كان هناك دائما منتقدون لسياساتها في الحكومة الاتحادية ولكنها لم تواجه قط غريماً قوياً بحق. &والآن فإن نائبها نفسه زيغمار غابرييل زعيم الديمقراطيين الاجتماعيين ، شريكها في الائتلاف ، &ينقلب عليها. &ويسعى غابرييل الى تصوير نفسه رجلاً يريد الحفاظ على وحدة اوروبا وتصوير ميركل "ماسكة دفاتر شديدة البخل". &
&
ولكن خطة غابرييل ليست بمأمن من الأخطار. &وبدأ طاقم ميركل يتهم غابرييل بالعمل ضد مصالح المانيا. &وإذ يعتمد عمل حكومتها بلا معوقات على وجود علاقة متينة بينها وبين نائبها، فإن افتراقهما يمكن ان يصبح مصدر تهديد لاستقرار الائتلاف الحاكم الذي تقوده ميركل. &
&
تحسين الاقتصاد لوقف صعود اليمين
&
ويدرك غابرييل هذه الأخطار لكنه يعتقد ان صعود الشعوبيين اليمينيين في اوروبا لا يمكن وقفه ما لم يتحسن الوضع الاقتصادي لبلدان الاتحاد الاوروبي المأزومة في وقت قريب.&وهو أكثر من سعيد بأن يتصدى لملكة اوروبا غير المتوجة.&&
&
ويفسر هذا ايضًا استعداده لاقامة تحالفات مع الذين يريدون أن يروا نهاية لعهد ميركل ، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ، بحسب مجلة شبيغل اونلاين مشيرة الى استدارة الرئيس الفرنسي 180 درجة خلال عامين ، من مدافع عنيد عن القيم الاشتراكية الى داعية متحمس للاصلاح الاقتصادي.&&لكنّ موقفًا واحدًا بقي هولاند ثابتاً عليه هو اعتقاده بأن ميثاق الاستقرار الاوروبي الذي يفرض قيودًا صارمة على ميزانيات الدول الأعضاء لا معنى له.&
&
ويرى الاشتراكي هولاند ان اضعاف ميثاق الاستقرار هذا سيكون انتصاراً على المانيا "الليبرالية الجديدة" بقيادة ميركل ويمكن أن يساعده في تمرير حزمة اصلاحاته في البرلمان. &
&
نقاش داخلي في برلين
&
نقلت مجلة شبيغل اونلاين عن مصادر في باريس ان هناك نقاشًا يجري داخل الحكومة الالمانية. &وكان قادة احزاب يسار الوسط في عدد من البلدان الاوروبية اجتمعوا في العاصمة الفرنسية مؤخرًا ، بمبادرة من غابرييل ، للاتفاق على أن احكام ميثاق الاستقرار يجب أن تُنفذ بمرونة لدفع عجلة النمو. &
&
والأنكى من ذلك على ميركل ان تواجه الآن عددًا من الخصوم داخل الاتحاد الاوروبي، كما يتضح من تراجع الحكومة الهولندية عن تشديدها على السياسة التقشفية للخروج من الركود الاقتصادي. &
&
ولكن أخطر غرماء ميركل في اوروبا هو ماتيو رينزي. &فإن رئيس الوزراء الايطالي، على النقيض من هولاند، لا ينتمي الى المدرسة الاشتراكية القديمة. &ويأمل رينزي بأن يمكِّنه اضعاف ميثاق الاستقرار من معالجة مشاكل ايطاليا الكثيرة وخاصة دينها السيادي البالغ 133 في المئة من اجمالي ناتجها المحلي ونسبة بطالة تبلغ 12.6 في المئة.&ولكن ميركل مصرة على منعه من اضعاف الميثاق. &وأكدت موقفها هذا ليونكر الذي ساعد المستشار الالماني غيرهارد شرودر والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك على اضعاف ميثاق الاستقرار عام 2002.
&
المانيا ستدفع الثمن
&
لم تنسَ ميركل ذلك.&ولو كان الأمر بيدها لما اختار يمين الوسط بقيادة حزبها الديمقراطي المسيحي يونكر مرشحاً في انتخابات ايار (مايو).&ولكنها عندما حلت لحظة الحسم وجدت نفسها عاجزة عن منع ترشيحه. & وكانت ميركل انتقدت حتى ملصقات يونكر الانتخابية التي تصدرتها كلمة "تضامن". &فهي ترى أن هذا الشعار هو بمثابة القول "إن المانيا ستدفع الفاتورة". &
&
وإذا كانت ميركل لا تستطيع قطع الطريق على انتخاب يونكر فانها على الأقل تريد تحجيمه قدر المستطاع. &إذ اعلن مجلس اوروبا الذي يضم قادة الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد الاوروبي ترشيح يونكر رئيسًا للمفوضية الاوروبية. &ويتعين مصادقة البرلمان الاوروبي على هذا الترشيح.&ولكن ميركل تريد هذه المرة أن تكون لها كلمة كبيرة في برنامج عمل المفوضية خلال السنوات الخمس المقبلة. &وهي تريد بصفة خاصة تقوية السوق الداخلية للاتحاد الاوروبي وتعزيز القدرة التنافسية ، وفي تنازل لدول جنوب اوروبا، تريد تطوير سياسات النمو ايضا. &
&
ولكن لا يُعرف حتى الآن ما إذا كانت قمة الاتحاد الاوروبي ستطلع بأغلبية تدعم ترشيح يونكر.&فهناك العديد من المعارضين لترشيحه لكنهم لم يكشفوا عن معارضتهم حتى الآن في حين أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لم يتردد في المجاهرة بمعارضته انتخاب يونكر. &ونقلت مجلة شبيغل اونلاين عن مستشار لوزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير "أن البريطانيين يفضلون تأجيل القرار بشأن يونكر مرة اخرى". &
&
وتريد ميركل أن تتفادى الدخول في مواجهة مكشوفة مع كاميرون. &فهو قام في كثير من الأحيان بدور المشاكس في بروكسل ولكنه كان حليفًا موثوقًا في مواجهة ايطاليا وفرنسا. &
&
وتحتاج ميركل في الوقت الحاضر الى كل حليف تستطيع كسبه. &ففي الداخل يقف غابرييل معارضًا قويًا لسياساتها الاوروبية. &وأعلن مؤخرًا تعاطفه مع دول الاتحاد الاوروبي المأزومة التي فرضت عليها ميركل اجراءات تقشفية قاسية. &
&
هناك حدود
&
يرى غابرييل أن من غير المقبول أن يعتقد غالبية الالمان أن ميركل وحدها تقرر ما يحدث في بروكسل. وهو يعتقد أن المستشارة بوصفها رئيسة ائتلاف حاكم مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي ، تقع على عاتقها مسؤولية تمثيل مواقف حزبه ايضا في قمم الاتحاد الاوروبي. &
&
ولكن مقترحات غابرييل تلاقي معارضة من المحافظين في حزب ميركل. &ويرى كثيرون في الحزب الديمقراطي المسيحي أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي أصاب أكثر مما يستحق من النجاح في تمرير مقترحاته السياسية داخل حكومة ميركل مثل تخصيص حصة للنساء في التعيينات والتقاعد في سن الثالثة والستين واعتماد حد أدنى للاجور. &فهي كلها اقتراحات قدمها الديمقراطيون الاجتماعيون. &والآن يعتقد المخططون الاستراتيجيون للحزب الديمقراطي المسيحي أن تصريحات غابرييل الأخيرة محاولة لتشويه سمعة ميركل بتصويرها ملكة التقشف. &
&
وحذر قياديون في حزب ميركل من تمادي غابرييل. &ونقلت مجلة شبيغل اونلاين عن نائب الحزب الديمقراطي المسيحي في البرلمان ووكيل وزارة المالية شتيفان كامبيتر قوله "إن مطالبة الحزب الديمقراطي الاجتماعي بموافقة الحزب الديمقراطي المسيحي على تعديل ميثاق الاستقرار الاوروبي تعني انسحابنا من الاتفاق على الحد الأدنى للاجور". &واضاف "أن هناك حدوداً". &
&
يؤكد غابرييل أنه لا يريد أن يفتح معركة مع ميركل بل يعتبر نفسه حلقة وصل بين المستشارة وجميع البلدان التي تشكل اجراءات التقشف عبئاً لا يُطاق عليها. &ولكن إذا انحسر نفوذ ميركل في مجال السياسة الخارجية فلا مانع لديه.&