حاولت روسيا التقليل من اهمية العقوبات الاميركية والاوروبية المفروضة عليها بسبب دورها في الازمة الاوكرانية عبر الاعلان الاربعاء عن اولى الاجراءات لحماية اقتصادها. ويتزامن ذلك مع تكثيف القوات الاوكرانية لحملتها العسكرية في شرق اوكرانيا لعزل الانفصاليين الموالين لروسيا. وتعتبر العقوبات الجديدة، التي اعلنت عنها واشنطن وبروكسل الثلاثاء، الاكثر قسوة ضد موسكو منذ نهاية الحرب الباردة.

اما في روسيا فاعلن المصرف المركزي في بيان انه "ستتخذ كافة الاجراءات، عند الحاجة، لدعم المصارف (التي تمسها العقوبات) وزبائنها ودائنيها". وفرضت واشنطن عقوبات مالية على موسكو عبر ادراج ثلاثة مصارف روسية على اللائحة السوداء. اما الاتحاد الاوروبي فمنع المستثمرين من شراء الاسهم في المصارف الحكومية الروسية.

وبحسب ما اوضحت مؤسسة الاستثمار "في تي بي" في تحليل لها فان "العقوبات المفروضة على القطاع المالي هي التي سيكون لها التأثير الاكبر على الاقتصاد الشمولي في ظل الخطر المتزايد على النمو من جهة والضغوط التي تؤدي الى تراجع قيمة الروبل". ولم يصدر اي رد فعل من الكرملين حتى الآن، الا ان وزير الخارجية سيرغي لافروف، وقبل 48 ساعة من الاعلان عن العقوبات الجديدة، قلل من اهمية تاثيرها، مؤكدا انه ليس لدى روسيا ما تقلق بشأنه. وقال "سنتخطى اي صعوبة قد تظهر في بعض قطاعات اقتصادنا، بل من الممكن ان نستقل اكثر ونثق اكثر بقوتنا الخاصة". واشار لافروف الى ان روسيا لا تنوي الرد عبر فرض عقوبات على الغرب.

من جهته تساءل مدير معهد التحليل الاستراتيجي في موسكو "اف بي كي" ايغور نيكولاييف انه "قد تكون روسيا ترغب في الرد على العقوبات، ولكن باي طريقة؟ وقف امدادات الغاز والنفط؟ وبالتالي كيف تدفع تعويضات التقاعد في روسيا؟". واضاف نيكولاييف "ان ذلك لن يؤثر بصورة فورية، ولكنه سيدفع باقتصادنا نحو الركود".

بدوره علق نائب رئيس الحكومة الروسي ديميتري راغوزين بسخرية على الاجراءات الغربية، وكتب على حسابه على تويتر حول حوض بناء السفن (او اس كي) "ان عقوبات (الرئيس الاميركي باراك) اوباما ضد او اس كي ما هي الا دليل على ان الاحواض البحرية العسكرية الروسية تشكل مشكلة لاعداء روسيا". ولم يقتصر التقليل من اهمية العقوبات على المسؤولين، وانما عمد الاعلام الروسي ايضا الى الاستراتيجية ذاتها، بل ذهب اكثر منذ ذلك ليشير الى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يستفيد منها على صعيد السياسة الداخلية.

وتوقعت المجلة الاقتصادية "فيدوموستي" ان "تفشل العقوبات او ان يكون تاثيرها على المدى الطويل"، واشارت الى ان "العقوبات الاميركية ضد كوبا في 1960 (...) لم تضعف نظام كاسترو". من جهتها اكدت صحيفة ايزفستيا اليومية ان "العقوبات لن تؤدي سوى الى تضامن الشعب الروسي مع السلطات اذ سينظر اليها كمحاولة اميركية للفوز على روسيا".

وفرضت واشنطن عقوبات جديدة على قطاعات رئيسية في الاقتصاد الروسي: الطاقة والتسلح والمالية. اما الاتحاد الاوروبي فاعلن عن اجراءات تمنع المؤسسات والمصارف الروسية عن الاسواق المالية الاوروبية كما تمنع بيع الاسلحة والتقنيات الحساسة في قطاع الطاقة.

وقرر الاوروبيون ايضا تجميد ارصدة ثمانية اشخاص من بينهم اربعة رجال اعمال روس مقربين من بوتين متهمين بالاستفادة من ضم شبه جزيرة القرم او بانهم دعموا بشكل ناشط زعزعة الاستقرار في شرق اوكرانيا. وميدانيا واصلت القوات الاوكرانية تقدمها في الشرق الانفصالي واعلنت استعادة السيطرة على مدينة افدييفكا على بعد عشرات الكيلومترات من دونيتسك، معقل الانفصاليين. وتحدث الجيش الاوكراني عن اطلاق نار من الاراضي الروسية بالقرب من حاجز دوفجانسكي الحدودي.

الى ذلك اسفرت معارك في غورليفكا، القريبة ايضا من دونيتسك عن مقتل خمسة اشخاص خلال الساعات الـ24 الاخيرة، وفق ما قال مصدر في البلدية لوكالة انترفاكس. ويحاول الجيش الاوكراني عزل الانفصاليين والذين يمتد تواجدهم بشكل اساسي بين مدينتي دونيتسك ولوغانسك بالقرب من الحدود الروسية.

وقال متحدث باسم رئاسة الاركان الاوكرانية اندري ليسنكو للصحافيين ان "في حال تم قطع الامدادات الغذائية عنهم، وهذا ما سيحصل قريبا، فانهم سيتخلون عن اسلحتهم ويرحلون". الى ذلك حالت المعارك مجددا الاربعاء دون وصول المحققين الدوليين الى موقع تحطم الطائرة الماليزية كما اعلن الرئيس الهولندي لبعثة نقل جثث الضحايا.

وتبنى الاتحاد الاوروبي موقفا حازما حيال موسكو منذ تحطم الطائرة الماليزية في شرق اوكرانيا في منتصف تموز/يوليو، والتي يرجح انها اسقطت بصاروخ اطلقه الانفصاليون الموالون لروسيا. وهذه المأساة التي اودت بـ298 شخصا بينهم نحو مئتي هولندي دفعت الاوروبيين لضرب الاقتصاد الروسي والانتقال الى "المرحلة الثالثة" من عقوباتهم.

ثلاثي روسي على رأس الانفصاليين في دونيتسك شرق اوكرانيا
وردا على اتهامه بدعم متمردي شرق اوكرانيا، ينفي الكرملين وقوفه وراء الانفصاليين الذين لا يخفي قادتهم الرئيسيون انهم روس ويستلهمون فكرة روسيا الكبرى. هؤلاء هم الكسندر بوروداي "رئيس وزراء" "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة ذاتيا، وايغور ستريلكوف "وزير الدفاع" وفلاديمير انتيوفيف الرجل الثاني الجديد للحكومة الانفصالية، وهم مواطنون روس تصدروا الحركة.

عند وصول انتيوفيف الى دونيتسك في منتصف تموز/يوليو قدم نفسه الى الصحافيين بما يلي "انتيوفيف فلاديمير يوريفيتش، من مواليد 1951، روسي، مواطن في الاتحاد الروسي. امضيت حياتي في خدمة النضال ضد الفاشية القومية، في لاتفيا ومولدافيا وجورجيا، والان في اوكرانيا".

ويجتمع الثلاثة على نقطة مشتركة، هي مرورهم في ترانسنيستريا، الجمهورية الصغيرة الانفصالية الموالية لروسيا في شرق مولدافيا. وان كانوا يؤكدون اليوم انهم التقوا للتو، فان بوروداي وستريلكوف كانا "متطوعين" في الجمهورية تلك قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي. كما امضى انتيوفيف فيها اكثر من 20 عاما رئيسا لجهاز الكي جي بي المحلي الذي كان يخشى بأسه، وهو منصب ادى الى وضعه عام 2004 على لائحة الشخصيات المستهدفة بعقوبات الاتحاد الاوروبي، قبل ان يغادرها بسبب "خلافات سياسية" بعد انتخاب "رئيس" جديد في مطلع 2012.

بالنسبة الى بوروداي، هذا الوجود الروسي على رأس حركة التمرد "عادي وطبيعي" لان الانفصاليين احتاجوا الى "قوات وكفاءات ونوعية". ففي منتصف تموز/يوليو اوضح ان "كل شيء يوجه حركة تحرير دونباس نحو موسكو" مؤكدا في اثناء تقديم انتيوفيف ان عدد "رجال موسكو في جمهورية دونيتسك الشعبية سيزداد". ويرى الرجال الثلاثة ان اوكرانيا ليست اكثر من كيان اصطناعي مصيره التفتت بين غربه الخاضع لنفوذ المجر وبولندا، وشرقه الذي اسس القياصرة مدنه واطلق عليه تسمية نوفوروسيا فبات مرتبطا او مقربا من روسيا.

واعتبر وازو ناتوا من معهد السياسات العامة في شيسيناو في مولدافيا ان "بروز اشخاص مثل انتيوفيف في شرق اوكرانيا يثبت تخطيط روسيا على المدى الطويل" سعيا الى "ترتيب ترانسنيستريا اوكرانية" تشكل قطبا مضطربا على حدود جارتها. وليس لدى المحلل ادنى شك، "فروسيا ترسل الى المنطقة ضباطا لديهم تجربة في هذا النوع من العمليات. وهؤلاء رسميا احتياطيون، متقاعدون. لكن في الحقيقة انهم خاضعون لادارة موسكو والاجهزة الخاصة. ويشكل ظهور انتيوفيف في شرق اوكرانيا وتعيينه في منصب نائب رئيس الوزراء مثالا معبّرا عن هذه الاستراتيجية".

على مستوى العلاقات مع الاجهزة الروسية، اقر ستريلكوف انه كان حتى اذار/مارس 2013 ضابطا في جهاز الامن الداخلي الروسي حيث امضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحيز الاكبر من حياته المهنية. واوضح انه قاتل، بالاضافة الى ترنسنيستريا، مع صرب البوسنة عام 1992 وفي حربي الشيشان. وتتهمه اوكرانيا بانه ضابط في الاستخبارات العسكرية الروسية.

لكن انتيوفيف ينفي اي علاقة له بموسكو، "باستثناء علاقة علمية مع زملاء محللين سياسيين او مؤرخين"، على ما قال مبتسما "طالب الدكتوراه في العلوم السياسية" الذي كتب بحثا حول "جيوستراتيجية روسيا باتجاه الجنوب الغربي".

وعلق المحلل الروسي قسطنطين كلاتشيف من مجموعة الخبراء السياسيين في موسكو بخصوص انتيوفيف "يكفي قراءة سيرته الذاتية لفهم كل شيء: انه مواطن في الاتحاد السوفياتي، هذا الاتحاد ما زال حيا بالنسبة اليه، سواء في ترانسنيستريا او دونيتسك. انه ينتمي الى وسط افراد يجمع بينهم الفكر الامبريالي وما زالوا على اتصال منذ عقود، مجتمع من +اخر جنود الامبراطورية+ اي الاتحاد السوفياتي".

بالفعل، تبدو مسارات القياديين الثلاثة في "جمهورية دونيتسك الشعبية" متوازية لسلسلة تدخلات مباشرة ام غير مباشرة نسبت في السنوات العشرين الاخيرة الى موسكو في بلد ما زالت تعتبره "غريبا مقربا" محدود السيادة. وتابع الخبير "لكن +الكرملين لديه قبب كثيرة+...فهو يشمل صقورا وحمائم، وافرادا يؤيدون هذه الجمهوريات لدوافع عاطفية او لان هذا عملهم. انها شبكة واسعة تحت اشراف عدد من موظفي موسكو، على غرار (نائب رئيس الوزراء ديمتري) روغوزين. بالتالي تملك جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان ما يكفي من الانصار في موسكو".
&