موضوع السبي تحول إلى سجال قديم جديد أحيته الجماعات الجهادية المقاتلة، وخصوصًا بعد أن اختطفت جماعة بوكو حرام النيجيرية نحو مائتي فتاة من مدرسة شيبوك بشمال نيجيريا منتصف أبريل/نيسان الماضي.
يوسف الهزاع من الرياض: ما إن صرخت النائبة العراقية فيان الدخيل وانهارت تحت قبة البرلمان، حتى تداعت جل وسائل الإعلام الدولية لتنقل كلامها حول أن تنظيم الدولة الإسلامية المسمى اختصاراً "داعش" يسبي النساء في العراق، وخصوصاً نساء الطوائف المخالفة.
هذا الأمر أعاد الموضوع القديم الجديد حول السبي والاسترقاق وعلاقة الجماعات الجهادية المقاتلة به، وخصوصًا بعد أن أعادت بعثه مجدداً جماعة بوكو حرام النيجيرية حين اختطفت نحو مائتي فتاة من مدرسة شيبوك بشمال نيجيريا منتصف أبريل/نيسان الماضي.
البداية من سوريا وفي العراق ظهر صوت رسمي
في سوريا التي تحترق من كل مكان منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفيها تجتمع كل مجاميع الجهاديين من كل بقاع الأرض تقريباً، مرت سنوات دون أن يظهر صوت عالٍ حول الرق والاسترقاق والسبي والتسري، رغم أن الكثير من شباب "الجهاد" بثوا استفسارات وطلب فتاوى من كبار منظّري هذه الجماعات ونشرت بعضها مشفوعة بالأجوبة التي تؤكد على رفض هذا الأمر، وربما حينها كان سبب انطفاء جذوة هذا الملف الخطير هو التنافس المحموم بين هذه المجاميع على كسب الحاضنة الاجتماعية الثورية في سوريا، وهو الأمر الذي يفرض على هذه المجاميع كلها أن تلتزم بالحد الأدنى من المعايير كسباً للشارع الثوري وعدم خسارته.
أما في العراق فالوضع أخذ صوتاً أعلى، وقرائن متعددة لأن المتحكم في مجريات الأمور هو فصيل واحد، وهو تنظيم الدولة، الذي احتل الموصل وأتبعها بعدد من المدن والمحافظات وربطها بمنطقة الرقة السورية ليعلن بعدها قيام دولة الخلافة وتنصيب أمير التنظيم أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين.
هذه القرائن التي تخرج بين الفينة والأخرى، سواء إعلان ذلك صراحة من قبل النائبة (من الطائفة الإيزيدية) فيان الدخيل، أو من خلال بيان رسمي عن الهلال الأحمر العراقي، أو من خلال تصريحات بعض من رموز العمل السياسي في العراق، كلها افتقدت للاثباتات المنهجية المحكمة، فلا صور موثقة ولا أشخاص تضرروا من ذلك خرجوا ليحكوا، ولا تقارير دولية من جهات محايدة تؤكد هذه الحالات، وإنما كله كلام مرسل ينفيه الواقع حتى يظهر العكس.
ولكن ماذا يقول منظّرو العمل الجهادي؟
هذه المعطيات يعززها واقع الجماعات الجهادية اليوم، إذ تؤكد كل القراءات الفكرية التي ترصدها "إيلاف" في فتاوى ومراجعات الجماعات الجهادية و"داعش" على رأسها أن لا أحد من منظّريهم الكبار قد قال بهذا أو أفتى به.
ولكن خطورة الموضوع أن كل هؤلاء المنظرين والمفتين لم يقفلوا باب السبي والاسترقاق، وإنما يراه بعضهم رخصة وآخرون يرونه من صميم العمل الجهادي، وإنما اختلفوا حول آلية تنفيذه وشروط العمل به في هذا الزمان، والآن بعد أن أعلن ابراهيم البدري الملقب بأبي بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين وأقام دولة، فما الذي يمنع العمل به؟
يقول أبو محمد المقدسي وهو من كبار المنظرين للفكر الجهادي والجماعات المقاتلة، في رسالة ألفها بعنوان (الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير)، أن "من الأخطاء الشنيعة في التكفير أيضاً إطلاق حكم التكفير و لوازمه على أزواج وأولاد عساكر الشرك والقوانين أو نحوهم من المرتدين وعدم مراعاة حال الاستضعاف"، وساق المقدسي جملة من الأدلة التي يرى من خلالها أن النساء لا يمكن تكفيرهن لأنهن عاجزات وجاهلات، كما هي امرأة فرعون أو زينب ابنة النبي محمد.
و رغم أن كلام المقدسي يخص عسكر الطواغيت من السنة، إلا أن حكم المرتدين يدخل ضمن هذا التصنيف باعتبار الجماعات المقاتلة تطلق على الطوائف التي تنتسب للإسلام من غير السنة أنهم مرتدون، فضلاً عن التسمية الأخرى "الطائفة الممتنعة"، ولكن مجمل فتوى المقدسي تشمل هؤلاء.
ويختم المقدسي فقرته هذه بقوله "أنه لا سبيل اليوم إلى امتلاك الرقاب إلا في شوكة وتمكين ودولة على منهاج النبوة لا تبالي بكفار الدنيا وعداوتهم خصوصاً في ظل توقيع دول العالم اليوم، على اتفاقية تحريم الرق ".
أما المنظّر الآخر وهو مغربي أقل شهرة ويتخذ اسماً مستعارًا (أبو يوسف المقدسي) فنشر بحثاً مصغراً بثته مؤسسة الراية للإنتاج الإعلامي المقربة من جبهة النصرة، رداً على اسئلة وردته من جهاديين في الشام حول نساء العلويين وجواز استرقاقهن، فيخلص في نهايته إلى جملة من الأمور أهمها أن "السبي مشروع في الأصل من باب الرخصة لا العزيمة"، ويضيف بأن "السبي شريعة ثابتة وليس هناك نص أو دليل شرعي على نسخه لكن ساعدت الشريعة الإسلامية على تحرير العبيد بالكفارات ونحوها" وختم بحثه بأنه يميل إلى أن هذا الأمر "يحتاج إلى إمام وقوة ومنعة ولا تقسيم إلا في دار الإسلام وليس في دار الحرب"، أي أن الأمر مباح ولكن الظروف المكانية والزمانية لا تعضده حالياً.
في السعودية حراك بطيء وأصوات جريئة
ورغم أن الجماعات المقاتلة كلها تقريباً تشترك في منهجها السلفي (الوهابي)، إلا أن الأمور في السعودية حيث السلفية هي المذهب الرسمي للدولة تبدو هادئة من حيث الحراك الفكري وسط نخبة المشائخ السلفيين، وغابت الدراسات والتحليلات التي تتناول هذا الموضوع بشكل مفصل في الفترة الراهنة مع ازدياد الحديث حول هذا الأمر، إلا أن بعضًا من المشائخ علقوا وكان لهم صوت بارز في هذا الشأن مثلما أوضح القاضي السابق وعضو مجلس الشورى السعودي الحالي عيسى الغيث على صفحته بتويتر، إذ أكد الغيث بأنه يرى أن الرق محرم حتى قيام الساعة، وقال في جملة تغريداته التي أثارت جدلاً واسعًا أن "زمن الرِّق انتهى والإسلام حرم السبي"، وأضاف "جاء الإسلام والرق موجود، فجعل الكثير من الكفارات في الإعتاق لإنهاء العبودية، واليوم انتهى زمن الرق ويحرم السبي، والأعراض مصانة لكل البشر".
وعن مجمل ذلك يعلق الباحث الإسلامي عبدالله العلويط في مداخلة خص بها "إيلاف" أن "سن أنظمة لمنع الرق أو منع محاربين من استخدامه في عصرنا عمل فاضل، يجب على الدول والمنظمات أن تقوم به لأن به مراعاة للإنسانية".
ويشرح الباحث فكرته بقوله إن "الاسلام يرفض الرق ولا يشجع عليه، وهو من المكروهات ولكنه لم يحرم تحريمًا قاطعاً في صدر الاسلام لأن الناس كانوا يحتاجونه من أجل مزاولة الأعمال والمهن ، فلم يكن هناك نظام عمل آنذاك ولم يوجد وكانوا يعتمدون على الرقيق في العمل، ولذا أبقاه الإسلام لكنه من حيث الأصل ممنوع، فهو من ضمن الأشياء التي لم يحرمها الاسلام مراعاة لأحوال الناس ، فهو وإن كان قد ذكر في القرآن إلا أن القرآن قد يوجه للمكروه كما في قوله تعالى "واضربوهن" والضرب مكروه".
ويذهب العلويط إلى أبعد من ذلك فيقول "هذا إن افترضنا أنه قد وجه إليه وإلا فالقرآن لم يذكر به الا إباحة وطء الأمة برضاها وليس اغتصاباً ففهم منه إمكانية الرق لكن فرق بين ذكر الامكانية وبين أن يطلبه ، وأرشد الى المكاتبة وهي ان يدفع الرقيق مالاً لإعتاق نفسه وهذا يدل على أن القرآن ضد الرق ، وأما القول أن من أنكره فهو كافر أو أنه أنكر ما ورد به القرآن فهذا جاهل، فالقرآن قد ذكره كإمكانية فقط ولم يذكره كمطلب، إضافة إلى أن القرآن به ما هو تشريع دائم وبه ما هو تشريع موقت، والذي هو أقرب الى الارشاد منه الى التشريع ، هذا فضلاً عن أن الإسلام وسع ابواب العتق، كما في الكفارات وضيق أبواب الاسترقاق فلم يسمح به الا في حال الحرب الدينية فقط ـ وهذه الحرب قد زالت الآن في عصرنا ـ إذا استرق الأعداء أسرانا، وأما شراء العبيد أو إقامة أسواق للنخاسة أو السيطرة على مجموعات بشرية ومن ثم استرقاقها فكل هذا محرم في الاسلام حتى وإن كانوا من المأسورين الذين استرقيناهم، والجائز من البيع هو بيع الرقيق بعد استرقاقه في الحرب وهو أشبه بنقل خدمات عامل فقد يكون السيد مكتفيًا أو العبد نفسه لا يريد السيد فيقوم ببيعه على من تصلح حالته معه، وليس بيعًا بالمعنى التجاري الربحي، فالربحي محرم ، ولولا هذا البيع الفردي لوجد السيد والعبد مشقة به ، وأرجع وأذكر بأن هذا كله ايضًا لا يكون الا مع المأسورين في حالتين الأولى أن تكون المعركة دينية أما المعارك التي للمطامع والاقتصاد فلا استرقاق بها والثانية أن يسترق الأعداء أسرانا، فهذان شرطان لحصول الرق ومع هذا كله الأفضل ألا يسترق وأن يعتق ويجب أن يبدأ في الكفارات بعتق رقبة من هؤلاء".
إعلان الخلافة تحول جذري.. فماذا بعد؟
وفي النهاية، "داعش" لا تبث عبر حسابات ولاياتها أخباراً عن السبي والاسترقاق، ولكن الكثير ممن يعملون على مدار الساعة في شبكتها الإعلامية ينفون تماماً حدوث مثل هذا الأمر، سواء مع المتردين من الطوائف التي تنتسب للإسلام ويسمونها مرتدة مثل الشيعة والإيزيدية، أو من خلال مسيحيي الموصل الذين هاجروا بعد أن رفضوا دخول الإسلام أو دفع الجزية.
ولكن السؤال الكبير، أنه وفق اشتراطات كل منظّري الجماعات الجهادية وغيرهم، إذ يؤكدون أن الرق مشروع ولكن شروطه ليست متحققة الآن وأهمها الإمام والدولة، فماذا عساهم أن ينظروا الآن وقد قامت الدولة وأصبح لهم خليفة؟
التعليقات