كييف: ادى اطلاق النار في مدينة ماريوبول الساحلية الى مقتل امراة اعتبرت الضحية الاولى منذ بدء العمل بوقف اطلاق النار قبل يومين في شرق اوكرانيا، كما سجل تبادل للقصف المدفعي في محيط مطار دونيتسك صباح الاحد ما يهدد بانهيار اتفاق وقف اطلاق النار.

وبحسب "بروتوكول" وقف اطلاق النار الموقع الجمعة في مينسك والذي كشفت مضمونه منظمة الامن والتعاون في اوروبا& الاحد، فانه يفتح الباب بشكل غير واضح امام اقرار "وضع خاص" للمناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، كما يدعو الى اجراء انتخابات في منطقتي دونيتسك ولوغانسك معقلي الانفصاليين.

وقالت بلدية ماريوبول المرفأ الاستراتيجي الواقع جنوب شرق اوكرانيا في بيان "قتلت امرأة واصيب ثلاثة من سكان ماريوبول". وبحسب السلطات المحلية في هذه المدينة فان الانفصاليين يحاولون منذ ايام عدة الاستيلاء على هذه المدينة الكبيرة التي لا تزال تحت سيطرة السلطات الاوكرانية، واطلقوا النار ليلة السبت الاحد على نقطة تفتيش عند المخرج الشرقي للمدينة، ودمروا محطة لبيع المحروقات.

وماريوبول الاستراتيجية المطلة على بحر ازوف، والتي تتيح السيطرة عليها ربط الحدود الروسية بشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في اذار/مارس، تخشى منذ ايام هجوما يشنه المتمردون الموالون لروسيا. وابرمت كييف والمتمردون الجمعة في مينسك اتفاقا لوقف اطلاق النار في ختام مفاوضات جرت بين مجموعة الاتصال (روسيا واوكرانيا ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا) والانفصاليين.

وفي دونيتسك سمعت صحافية فرانس برس صباح الاحد دوي طلقات مدفعية، بينما كانت على نقطة تفتيش لقوات الجيش على مقربة من مطار المدينة الواقع تحت سيطرة الجيش. ولم يكن بالامكان تحديد مصدر اطلاق النار. وعاد الهدوء صباح الاحد الى ماريوبول. وشوهدت في مكان الاشتباكات التي وقعت ليلة السبت الاحد شاحنة دمرت بشكل كامل وتضرر عدد من الابنية المجاورة.

ولا تزال نقطة التفتيش هناك تحت سيطرة القوات الاوكرانية، وكان يتمركز فيها نحو عشرين جنديا مدعومين بثلاث دبابات. وقال احد الجنود هناك "بدا اطلاق النار نحو الساعة 22،30 " (19،30 تغ)، مضيفا ان اطلاق النار استهدف نقطة التفتيش والخيم المنصوبة في المكان، موضحا ان لا اصابات في صفوف جنود النقطة. وكان الرئيسان الاوكراني بترو بوروشنكو والروسي فلاديمير بوتين عبرا السبت في اتصال هاتفي بينهما عن ارتياحهما لان اتفاق وقف اطلاق النار الموقع الجمعة في مينسك "محترم بشكل اجمالي".

لكن هذا الاتفاق الذي يفترض ان يضع حدا لنزاع مستمر منذ نحو خمسة اشهر في شرق اوكرانيا واوقع 2600 قتيل وادى الى نزوح نحو نصف مليون شخص، استقبل بتشكيك من جانب الغربيين الذين لم يعدلوا حتى الان عن توقيع عقوبات جديدة على روسيا المتهمة بالمساس بـ"سيادة اوكرانيا". وصباح السبت تبادل الانفصاليون والقوات الاوكرانية الاتهامات بخرق اتفاق وقف اطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة الساعة 15:00 ت غ، من خلال اطلاق كل منهما النار على مواقع الاخر في معقلي المتمردين دونيتسك ولوغانسك وحولهما.

وخلال المكالمة الهاتفية حرص بوتين وبوروشنكو على استخدام لغة التهدئة و"اعلنا ان وقف اطلاق النار محترم بشكل اجمالي. كما بحثا في الاجراءات التي يتعين اتخاذها لكي يكون لوقف اطلاق النار طابع دائم" كما اكدت الرئاسة الاوكرانية. ووقف اطلاق النار يعتبر نجاحا للانفصاليين وروسيا وخصوصا انه يكرس كما يبدو خسارة كييف بعض المدن في الشرق بعد تقدم المتمردين في الاسابيع الاخيرة على الارض بمساعدة عسكريين روس بحسب الغربيين.

وقد طالب الانفصاليون السبت بالفعل بـ"الاستقلال" بعد المفاوضات التي جرت الجمعة في مينسك بين "مجموعة الاتصال" المكونة من اوكرانيا وروسيا ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا والانفصاليين. وانتقدت منظمة العفو الدولية الاحد كل الاطراف المتنازعة في اوكرانيا، وقال امينها العام سليل شتي في بيان في كييف ان "كل اطراف النزاع ابدوا لامبالاتهم حيال حياة المدنيين وتجاهلوا بطريقة صارخة واجباتهم الدولية".

من جهة اخرى، اعتبرت منظمة العفو بالاستناد الى مشاهد التقطتها الاقمار الصناعية، انه يبدو "بوضوح ان روسيا تؤجج النزاع عبر تدخلها المباشر وايضا عبر الدعم الذي تقدمه للانفصاليين في شرق اوكرانيا". فضلا عن ذلك يبدو ان الهدنة التي اعلنت في مينسك لم تقنع الغربيين الذين اتهموا روسيا في الايام الاخيرة بنشر قوات نظامية في شرق اوكرانيا، حتى وان نفت موسكو على الدوام اي تدخل على الارض.

الى ذلك وافقت دول الاتحاد الاوروبي الـ28& مساء الجمعة على توقيع عقوبات جديدة على روسيا ستقر رسميا الاثنين. وتشمل هذه السلسلة من العقوبات اجراءات مشددة بشان الوصول الى اسواق رؤوس الاموال والدفاع والسلع المزدوجة الاستخدام، المدني والعسكري، والتكنولوجيا الحساسة. وستنشر هذه العقوبات في الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي ما يسمح بدخولها حيز التنفيذ على الارجح الثلاثاء بحسب مصدر دبلوماسي.

الا ان روسيا حذرت السبت من انها سترد اذا فرضت عليها عقوبات اقتصادية جديدة متهمة الاتحاد الاوروبي بانه يدعم بذلك "حزب الحرب في كييف". اما حلف شمال الاطلسي، الذي اعلن الجمعة تشكيل قوة "رد سريع" يمكن نشرها في بضعة ايام في حال نشوب ازمة وايضا عزمه ابقاء وجوده في شرق اوروبا، فيجري حتى العاشر من ايلول/سبتمبر تمارين عسكرية في بلدان البلطيق والمانيا وبولندا، من شأنها ان تؤكد ان الحلف جاهز للدفاع عن دوله الاعضاء على ما قال الجنرال هانس لوثار دومروز وهو من كبار المسؤولين في الحلف.

ايرينا الموالية لكييف عذبها الانفصاليون
هذا وعمد الانفصاليون الموالون لروسيا اولا الى تعذيبها ثم وضعوها في وسط معقلهم دونيتسك، حيث قامت النساء برفسها ورشق وجهها بالطماطم. اما جريمتها الوحيدة فهي انها موالية لحكومة كييف. تروي ايرينا دوفغان (52 عاما) لوكالة فرانس برس العذاب الذي عاشته لاربعة ايام، قبل ان يصادفها صحافيون اجانب في دونيتسك ويرووا حكايتها امام الراي العام العالمي.

ترتدي قميصا كتب عليها "شكرا لله انا اوكرانية"، تلقتها من قناة تلفزة اوكرانية. وقد لجأت الان الى شقة لاصدقائها عند اطراف كييف. في 24 اب/اغسطس، يوم استقلال اوكرانيا، دخل عشرة رجال منزلها في ياسينوفاتافا قرب دونيتسك في شرق اوكرانيا. سارعوا الى تغطية وجهها واتهموها بارشاد عمليات القصف المدفعي للجيش الاوكراني، ثم اقتادوها الى احد مراكز الانفصاليين في دونيتسك.

تقول ايرينا بعد اسبوع من الافراج عنها حاملة اثار ما تعرضت له، "كانوا يطلقون النار قرب اذني لجعلي افقد السمع. رووا لي بالتفصيل كيف سيغتصبونني جماعيا. قاموا بلكمي ورفسي ولم يوفروني من اعقاب بنادقهم. كنت ازحف على الارض واتوسل اليهم الا يمسوني. ثم عرضوا لي صورة لابنتي (15 عاما) وسالوني +كم ستتحمل في رايك من الرجال قبل ان تنهار؟+ اربعون؟ ستون؟".

وتقول منظمة العفو الدولية التي اصدرت تقريرا الاحد ان الانفصاليين الموالين لروسيا ومثلهم عناصر الميليشيات الاوكرانية الداعمة للقوات الحكومية ارتكبوا في شرق اوكرانيا جرائم حرب بينها عمليات خطف وتعذيب. الانفصاليون توعدوا ايرينا ايضا بلفها بالعلم الاوكراني وجعلها على خط رماية المدفعية الاوكرانية. وتعلق "قلت لنفسي +شكرا لله+ ساموت مرة واحدة". لكنهم بدلوا رايهم لتجد المراة نفسها في وسط دونيتسك على كتفيها العلم الاوكراني وعلى صدرها لافتة كتب عليها "عميلة تقتل اطفالنا".

هنا، اخذ رجال يمطرونها بالشتائم، لكن المهانة الكبرى جاءت من النساء. وتروي في هذا السياق "طلبت امراة من زوجها ان يوقف السيارة. اخرجت طماطم من الصندوق ورشقتني بها، ثم عصرتها على وجهي، فيما انهالت عجوز بعصاها على ظهري وراسي". في تلك اللحظة شاهدها صحافيون اجانب. نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" صورا عما تعرضت له فتعاطف معها كثيرون في اوكرانيا وخارجها، وكانت تلك الصور خشبة خلاصها بعدما شارفت على الموت. في اليوم التالي، استدعاها قيادي انفصالي وابلغها انها بريئة، وسيتم الافراج عنها، مؤكدا محاسبة من اعتقلوها.

تتحدر ايرينا من مدينة ياسينوفاتا الصغيرة قرب دونتيسك، وهي واحدة من قلائل اعلنوا تاييدهم للحكومة الاوكرانية في هذه المنطقة التي تشهد تمردا انفصاليا. رفضت مغادرة منزلها رغم المعارك، وكانت تقول دائما لنفسها "في كل الحروب ثمة من يحمل الاعلام لاستقبال المحررين عند وصولهم. وساكون انا في عداد مستقبلي من سيحررنا". طوال شهرين، كانت تجمع التبرعات لشراء مواد غذائية وادوية والبسة وسجائر للجنود الاوكرانيين. وتلك كانت "جريمتها" بعد العثور على صور لتلك الاشياء في اغراضها.

خلال اعتقالها، تعرض منزلها للنهب ولم ينج من شظايا قذيفة. تجهل ايرينا ما اذا كانت ستعود يوما الى ذلك المنزل. ومثلها عائلتها الميسورة التي خسرت كل شيء: "نصحنا اصدقاء بعدم العودة اذا اردنا الحفاظ على حياتنا". هي لا تثق بوقف اطلاق النار الذي وقعته كييف الجمعة مع الانفصاليين، والسبب في رايها ان "هؤلاء الناس لا يعرفون القوانين ولا الشرف ولا الرحمة. انهم متوحشون".