للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تشهد مصر انتخابات نيابية بدون مشاركة الإخوان المسلمين، بعد عامين من إطاحة الرئيس الذي ينتمي إليها محمد مرسي، وقمع أنصارها وحظرها رسميًا.


إيلاف - متابعة: شاركت جماعة الاخوان المسلمين، التي اسسها حسن البنا في 1928، شاركت في كل الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، اذ كان مسموحا لها بهامش حركة سياسية رغم انها كانت رسميًا محظورة.

وباستثناء مرة واحدة، اتفقت فيها الجماعة مع حركات واحزاب معارضة اخرى على مقاطعة الانتخابات احتجاجًا على قانون جديد لتنظيم الاقتراع في 1990، شارك الاخوان في كل الانتخابات منذ 1984، واستخدموا الشعار الشهير "الإسلام هو الحل" لتمييز أعضائهم سياسيًا.

وكان الاخوان، الذين تمكنوا خلال سنين حكم مبارك الثلاثين من بناء ماكينة انتخابية فعالة وباتوا قوة المعارضة الرئيسة والاكثر تنظيما، هيمنوا على اول برلمان انتخب عقب ثورة 2011. وقد حصدوا حينذاك قرابة 44 بالمئة من مقاعده، قبل ان يتم حله بقرار من المجلس العسكري، الذي كان يتولى السلطة العليا في البلاد قبيل انتخاب محمد مرسي في 2012.

خفوت لا نهاية
ويعتقد الخبراء ان الاخوان المسلمين قد يغيبون عن الساحة السياسية في مصر لسنوات، ولكن ليس الى الابد، وان تنظيمهم السياسي حتى وان ضعف، فانه سيستمر. ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حازم حسني ان الاخوان "سيعودون مجددا الى الساحة السياسية ولو بعد سنوات".

ولكنه لا يتوقع ان يتم ذلك في وجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اطاح مرسي عندما كان قائدا للجيش في الثالث من تموز/يوليو 2013 قبل ان تشن اجهزته الامنية حملة قمع ضد جماعة الاخوان اسقطت 1400& قتيلا. كما ادت الحملة الى وضع عشرات الالاف منهم في السجون، واخضاع المئات، من بينهم مرسي لمحاكمات جماعية سريعة دانتها الامم المتحدة.

يشاركه الرأي المحلل السياسي مصطفى كامل السيد، الذي "يستبعد تماما" ان يؤدي قمع الاخوان الى "انهاء التنظيم". ويؤكد ان "هذه ليست المرة الاولى التي يمر فيها الاخوان المسلمين بهذه التجرية"، مذكرا بالاعتقالات الواسعة في صفوفهم التي تمت في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر، بعد تعرضه لحادث اطلاق نار، اتهم الاخوان بتدبيره في 1954.

الدين وسيلة
ويتابع "يبرع الاخوان في ايجاد اساليب للبقاء والحفاظ على التنظيم"، ويشير الى انه على الرغم من الاوضاع الحالية، فان "تظاهرات اسبوعية ما زالت تجري في الاقاليم بناء على توجيهات من التنظيم، حتى لو كانت هذه التظاهرات محدودة".

ويعتقد السيد ان "التنظيم قائم، رغم تعرضه لضربات مؤثرة، والظروف التي ادت الى ظهور الاخوان مازالت قائمة، وهي تتمثل اساسا في تردي اوضاع الطبقة المتوسطة، اضافة الى جاذبية الشعار الديني وجاذبية الفكرة التي يدعون اليها، وملخصها ان خلاص مصر هو بالعودة للدين".

ويضيف ان "هذه الفكرة ما زالت باقية، وسيبقى تنظيم الاخوان، وسيجتذب اشخاص اخرين، فهو تنظيم شرائح واسعة من الطبقة المتوسطة المصرية، وليس تنظيم الفقراء، وهؤلاء لن يعدموا وسيلة في التواصل والابقاء على التنظيم". ويؤكد حسني كذلك ان "الاخوان تيار موجود، وسيظل موجودا لفترة طويلة، لانه حتى لو ضعف التنظيم (جراء القمع) فان الفكرة ستظل قائمة في مجتمع محافظ ومتدين بطبعه".

رهان خاطئ
ويتابع "اعتقد انهم سيظلون خارج الحلبة السياسية، طالما بقي السيسي في السلطة، لان النظام الحالي والاخوان ذهب كل منهما بعيدا" في صدامه مع الاخر. ويعتقد حسني انه "كان يمكن للاخوان ان يكونوا جزءا من المشهد السياسي الراهن، لان النظم العسكرية تحتاج المكون الديني، وتميل اليه لاسباب عدة، اهمها ان التيار الديني تيار محافظ مثله مثل العسكريين، وهو يقدم الى هؤلاء المساحة الفقهية التي يحتاجونها لتأكيد فكرة احترام السلطة القائمة وطاعة ولي الامر". غير ان الاخوان بحسب حسني "راهنوا على اسقاط التغييرات السياسية التي حدثت بعد& حزيران/يونيو 2013 وكان ذلك رهانا خاطئا".

ويعتبر حسني ان حزب النور السلفي "يلعب الان هذا الدور، ويتحرك في مساحة تشابه تلك التي كان مسموحا لجماعة الاخوان بها" اثناء حكم مبارك. ويخوض حزب النور الذي ايد اطاحة مرسي، واعلن دعمه للسيسي عند ترشحه للرئاسة في العام الماضي، الانتخابات، التي تبدأ الاحد المقبل في مصر، بقرابة 200 مرشح، بسحب ما قال لفرانس برس نائب رئيس الحزب اشرف ثابت.

ولكن الحزب يبدو واقعيا وبراغماتيا، اذ لا يتوقع ان يحقق المكاسب نفسها، التي حصل عليها في اول انتخابات بعد الثورة، عندما فاز باكثر من 22% من مقاعد البرلمان.
واكد ثابت ان "هناك تغيرا في مزاج الناخب المصري، نتيجة تغير الاوضاع السياسية"، مشيرا الى ان الحزب ينافس الان على قرابة ثلث مقاعد البرلمان فقط "في حين اننا في 2012 نافسنا على 95% من المقاعد".