كنوع من المقاومة والجهاد الموازي للجهاد الميداني، افتتح أبو علي مطعمًا جوالًا في ريف إدلب، يقدم الوجبات اليومية مجانًا إلى كل المقاتلين المعارضين من دون تمييز بين الفصائل، حتى إن المقاتلين يشاركونه أحيانًأ خدماته التطوعية عبر تقديم ما لديهم من طعام فائض لإيصاله إلى مقاتلين زملاء آخرين على جبهات أخرى.


علي الإبراهيم: ابتسم الشاب ياسر مفسحًا الطريق في وجه مجموعة من المقاتلين تمر بجانبه، وخاطبهم: صباح الخير. يبدو أن يومنا هذا ويومكم سيكون حافلًا". رد عليه الجمع بالتحية نفسها، ونادى عليه أحدهم بأن يحمل البندقية، وينضم إلى صفوفهم. قهقه الشاب بصوت عالٍ، وأردف بالقول: أتمنى لكم نصرًا قريبًا، علنا نرتاح قليلًا.

جرى هذا الحديث السريع اليوم أمام خط الجبهة الأول في ريف إدلب الجنوبي في شمال غرب سوريا، بين صاحب مطعم جوّال يقدم الطعام إلى المقاتلين يوميًا، وبشكل مجانيّ، وبين مجموعة من مقاتلي المعارضة المسلحة، تستعد للتصدي لمحاولات قوات النظام التقدم لإستعادة المناطق التي خسرها أخيرًا في ريفي إدلب وحماة.

لا تمييز بين الفصائل
الشاب من ريف إدلب، ويلقب بـ "أبو علي". كتب على سيارته عبارة "المطعم الميداني الجهادي المجاني"، وذيّلها بكلمات أصبحت شعاره: "على كافة الجبهات ومن دون التمييز بين الرايات"، ويهدف من خلال عمله إلى تأمين 3 وجبات طعام متوازنة للمقاتلين الموجودين على خط الجبهة الأول.

أدوات بسيطة وباص صغير هو كل ما يملك القائمون على هذا العمل، لكن رغم ذلك يقدم من خلاله أكثر من ألف وجبة يوميًا. ويقدّر أبو علي القائم على المشروع بأنّ مطعمه قدّم أكثر من 500 ألف وجبة طعام إلى المقاتلين منذ أن تم إنشاؤه قبل سنتين تقريبًا.

الثورة غيّرت كل شيء بالنسبة إلى "أبو علي"، الذي تشجع على فتح مطعمه الخاص، بعدما رأى "نقص التنظيم في توزيع الطعام، إضافة إلى وجود أماكن على خط الجبهة يصعب الوصول إليها في بعض الأوقات. لكن رغم اشتداد المعارك والقصف الجوي الروسي، فإن ذلك لم يمنع أبو علي من الطبخ للمقاتلين والاستمرار في عمله.
&
تحدي الصعوبات
حول الصعوبات التي يواجهها المشروع، يشرح أبو علي لـ"إيلاف" قائلًا، إنه أحيانًا يقدّم الفطور والغداء والعشاء في ثلاثة أماكن مختلفة خلال اليوم الواحد. وفي أوقات أخرى، يجبره القتال على البقاء في مكان واحد لفترة أطول بكثير. فقد أمضى 20 يومًا في معارك تحرير مدينة إدلب، على حد تعبيره، ويضيف: "لديّ نقص في عدد المتطوعين، ففي كثير من الأحيان، أحتاج شبابًا للنقل والتوزيع، ولكن التمويل المحدود حدّ من تلك العملية".
&
يعزو أبو علي قلة التمويل إلى أسباب عدة، منها تقديم خدماته إلى "المقاتلين كافة بغضّ النظر عن انتماءاتهم"، رافضًا التمييز بين الجيش الحر، وجبهة النصرة، وكل الجماعات الباقية.

يتذكر جيدًا القائد الميداني في جيش الفتح محمد سلامة لحظات عصيبة عاشها المقاتلون على خط الجبهة. ويقول لـ"إيلاف": رغم القصف والنيران كان المطعم الميداني جنبًا إلى جنب مع الفصائل هنا. وتابع حديثه، "أبو علي شخص مرح، وتعودنا عليه، رغم أن الطعام متوافر لدينا في كثير من الأحيان، لكن ننتظره، بل وفي أحيان عدة، نقدم إليه ما لدينا من طعام، لإيصاله إلى اخواتنا على الجبهات الثانية".

ولسد الاحتياجات، لجأ أبو علي إلى كتابة المواد التي يحتاجها بالخط الأسود العريض على جانب باصه الصغير الأبيض، لكي يراها الناس، ليتم بعدها جمع التبرعات من الأهالي والمنطقة التي يتواجد فيها.

&