تفاعلت اتهامات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لمفتي فلسطين الراحل أمين الحسيني بأنه حرّض هتلر على حرق اليهود، على أكثر من صعيد رافض لها، كما جوبهت بانتقادات قاسية، وخاصة من الإسرائيليين أنفسهم.


نصر المجالي: في إطار ردود الفعل على كلام نتانياهو، قال مؤرخ إسرائيلي إن "الاتهام الشائن الذي وجّهه نتانياهو إلى مفتي فلسطين بأنه ألهم هتلر بفكرة حرق اليهود يأتي في لحظة شديدة الدقة". ويقول مؤرخون إن الحاج أمين كان متعاطفًا مع النازيين، ولكن قلة منهم تقتنع بطرح نتانياهو عن العوامل التي أدت إلى محرقة اليهود.

وكتب المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف في صحيفة (الغارديان) اللندنية، الخميس، مقالًا، قال فيه إن "قصة نتانياهو الخرافية عن هتلر والمفتي هي آخر ما نحتاجه". ويؤكد سيغيف أن علماء التاريخ تحيروا في التوصل إلى اللحظة التي قرر فيها هتلر حرق اليهود في أوروبا، وتعتبر واحدة من أكثر اللحظات المثيرة للاهتمام في تاريخ الحرب العالمية الثانية بأسرها.

يقول سيغيف إن أمين الحسيني كان عيّن من قبل السلطات البريطانية في منصب المفتي الأكبر العام 1921، وهو منصب يشكل أكبر مرجعية دينية وسياسية بين عرب فلسطين في تلك اللحظة.

رواية نتانياهو
يضيف أن نتانياهو يزعم أن الحسيني التقى هتلر في العام 1941 في برلين، وكان هتلر حينها يريد إبعاد اليهود فقط، لكن الحسيني قال له إنهم سيذهبون إلى فلسطين، فرد عليه هتلر قائلًا "وماذا ينبغي أن أفعل؟"، فأجابه "أحرقهم".

ويقول سيغيف ساخرًا، "لكن نتانياهو لم يقل لنا كيف كان رد هتلر على الاقتراح، لكن عمومًا أستطيع أن أتخيل أنه قال شيئًا من قبيل.. يا لها من فكرة كيف لم تخطر على بالي؟".

ويوضح سيغيف أن حكومات إسرائيل استخدمت "المحرقة" دومًا بشكل سياسي، كما إن كل قادة العرب منذ عام 1948 تم تشبيههم بهتلر على الأقل مرة واحدة، كما إن كل الدول العربية تشبّه إسرائيل بالنازي، ويرفض العرب الاعتراف "بالمحرقة"، كجزء من هوية إسرائيل، مشيرًا إلى أنه ببساطة أن يتمكن كل شخص من تفهم وجهة نظر عدوة، فلن يكون هناك سلام.

ويؤكد سيغيف أن نتانياهو نفسه استخدم الإيحاءات نفسها في كلمته عن إيران في الكونغرس الأميركي سابقًا، وفي كلمته في الأمم المتحدة، كما إن قصة المفتي أمين الحسيني نفسها ليست جديدة كلياً عليه، فقد جاءت في أحد كتبه.

رواية إيخمان
ويقول المؤرخ الإسرائيلي إن قصة نتانياهو تعتمد على أحد مساعدي القائد النازي السابق أدولف إيخمان، والذي قال إن الحسيني زار معسكر أوشفيتز بصحبة إيخمان، مضيفًا أن الحوار الذي جاء على لسان نتانياهو يتخطى جميع ما زعم به&نتانياهو سابقًا.

تصريح لاحق لنتانياهو
وقبل مغادرته إلى ألمانيا يوم الأربعاء، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية: "لم أسعَ أبدًا إلى تبرئة هتلر من المسؤولية التي يتحملها، بل كنت أريد أن أشير إلى "والد" الشعب الفلسطيني، حتى آنذاك، حينما دولة إسرائيل لم تكن موجودة، ولم يكن هناك ما يسمى بـ"الاحتلال"، ولم تكن هناك أي مستوطنات، ولكن المفتي كان قد مارس حتى آنذاك التحريض الممنهج على إبادة اليهود".

ومضى يقول "للأسف الشديد الحاج أمين الحسيني لا يزال يعتبر شخصية يحتذى بها في المجتمع الفلسطيني. يرد ذكراه في المنهاج، حيث يتم توصيفه كأنه "والد" الشعب الفلسطيني. والتحريض الذي بدأ به على قتل اليهود لا يزال مستمرًا. إنه يستمر بشكل مختلف، ولكن هذا التحريض يشكل جذور المشكلة. ومن أجل وقف عمليات القتل يجب وقف التحريض". وقال "الأمر المهم هو الاعتراف بالوقائع التاريخية بدلًا من تجاهلها، ليس آنذاك، وليس الآن".

اتهام
وكان نتانياهو قال إن الزعيم الفلسطيني في الأربعينيات الحاج أمين الحسيني هو الذي أقنع النازيين بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا. وقال نتانياهو للمؤتمر الصهيوني العالمي في القدس إن هتلر انما كان يريد طرد اليهود من أوروبا فقط، ولكن مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني قال له إن اليهود ينبغي أن يزالوا من الوجود وإلا فإنهم سينتقلون الى فلسطين.

وقال نتانياهو في كلمته امام المؤتمر إن هتلر اخبر الحسيني عام 1941 إنه يريد طرد كل اليهود من القارة الأوروبية، وإن الاخير أجاب بأنهم سينتقلون اذن الى فلسطين. ومضى للقول إن هتلر سأل المفتي السابق "ماذا عساي أن افعل؟" فأجاب، حسب رواية نتانياهو، "أحرقوهم".

انتقادات
إلى ذلك، هاجم عدد من هؤلاء تصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية بوصفها غير دقيقة من الناحية التاريخية. ويقول منتقدون إن التصريحات ترقى الى تحريض علني ضد الفلسطينيين، فيما وصفها زعيم المعارضة في اسرائيل اسحق هرتزوغ بأنها تشويه للتاريخ.

وقال هرتزوغ في مشاركة في فايسبوك، "حتى ابن المؤرخ ينبغي ان يتوخى الدقة التاريخية". ومن المعروف أن والد نتانياهو، بن صهيون، كان متخصصًا في التاريخ اليهودي.
من جانبها، قالت دينا بورات كبيرة المؤرخين في مركز ياد فاشيم للتذكير بالمحرقة في القدس إن ملاحظات نتانياهو لا تتسم بالدقة. وقالت "رغم تبنيه مواقف متطرفة معادية لليهود، لم يكن المفتي هو الذي أوحى لهتلر بابادتهم. فالفكرة تسبق لقاء الحسيني بهتلر في تشرين الثاني / نوفمبر 1941، وتعود الى كلمة كان قد القاها الزعيم النازي امام الرايخشتاغ في الثلاثين من كانون الثاني / يناير 1939 دعا فيها الى ابادة الجنس اليهودي".

كراهية نتانياهو
أما الفلسطينيون، فيقولون إن كراهية نتانياهو لهم بلغت حدًا جعله مستعدًا لتبرئة هتلر من أجل ادانتهم. وقال الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات معلقًا "إنه من الايام الحزينة في التاريخ عندما نرى رئيس الحكومة الاسرائيلية يكنّ من الكراهية للفلسطينيين قدرًا يدفعه الى تبرئة اكبر مجرم في التاريخ من جريمة قتل 6 ملايين يهودي في المحرقة".

وانتقد تصريحات نتانياهو حتى حليفه المقرب ووزير دفاعه موشي يعلون، الذي قال إن ما قاله رئيس الحكومة خاطئ. وقال يعلون "بالتأكيد لم يكن الحسيني مبتكر الحل النهائي (التسمية الالمانية لابادة الشعب اليهودي). بل كان ابتكارًا شريرًا لهتلر نفسه".

المانيا تعترف
وفي تطور لاحق، قالت الحكومة الألمانية إن الالمان هم المسؤولون عن المحرقة. وقال ستيفين سيبرت، الناطق باسم المستشارة انغيلا ميركل، ردًا على سؤال حول تعليقات نتانياهو، "كل الألمان يعرفون تاريخ هوس النازيين الاجرامي بالأجناس، الذي ادى في نهاية المطاف الى المحرقة، التي مثلت انفصالاً كاملاً عن الانسانية".

ومضى للقول "وهناك سبب وجيه لتدريس هذا في مدارسنا الالمانية، وهو انه ينبغي عدم نسيانه ابدًا. وانا لا ارى سببًا لتغيير نظرتنا للتاريخ بأي شكل، فنحن نعلم ان المسؤولية عن هذه الجريمة ضد الانسانية هي مسؤوليتنا نحن الالمان".

&