كابول: جذبت افغانستان لفترة طويلة المنظمات الانسانية الدولية، لكن مع استمرار مسلسل العنف بما فيه القصف الذي استهدف مستشفى تابعا لاطباء بلا حدود، اصبحت هذه المنظمات تعاني من نقص في المتطوعين، ما يؤثر على برامج مساعدة الاكثر ضعفا.

وتقول إليز التي تعمل في كابول مع منظمة "اكتد" الفرنسية غير الحكومية انه "خلافا لما كان يحدث قبل عشر سنوات، الناس لم تعد تتزاحم للقدوم الى هنا" مشيرة الى بقاء المناصب شاغرة لفترة طويلة. لكن الاحتياجات كثيرة نظرا لاستمرار النزاع بين كابول وحلفائها في حلف شمال الاطلسي ومقاتلي طالبان عدا عن الكوارث الطبيعية كالزلزال الاخير في المناطق الجبلية شمال شرق البلاد.

لكن افغانستان تبقى الى حد كبير "اخطر بلد في العالم بالنسبة إلى عاملي الاغاثة" وفق مكتب "هيومانيتاريان اوتكامز" الاستشاري، الذي احصى 54 هجومًا رئيسًا استهدف منظمات غير حكومية في 2014 الأمر الذي يؤثر على الرغبة في المجيء الى هذا البلد. وتقول إليز "علينا ان نشرح للمرشحين اننا لا نواجه عملية انتحارية كل يوم على باب مكتبنا".

ولجذب العاملين باتت المنظمات غير الحكومية تقبل بعقود قصيرة من ستة اشهر احيانا، وهو ليس بالأمر الأمثل لأن المتطوعين "يغادرون ما ان يبدأوا بفهم الملفات" وفق باتريك، المسؤول في منظمة غربية في كابول. وتؤكد الاطراف المتنازعة كلها علنا انها تحترم عمل المنظمات الانسانية ولكن في الواقع تبقى هذه المنظمات تحت رحمة المعارك التي تزداد كثافة كما حصل في بداية تشرين الاول/اكتوبر عندما قصفت طائرات اميركية، ودمرت مستشفى اطباء بلا حدود في قندوز شمال البلاد وقتلت 30 شخصا.

وفي حين يؤكد متمردو طالبان انهم يريدون مساعدة العاملين الانسانيين في "مهمتهم المنزهة" فقد اعلن مقاتلوهم مسؤوليتهم عن هجمات استهدفت اماكن يرتادها الاجانب في كابول وقتل فيها عاملون انسانيون.

وامام التهديدات، قللت المنظمات نطاق عملها في الارياف وبعيدا عن مراكز المدن. ويقول ناتان الذي يعمل مع منظمة زراعية غير حكومية "في وسط البلاد حيث كان لدينا ثلاثة اجانب لمساعدة مربي الاغنام، لم يعد لدينا سوى واحد لتقليل المخاطر".

في ايلول/سبتمبر، وبعد الهجوم على خمس شاحنات لتوزيع الاغذية، انسحب برنامج الاغذية العالمي من منطقة بادخشان في شمال شرق البلاد التي ضربها بعد ذلك باسابيع زلزال مدمر.

- اخطر بلد للمنظمات غير الحكومية -
دفعت هذه الظروف المنظمات الى تغيير طريقة عملها "فباتت تطلب من الناس الذين تقدم إليهم المساعدة الحضور اليها او تتابع العمل معهم عبر الهاتف" وفق فيونا غال مديرة "اكبر" التي تضم اكثر من 130 منظمة تنشط في افغانستان. وهكذا تراجعت المهمات التي كانت تجري في المناطق الريفية الخلابة والفقيرة وهذا ادى الى جعل العمل مع المنظمات غير الحكومية اقل جاذبية.

وحتى سنوات خلت، كان يتطلع الاجانب على الاقل للاستفادة من الحياة الاجتماعية المفعمة بالحياة في كابول وكان ذلك يسهم في جذبهم للمجيء الى افغانستان. اما اليوم، يقول اليكس الالماني العامل في المجال الانساني العائد الى افغانستان بعد سنوات في جنوب شرق اسيا "لم تعد تنظم حفلات كبيرة. كل شيء انتهى اليوم".

يعود السبب في ذلك خصوصا الى الهجمات وعمليات الخطف المستمرة. ففي الصيف الماضي خطف هولندي والمانية ثم افرج عنهما. ويقول فيليب بونيه الذي انهى مهمته في افغانستان مع منظمة "سوليداريتيه انترناسيونال" الفرنسية ان بلدانا اخرى مثل "العراق وسوريا تجذب الشباب اليوم اكثر". ويقول مراقب غربي "انتقلنا خلال خمس سنوات من الاف المتطوعين الاجانب الى بضع مئات اليوم".

ورغم عدم حصول تغير كبير في عدد المنظمات الاجنبية المسجلة في البلاد وعددها اليوم 274 مقابل 293 في 2013، فان عدد مشاريعها انخفض بشكل كبير. لكن الاحتياجات "لم تتقلص" في المناطق الريفية والجبلية، حيث تضطلع المنظمات الاجنبية احيانا بدور رئيس، وفق ناتان.

هكذا فان انخفاض وفيات الاطفال والتي انتقلت من 93 لكل الف ولادة في 2001 الى 66 في الالف في 2015 وفق البنك الدولي، يعود الى ان "برامج المساعدة الصحية تستهدف غالبا" الاطفال الصغار وفق عامل انساني غربي. ولكن الاموال لا تزال متوافرة نظرًا إلى التزام المجتمع الدولي بتقديم 16 مليار دولار لدعم التنمية في البلد على مدى اربع سنوات تنتهي في 2015 وبالحفاظ على مستويات مماثلة حتى 2017.

ولكن تقول فيونا غال ان الحكومة باتت اليوم "تطلب ان يتم تسليمها الاموال اولا قبل توزيعها"، وهذا يؤدي "الى عدم توزيع الاموال بسرعة" ما يحول دون توفير الميزانية اللازمة لبعض المنظمات ويجعلها عاجزة عن التوظيف.