طلال جاسر: تتجه أعين المراقبين إلى الدبلوماسية التونسية الجديدة بعد عام تقريبا من وصول الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى (قصر قرطاج) لا سيما وأنه تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة السياسة الخارجية التونسية إلى الطريق الصحيح والعودة للحاضنة العربية بعد ما شهدته من أزمات واضطرابات إبان حكم السلطات المؤقتة خلال الفترة الانتقالية.

ولطالما انتقد حزب (حركة نداء تونس) الحاكم خروج السياسة الخارجية التونسية عن حيادها وانزلاقها نحو أخطاء أفضت لفشلها في حشد الدعم اللازم لتونس التي تمر بفترة انتقالية صعبة غير أن مراقبين اختلفوا في تقييم الدبلوماسية التونسية الجديدة بين متفائل بعودتها "للطريق الصحيح" ومنتقد "لعجزها حتى الآن في التخلص من أسباب الانكماش والفشل في بناء علاقات دولية متينة".

في هذا الصدد رأى المنسق العام السابق للتنمية في الشرق الأوسط بالأمم المتحدة الدكتور عبدالله الكحلاوي في تصريح صحفي أن الدبلوماسية التونسية الجديدة "تحمل رؤية عقلانية وتسعى إلى العودة إلى الحاضنة العربية وبناء جسور تواصل قوية مع دول الخليج العربية".

وقال الكحلاوي إن الدبلوماسية التونسية تعتمد على ثوابت تشمل التزام سياسة الحياد ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ومناصرة القضايا الإنسانية العادلة وقضايا التحرر وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وأضاف أن السياسة الخارجية التونسية شهدت خلال المرحلة الانتقالية وخصوصا إبان حكم (الترويكا) بقيادة حركة النهضة الإسلامية "بعض التوجهات الخاصة حيث تم بناء علاقات تعاون مع دول على أساس نفس الانتماء أو مناصرة التيار الإسلامي في المنطقة العربية خصوصا بعد انطلاق ما يطلق عليه بانتفاضات الربيع العربي".

وأشار إلى أن "هذه السياسة اتسمت بالارتجال ووقعت في العديد من الأخطاء لكن منذ وصول الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي بدأت الدبلوماسية التونسية تتلمس طريق العودة إلى ثوابتها باعتماد سياسة الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وخصوصا العودة إلى الحاضنة العربية عن طريق جامعة الدول العربية ومحاولة تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربية استنادا إلى المصالح المشتركة والروابط العميقة المتجذرة بين الجانبين".

وأكد الكحلاوي الذي شغل أيضا في السابق منصب "وزير مستشار لدى الرئاسة التونسية للشؤون الدبلوماسية والخارجية" أن تونس تحافظ على علاقات جيدة مع دول الخليج العربية منذ مرحلة بناء الدولة في ستينيات القرن الماضي وهو ما يتجسد في الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى وإرسال العديد من التونسيين للعمل في الخليج خصوصا بالكويت وسلطنة عمان في قطاعي التعليم والصحة.

وأوضح أن الدول الخليجية وقفت إلى جانب تونس التي حرصت في الوقت ذاته على تمتين العلاقات والروابط مع دول الجوار لاسيما الجزائر وليبيا والمغرب نظرا لارتباط مصالحها مباشرة بهذه الدول خاصة على المستوى الأمني في ظل ما تشهده ليبيا من توتر يلقي بظلال سلبية على الوضع على طول الشريط الحدودي التونسي.

وأقر الكحلاوي بأنه "على الرغم من هذه المحاولات للدبلوماسية التونسية إلا أنه لا يمكننا أن نجري لها تقييما حاليا فهي لم تنطلق إلا منذ سنة فقط لكن نؤكد أنها على الطريق الصحيح خصوصا وأن على رأس وزارة الخارجية رجل عقلاني ومثقف وهو الوزير الطيب البكوش الذي له تجربة سياسية طويلة وثرية".

وأوضح ان الدبلوماسية التونسية الجديدة تحتاج إلى المزيد من الوقت والجهد لاستعادة نشاطها على الساحتين الإقليمية والدولية وذلك يمر عبر تعزيز العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل مع الدول الصديقة والشقيقة واستغلال النقاط والمصالح المشتركة وتعزيزها ومحاولة الفوز بمقاعد مفاتيح في العديد من المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية.

وشدد على أن "تونس لا تحيد على الإجماع العربي وتحمل رؤية ونظرة عقلانية تحتاج للوقت وللمرور بمراحل حتى تتمكن من عقد روابط وتفاهمات مع دول قوامها الاحترام المتبادل وخدمة المصالح المشتركة".

في المقابل نبه الدبلوماسي التونسي السابق بمنظمة الأمم المتحدة توفيق وناس في لقاء مع (كونا) الى أن "الدبلوماسية التونسية لم تتجاوز بعد نقاط ضعفها" مشددا على أن "جلب الاستثمارات وبناء علاقات قوية مع الدول يتطلب مواقف سياسية واضحة".

وأشار وناس إلى أنه "كان من بين أهم الوعود الانتخابية للرئيس التونسي قايد السبسي وحزبه آنذاك (حركة نداء تونس) هو استعادة ثوابت السياسة الخارجية التونسية وتحسين العلاقات مع دول الخليج العربية وإرجاعها إلى مسارها الصحيح بعد ما شهدت بعض الفتور والجفاء إبان حكم (الترويكا) خلال المرحلة الانتقالية بقيادة حركة النهضة الإسلامية".

واضاف "لكن مباشرة بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية أصبح هذا الهدف أصعب بعد أن تحالف قايد السبسي مع (حركة النهضة) على مستوى البرلمان والحكومة لذا لم تتم إزالة أسباب الجفاء بصفة نهائية".

وأوضح أن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط أصبحت تتطلب من كل الدول العربية ولاسيما تونس نوعا من الوضوح في المواقف خصوصا فيما يتعلق بملفات الأزمات في كل من سوريا وليبيا واليمن "وهو ما تفتقده الدولة التونسية فموقفها ضبابي في هذه الملفات".

وقال وناس في هذا السياق "بالنسبة للأزمة السورية تراجعت تونس عن سياسة مقاطعة نظام بشار الأسد وأعادت العلاقات على مستوى القنصليات.. أما بالنسبة للأزمة في ليبيا فتونس قررت الاحتفاظ بعلاقات مع طرفي النزاع (الشرق والغرب) وهذه الضبابية تتجلى أكثر في الملف اليمني حيث لم يتخذ الرئيس قايد السبسي أي موقف من العملية العسكرية هناك بقيادة المملكة العربية السعودية كما لم يعرض أي مساعدات للتوصل إلى حل. وهذا الصمت وهذه الضبابية تقلق أشقائنا الخليجيين".

وشدد وناس على أنه "أمام غياب مواقف سياسية واضحة وجدت الرئاسة التونسية نفسها في موقف الساعي لإصلاح العلاقات مع الأشقاء الخليجيين بهدف الحصول على مساعدات فقط فالسياسة الخارجية التونسية غير فاعلة على الساحة الدولية وليست هناك بوادر لاستعادة المكانة التي كانت تتمتع بها في السابق".

وتابع "أضف إلى ذلك أن تونس ليست مستقرة بعد على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني وهو ما يعطل تدفق الاستثمارات الأجنبية الذي يواجهه في تونس مناخ قانوني غير داعم فمجلة الاستثمار التي طرحتها الحكومة التونسية مؤخرا لم ترض رجال الأعمال في تونس فما بالك بالمستثمرين الأجانب".

واعتبر وناس أن "التركيز على جلب الاستثمارات من الأشقاء بدرجة أولى هو خطأ سياسي فالمواقف السياسية الواضحة والتنسيق السياسي هو الذي يأتي بالاستثمارات وليس العكس" مؤكدا أن "على الدولة التونسية أن تتخذ مواقف واضحة في سياستها الخارجية مع دول الخليج العربي وأن تعد مناخا قانونيا واقتصاديا ملائما لجلب الاستثمارات الخليجية".