قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إن الحرب على الإرهاب باتت فعلًا حربًا عالمية، علينا أن نتحد في خوضها، وأكد أنه تتحتّم علينا أيضًا مواصلة العمل، يدًا بيد، لهزيمة "الجماعات الإرهابية، والخوارج منها"، الذين يبثون الكراهية والخوف على امتداد العالم.
نصر المجالي: في مقال كتبه الملك عبدالله الثاني، الذي يبدأ زيارة عمل اليوم الأربعاء إلى فيينا في صحيفة (دير ستاندر)، فإنه شدّد على ضرورة أن "نخوض هذه الحرب كجبهة واحدة ضد خطر الإرهاب الذي يهدد إنسانيتنا المشتركة".
وأشار العاهل الأردني إلى أن المباحثات الأخيرة في فيينا مهدت الطريق لمرحلة جديدة من الانخراط الدولي الهادف إلى جمع كل الأطراف السورية ضمن عملية سياسية تُفضي، كما نأمل، إلى مستقبل يسوده الأمل، واحتضان الجميع، بعيدًا عن الطائفية، مستقبل يحفظ وحدة سوريا واستقلالها. وينبغي علينا البناء على هذه الفرصة لتحقيق نتائج ملموسة.
نص المقال
وفي الآتي نص مقال العاهل الأردني في الصحيفة النمسوية:
نعيش اليوم لحظات وظروفًا تؤكّد أهمية الشراكة بين دولنا في الجوار الأورومتوسطي، إذ تجمعنا المصالح نفسها، ونواجه التحديات نفسها. فالجرائم الإرهابية البشعة والجبانة التي ضربت باريس في الأسبوع الماضي، كما ضربت عاصمتنا عمّان منذ 10 سنوات خلت، تؤكّد بكل وضوح أن هؤلاء الإرهابيين لا يستهدفون الأبرياء فقط، بل يريدون النيل من قيم العيش المشترك وجسور الثقة التي تقوم عليها أسس المنعة والازدهار في منطقتنا.
&
حرب عالمية
لقد باتت الحرب على الإرهاب فعلًا حربًا عالمية، علينا أن نتحد في خوضها. كما إن جيراننا الأوروبيين يواجهون اليوم تحدي اللاجئين، الذي يعيشه الأردن منذ سنوات عديدة، حيث تسبّبت النزاعات الإقليمية الدائرة والعنف واليأس، في لجوء الملايين إلى بلدنا الآمن، الأردن، وعلى نحو متزايد إلى أوروبا أخيرًا.
إلا أن التغلب على هذا التحدي لن يكون أمرًا سهلًا أو سريعًا، لكن هذه الحقيقة لا تعني أن العمل الجادّ يحتمل التأخير، فهناك سلسلة من الإجراءات الفورية الممكنة للتعامل مع أزمة اللاجئين، ومنع تفاقمها، ويتحمّل الأردن جزءًا كبيرًا منها.
فالمملكة، التي يقل عدد سكّانها عن النمسا، تستضيف الآن نحو 1.4 مليون من السوريين، أي ما نسبته 20 بالمئة من عدد السكان، إضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين، مسلمين ومسيحيين، من العراق واليمن وليبيا وغيرها من الدول، ما يجعل الأردن ثاني أكبر مستضيف للاجئين في العالم، بالنسبة إلى عدد السكان.
واجب أخلاقي
إن تقديم الرعاية للمستضعفين والمظلومين الذين يحتاجون العون، بالنسبة إلينا كأردنيين، هو واجب أخلاقي وجزء أصيل من هويتنا الوطنية. لكن عبء استضافة اللاجئين بات اليوم يضغط بشكل متسارع على مواردنا الوطنية المحدودة أصلًا.
وما صور مخيمات اللاجئين الهائلة إلا جزء بسيط من المشهد الكلي. فهي تحتضن 10 بالمئة فقط من اللاجئين السوريين، فيما يعيش أكثر من 90 بالمئة منهم في المدن والمجتمعات المحلية في الأردن، الأمر الذي يرهق المدارس والخدمات الصحية، وموارد المياه الشحيحة أصلًا، إضافة إلى منافسة الشباب الأردني على فرص العمل المحدودة.
وعليه، فإن الآثار المركبة لهذه الأزمة، في الأردن وخارجه، تتطلب استجابة واسعة النطاق وعلى مستويات عدة. فقد حان الوقت لمنطقتنا لتجاوز التفكير بأسلوب الفزعة نحو اعتماد نهج مستدام، يسهم في إطلاق مبادرات تنموية شاملة ومتوسطة المدى، لا تقتصر على تلبية الاحتياجات العاجلة للاجئين والبلدان المستضيفة - كالأردن ولبنان - فحسب، بل تستجيب لأعباء هذا اللجوء وتبعاته، خصوصًا الحاجة إلى توفير فرص العمل، وتوسيع البنى التحتية الضرورية لقطاع الخدمات، وكذلك الدعم المالي.
تعزيز الاستقرار
ومن شأن ذلك كله ترسيخ الشعور بالثقة وتعزيز الاستقرار لدينا جميعًا، وتتمثل الخطوة الأولى والمفصلية في تغطية النقص الحاد في المساعدات الدولية، وتزويد الدول الإقليمية المستضيفة، والمُثقلة بالأعباء، بحلول مُستدامة تحسّن فرص هذه الدول في التجارة، والاستثمارات، والتمويل، والمنح المُيسّرة لرفع كفاءة البنية التحتية في قطاعات الصحة والمياه والتعليم.
وأحذر هنا من أن الفشل في تلبية هذه الالتزامات الآنية والملحة سيرفع من تكاليف معالجتها في المستقبل القريب. وحريٌّ بالعالم أن لا يترك بلدًا كالأردن، والمشهود له بالاستقرار والاعتدال والسجل الحافل بالإصلاحات الاقتصادية والنمو، وحيدًا في مواجهة هذا العبء. عبء يحمله الأردن نيابة عن العالم أجمع، ويستهلك 26 بالمئة من ميزانيته السنوية، ما يتسبب بارتفاع المديونية، في سبيل الوفاء بهذه المسؤولية الدولية. كما يجب أن تقترن الاستجابة للتحديات الاقتصادية بجهود دبلوماسية حازمة تقود إلى حل للأزمة السورية.
محادثات فيينا
فالمباحثات الأخيرة في فيينا مهدت الطريق لمرحلة جديدة من الانخراط الدولي الهادف إلى جمع كل الأطراف السورية ضمن عملية سياسية تُفضي، كما نأمل، إلى مستقبل يسوده الأمل، واحتضان الجميع، بعيدًا عن الطائفية؛ مستقبل يحفظ وحدة سوريا واستقلالها.
وينبغي علينا البناء على هذه الفرصة لتحقيق نتائج ملموسة. وأخيرًا، تتحتّم علينا أيضًا مواصلة العمل، يدًا بيد، لهزيمة الجماعات الإرهابية، والخوارج منها، الذين يبثون الكراهية والخوف على امتداد العالم. ولا بد من أن نخوض هذه الحرب كجبهة واحدة ضد هذا الخطر الذي يهدد إنسانيتنا المشتركة. وعلينا أن نتذكر دائمًا أن الاستجابة الدولية لأزمة اللاجئين لا توفر حلًا لمُعاناة آنية وحسب، بل هي الأساس للوصول إلى المستقبل المنشود. مستقبل يتطلب الإعداد لمرحلة سوريا ما بعد الأزمة، ولإقليم مستقر يحتضن جميع أبنائه وبناته.
ويبقى التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل الكريم، الأدوات الأساسية لتمكين شعوبنا من بناء مستقبل مزدهر، يقود إلى تعزيز الاستقرار والأمن في منطقتنا، كما في جارتنا التاريخية: أوروبا".
&
التعليقات