تحت جنح الليل، وصلت حافلات خضراء تقل مقاتلين من المعارضة السورية المسلحة وعائلاتهم إلى مدينة إدلب شمال غرب سوريا، بعد انسحابهم من حي الوعر المحاصر منذ ثلاث سنوات، هذا الحي يعتبره أهالي حمص وسوريا رمزًا للمقاومة، وهذه الحافلات تعني لأهل حمص وسوريا ايضًا، سفراً، وخروجاً متكرراً، فبواسطتها أُخرِجَ مقاتلو المعارضة من حمص القديمة في 21 أيار/مايو 2014.
&
واليوم إنتهت معها رحلة خروج لما يُقارب 800 شخص من مدنيين ومصابين وعائلات مقاتلين. وذلك بموجب اتفاق محلي لوقف إطلاق النار ضمن الحي بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام، مقابل فتح الطرق المؤدية للحي وادخال مساعدات طبية وإغاثية للمدينة، إضافة لعبور المدنيين من وإلى الحي المحاصر. عملية إخراج المقاتلين الرافضين لهدنة الحي تمت على عدة دفعات برفقة الهلال والصليب الأحمر مع سيارات من الأمم المتحدة.
&
عضو مجلس شورى جيش الفتح المكلف بادارة ادلب محمد سلام أكد لـ"إيلاف” وصول مقاتلين من المعارضة، ومدنيين منهم نساء وأطفال إلى المدينة، سبق ذلك تجهيز عدد من مراكز الخدمة لاستقبال المدنيين وعناصر المعارضة وتقديم المساعدات الأولية لهم، بالإضافة إلى تجهيز المشافي والنقاط الطبية لاستقبال الجرحى البالغ عددهم 79 جريحًا، بينهم عدة حالات خطرة، إضافة الى وجود حالات شلل وبتر أعضاء".
&
تغيير ديمغرافي
&
حالة من الخوف والترقب بين الأهالي في حي الوعر جراء تلك الهدن المبرمة مع قوات النظام، خوف من تغيير ديمغرافي يسعى له النظام رغم أن الحي يشهد إنقطاعاً في كافة الاحتياجات الاساسية. عبد السلام محمد وهو في العقد الخامس من عمره فقد ثلاثة من أبنائه &ويسكن وما زال ضمن الحي، يقول لـ"إيلاف" النظام يسعى لتفريغ حمص من سكانها والسنة واستبدالهم بالعلويين والشبيحة في مسعى منه لرسم حدوده المزعومة، لكن خاب وخسر، لن نترك الحي وسوف نبقى هنا".
&
وشهدت المدن السورية، وفي وقت سابق، حالات موثقة تعكس حصول تغيير ديمغرافي ما زال يحدث حتى الآن، منها ما حدث في حمص القديمة وريف دمشق، حيث تتم إبرام هدن مع المعارضة المسلحة وتفريغ المنطقة من سكانها المحليين والمقاتلين، وجلب سكان ومليشيات طائفية لتقطن المنطقة. هذا ما أكده جمال ساقي وهو محامٍ من مدينة حمص لـ "إيلاف" بالقول إن "القضية أخطر مما نتوقع في حي الوعر فهي قضية تهجير في المرتبة الأولى تستهدف أهالي الحي الأصليين وتستهدف تغييراً ديمغرافياً لسكان المنطقة، ولا نستبعد أن تصبح هذه المنطقة مستقبلاً محشراً إيرانياً للنظام ، مليشياته وشبيحته، لاسيما أنها تتمتع بموقع استراتيجي، ومعقل لقوات المعارضة المسلحة".
&
من المستفيد من الهدنة
&
يستمر النظام السوري بمهادنة المدن والأحياء التي كان يصفها باستمرار عبر وسائل إعلامه بأنها "أوكار الإرهابيين والجماعات المسلحة". ويشكك البعض في نوايا النظام من وراء هذه الهدن، معتبرًا إياها محاولات من النظام لإعادة إنتاج &نفسه، فيما يرى آخرون أن قوات النظام فشلت طوال السنوات الماضية في اقتحام هذه المدن فلم يبقَ لديها سوى طريق المفاوضات ولو كلفه تنازلات عديدة.
&
ويرى باسل الهادي أحد قادة فصائل المعارضة المسلحة من حي الوعر، الذين بقوا ضمن المدينة، &أن ”النظام يريد السيطرة بكافة الوسائل، وأن الهُدن التي يعقدها النظام ما هي إلا "ضحك على الذقون"، حيث يقنع النظام أهالي منطقة محاصرة يريد مهادنتها عن طريق الوعود التي يقدمها لهم من تسهيل دخول الغذاء وإخراج المعتقلين وغيرها، وبعد توصله للهدنة يُدخل سيارة أو اثنتين محملة بالمواد الغذائية ويكتفي ويُخرج بعض العائلات والمقاتلين ويتابع قصفه وجرائمه".
&
ويؤكد الهادي في حديث لـ "إيلاف" أن المستفيد الأكبر من الهدن هو النظام، فيقول "إن قوات الأسد استطاعت من خلال الهدنة أن تفعل ما لم تستطع فعله أثناء القتال رغم القوة العسكرية والمليشيات التي تدعمه، إضافة الى دس عملاء يعملون لصالحه بين صفوف المدنيين الذين بقوا في الحي والمقاتلين للتشويش على الأهالي وجعلهم يضغطون أكثر على الفصائل العسكرية المعارضة لتقديم المزيد للنظام، مؤكدًا أن باقي الفصائل في الحي ما زالت على الجبهات وستتابع القتال ولا تتوقف حتى سقوط النظام على حد تعبيره".
&
هدن بهدف السيطرة
&
في المقابل، يسعى النظام، من خلال استغلال كل نقاط الضعف في الحي، الذي يعد آخر معاقل لقوات المعارضة في حمص المدينة، إلى فرض مصالحة تؤمن له السيطرة على المدينة بشكل كامل، وحصر الثوار في الريف الشمالي من حمص، تمهيداً لضربهم هناك، حيث يتم استخدام ذات الأسلوب من الحصار على المدى الطويل، والذي يعتمد على تجويع المناطق وقصفها، حتى إبرام اتفاق معها يكون فيه الرابح الأكبر، استكمالاً لسياسته في إجراء الهدن. وشهدت مناطق عدة، خاصة في دمشق وريفها، هدنًا بأشكال متشابهة، بداية من تطبيق اتفاق مصالحة في حي القدم الدمشقي، وإيقاف إطلاق النار والسماح لدخول مساعدات إغاثية إلى مخيم اليرموك، قبل أن يتجدد القتال فيه، وتفشل جميع الهدن والمصالحات.
&
النظام يسوّق
&
حرب إعلامية شنها النظام بهدف تدمير معنويات المعارضة وتحقيق نصر إعلامي لمؤيديه، إذ ظهر محافظ حمص، طلال البرازي، في عدة مقابلات أفاد فيها بخروج كافة مقاتلي حي الوعر من الحي وهذا ما نفته قوات المعارضة بشكل قاطع، حيث أكد مسؤول التواصل مع الأمم المتحدة ولجنة الوعر المفاوضة، محمد الحمصي، إنّه “ما دفع بنا لإبرام الهدنة هو سوء وضعنا الإنساني واقتراب كارثة سكانية وسط صمت وعجز العالم عن إيجاد حل جاد للأزمة منذ سنوات، وهذا بالتأكيد لا يعني خروج المقاتلين من حي الوعر بشكل كلي أو سيطرة النظام ودخوله إليه كما يروج إعلامه، كما لا يعني أن القرار اتخذ عن ضعف عسكري، فحتى اللحظة لم يستطع النظام اقتحام الحي أو جبهات".
&
جبهات جديدة
&
هذه الهدن تساعد النظام على نقل عدد كبير من عسكره إلى مناطق تعتبر أكثر سخونة في الوقت الحالي وفتح جبهات جديدة، وهذا ما أكده أبو الوليد الشامي القائد العسكري لتنظيم جبهة النصرة في قاطع حمص بالقول” كل ما يهادن النظام ويتفاوض معه فهو شريك القاتل، على الجميع الاستمرار في القتال وتوجيه البندقية لهذه العصابة ومن معها، هؤلاء لا يفهمون سوى بلغة الرصاص، والنظام اليوم في المراحل الأخيرة من حياته”، على حد تعبيره.&
&
وتسيطر قوات النظام منذ بداية مايو/أيار 2014 على مجمل مدينة حمص بعد انسحاب نحو ألفي عنصر من مقاتلي الفصائل من أحياء حمص القديمة بموجب تسوية بين ممثلين عنهم والسلطات، بعد عامين من حصار خانق فرضته قوات النظام.
&
ويقع حي الوعر في غرب مدينة حمص، وهو آخر الأحياء الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في المدينة، ويتعرض باستمرار لقصف من قبل قوات النظام التي تحاصره بالكامل، وفشلت محاولات سابقة عدة لإرساء هدنة فيه.
&
ويقيم في الحي حاليًا &قرابة 75 ألف نسمة، مقابل ثلاثمئة ألف قبل بدء الثورة السورية في مارس/آذار 2011.