وسط عام من الأزمات الأوروبية من حرب أوكرانيا إلى أزمة ديون اليونان ثم تدفق اللاجئين التاريخي، برزت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل قائدة بلا منازع للقارة، مثيرة في آن أكبر قدر من الاشادة والانتقاد حتى اليوم.

برلين: سواء في ادارتها لدبلوماسية الإتحاد الأوروبي مع موسكو أو مساومة اثينا على شروط انقاذ مالي شاقة أو التعامل مع أضخم موجة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية، احتلت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل الصدارة مرة بعد اخرى.

وسط فترة اضطرابات وانقسامات متنامية في أوروبا، طالبت اخصائية الكيمياء الكمية البرغماتية، التي يلقبها الألمان تحببًا "موتي" (أي "ماما")، بالتقويم المالي ونادت بالمبادئ الانسانية وغالبًا ما اثارت ردود فعل متفاوتة.

بشكل خاص، ادت المبادرة الجريئة وغير المعهودة التي اتخذتها قائدة أقوى إقتصاد أوروبي بفتح ابواب ألمانيا أمام اللاجئين السوريين إلى اضعاف شعبيتها التي لطالما كانت تسجل مستويات قياسية في استطلاعات الرأي في بلدها، وإلى عزلها وسط نظرائها في ملفات رئيسية في الإتحاد الأوروبي.

في مؤتمر لحزبها اليميني الوسطي في الشهر الجاري، قالت المستشارة البالغة 61 عامًا أن "2015 كان عامًا غير معقول، عام يصعب استيعابه في الحقيقة". واضافت "لم اشهد من قبل تواليًا بهذه السرعة لاحداث شديدة الاهمية".

ويتخذ هذا التصريح اهمية كبرى، كونه صادرًا عن ابنة القس البروتستانتي، التي نشأت خلف الستار الحديدي، وشهدت سقوط جدار برلين قبل ربع قرن.

"سنحقق ذلك!"

وغالبًا ما اثار تصاعد النفوذ الألماني في عهد ميركل المستمر منذ عقد توتر الجيران الأوروبيين.

فعندما طلبت المستشارة بحزم لا يقبل الجدل من اعضاء منطقة اليورو الغارقين في الديون حصر النفقات العامة، صورت في رسوم كاريكاتورية في شخصية متسلطة ترتدي الزي النازي وتنشر حولها المحاسبين بدلاً عن الدبابات.

وصرح رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رنزي بنبرة اكثر دبلوماسية انه بالرغم من تقديره لميركل "على أوروبا ان تخدم 28 بلدًا، وليس واحدًا فقط". وواجهت ميركل اشد الانتقادات بعد قرارها في ايلول/سبتمبر فتح ابواب بلادها امام موجة قياسية من اللاجئين، الذين توافدوا من بودابست، اغلبهم مشيًا عبر البلاد.

وكررت ميركل شعارها "سنحقق ذلك"، في مسعى لتشجيع بلاد تحاول استقبال مليون مهاجر وفدوا هذا العام. ولقب لاجئون المستشارة "ماما ميركل" وتوافدوا لإلتقاط الصور برفقتها، فيما وضعتها مجلة شبيغل على الغلاف بصورة الام تيريزا.

وفي اجماع نادر، اختارت هيئات اعلامية من بينها وكالة فرانس برس ومجلة تايم وصحيفة فاينانشل تايمز "ملكة أوروبا" منذ فترة طويلة لتكون الشخصية الاكثر نفوذًا للعام 2015.

واشار الكاتب في نيويورك تايمز روجر كوهين الى أنها "اصبحت شخصية أوروبية مرموقة، توازي مؤكدًا عمالقة ألمانيا ما بعد الحرب على غرار كونراد اديناور وهلموت شميت وهلموت كول، بل ربما تتجاوزهم".

فحتى وزير المالية اليساري اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، الذي لطالما شكل عدوًا لبرلين، صرح لأسبوعية شتيرن: "ربما، لو كنت ألمانيًا، لصوّت لميركل".

تحدٍ تاريخي

في المقابل، بدأت الشكوك تساور الكثير من الألمان الذين يخشون أن تكون ميركل التي ائتمنوها على استقرار بلادهم، تغرق في الواقع في الفوضى. وتشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع الخوف ازاء تدفق اغلبية مسلمة من اللاجئين، فيما ازدادت شعبية&حزب شعبوي يميني وسط تكثيف لجرائم الكراهية والعنصرية.

وصرح اوسكار نيدرماير من جامعة برلين المفتوحة: "ألمانيا مقسومة بلا أي شك". واوضح "بشكل عام ما زالت ميركل وحصيلة عملها موضع تقدير كبير، لكن الاكثرية ترى على مستوى أزمة المهاجرين انها تبنت سياسة خاطئة".

تستند خطة ميركل لتجنب وصول مليون مهاجر آخر في العام المقبل إلى اقناع دول أخرى في الإتحاد باستضافة مزيد من اللاجئين. لكن الردود حتى الآن تراوحت بين الصمت المطبق وصيحات الاستهجان.

ورفض رئيس وزراء المجر فيكتور اوربان "الامبريالية الاخلاقية" الألمانية واغلق حدوده باسلاك شائكة حادة، فيما اكد نظيره التشيكي بوهوسلاف سوبوتكا أن ميركل "شجعت الهجرة غير المشروعة" إلى أوروبا.

حتى رئيس مجلس أوروبا دونالد توسك اعتبر سياسة ميركل للاجئين "خطيرة". في مؤتمر حزبها، وصفت المستشارة الألمانية تدفق اللاجئين بأنه بمثابة "موعد مع العولمة"، معتبرة انه يتطلب عملاً "جبارًا" وسيغيّر البلاد إلى الابد.

واضافت وسط التصفيق "انه تحدٍ تاريخي لأوروبا واعتبر اننا نريد أوروبا ان تنجح فيه". واضافت "انا واثقة انها ستفعل". واعتبر نيدرماير أن ميركل تمكنت في افضل خطاب لها حتى الآن من "كسب اشهر اضافية، لا اكثر"، فيما ينفد صبر الناخبين وقاعدتها الحزبية تدريجيًا، لذلك "سيكون العام 2016 الامتحان الحاسم الفعلي".