اتشحت مصر بالسواد، حزنًا على ذبح 21 من أبنائها على أيدي تنظيم "داعش" في ليبيا، ويسيطر الغضب على المصريين، لاسيما الأقباط، فيما دعا سياسيون وأهالي الضحايا إلى ضرورة الرد بحزم على جرائم التنظيم الإرهابي، من خلال عمل عسكري يستهدف الدولة الإسلامية على الأراضي الليبية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: بعد ذبح تنظيم داعش الإرهابي 21 مصرياً في ليبيا، يسيطر الحزن الممزوج بالغضب على المصريين، لاسيما أن الضحايا من البسطاء، الذين ذهبوا إلى ليبيا، بحثًا عن لقمة العيش، فيما دعا أهالي الضحايا إلى ضرورة الثأر لهم، عبر دكّ مواقع التنظيم الإرهابي.

تقاعس حكومي
وقال بدير مكين، شقيق القتيل ميلاد، إن أسرته علمت بخبر ذبحه على أيدي تنظيم داعش من خلال وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن قريته في محافظة المنيا اتشحت بالسواد، وعمّها الحزن، بسبب مقتل شقيقه بهذه الطريقة الوحشية. أضاف لـ"إيلاف" أن الحكومة تقاعست عن إنقاذ شقيقه وجميع زملائه، الذين ذبحهم الإرهابيون، لافتًا إلى أن الحكومة، ولاسيما وزارة الخارجية، لم تقدم إليهم أية معلومات، ولم تبذل جهودًا كافية، من أجل العثور عليهم، واستعادتهم من أيدي الإرهابيين.

ونبّه إلى أن أمهات وآباء وأبناء الضحايا أصيبوا بحالات إغماء وفقدان للوعي، عندما شاهد بعضهم فيديو ذبح أبنائهم، منوهًا بأن حالتهم صعبة للغاية. ودعا إلى ضرورة الثأر لذبح الضحايا في ليبيا، عبر دكّ مواقع التنظيم الإرهابي، مشيرًا إلى أن الرد الحقيقي على الإرهابيين، لا بد أن يكون عسكريًا، وليس مجرد تصريحات أو تعويضات مادية.

الجثامين والثأر
"أما وقد ذبحوا على مرأى ومسمع من العالم كله، لا نريد الآن سوى حقهم في الدفن، فهل هذا كثير".. هكذا قال عطا سعد، شقيق أحد الضحايا، لـ"إيلاف" واعتبر أن شقيقه وأصحابه "شهداء في السماء إلى جوار الرب". وأضاف أن أسرهم لا تطلب سوى شيئين لا ثالث لهما، موضحًا أن المطلب الأول هو استعادة جثامينهم، من أجل دفنهم في مصر. ولفت إلى أن المطلب الآخر هو الإنتقام لمقتلهم بهذه الطريقة الوحشية، عبر الرد عمليًا بأي شكل، وتابع: "نريد أن نشفي غليلنا، نريد عملًا عسكريًا يقصم ظهر الإرهابيين، كما قصموا ظهرنا". وأفاد بأن لديه ثقة عميقة بأن الرئيس السيسي لن يترك دماء المصريين تذهب هدرًا.

فيما قال القس أسطفانوس شحاتة، وكيل مطرانية سمالوط، إن معظم الضحايا ينتمون إلى محافظة المنيا. وأضاف لـ"إيلاف" أن الضحايا ينحدرون من ثلاث قرى في المحافظة هي سمسمون والعور ودفش، مشيرًا إلى أن القرى تعيش في حالة من الحزن الشديد، لافتًا إلى أن الجميع في مصر، سواء كانوا&مسلمين أم مسيحيين، يعتصرهم الحزن والألم. وأشار إلى أن الكنيسة هناك تتواصل مع الحكومة، من أجل تأمين عملية استعادة الجثامين، لافتًا إلى أن وزارة الخارجية قالت إنها سوف تعمل بحدية من أجل استعادة الجثامين، لإقامة الصلاة عليها، ودفنهم في مصر.

حفتر مع الرد
في الوقت الذي دعا فيه أهالي الضحايا إلى ضرورة الثأر عسكريًا، رحّب اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، بأية عمليات عسكرية مصرية في ليبيا. وقال" نحن نؤيد أي عمل مصري يهدّد هذه المجموعات الإرهابية".

وأضاف: "إنه في هذه الساعات الصعبة من تاريخ الأمتين العربية والإسلامية وما تمر به منطقتنا والعالم من إرهاب وتطرف، نتابع بغضب وألم كبيرين ما حدث من جريمة إرهابية وعمل جبان ضد مواطنين مصريين في ليبيا، وتحديدًا على سواحل سرت، المدينة الآمنة، من ذبح همجي وغير إنساني، لا يمت إلى قيم الشعب الليبي بصلة، وإنما يدل على وحشية هذه العناصر الإرهابية، التي على الجميع محاربتها، قبل أن تنتشر، وتصل إلى مراحل لا يمكن السيطرة عليها".

وتابع: "نعزّي في هذه اللحظات الصعبة أنفسنا قبل أن نعزّي أسر الضحايا والقيادة والشعب المصري الشقيق، الذي لا نحتاج تأكيد أننا أخوة في الدم والأرض وأننا في صف واحد دائمًا ضد كل الأعداء، وأننا في خندق مشترك ضد هذه الفصائل المتطرفة".

عابر للحدود
وأضاف في بيان له: "إن الجيش الوطني الليبي يؤكد أنه ما قام بعملية (الكرامة) إلا ضد هذه المجموعات المارقة، التي ترتدي لباس الإسلام، والإسلام منها براء، نحن واجهنا هذا الإرهاب في بنغازي ودرنة، واستشهد من مواطنينا وضباطنا العشرات، وها هو الآن بدأ ينتشر في غرب ووسط وجنوب ليبيا، لذا من حقنا الدفاع عن مواطنينا، والحفاظ على السلم والأمن في البلاد، بما في ذلك أمن وسلامة المقيمين، في مخطط يراد منه تدمير ليبيا والمنطقة".

وذكر أن "الجيش الوطني الليبي يخوض حربًا ضد الإرهاب ومن يدعمه، وليس ضد أبناء الوطن الذين أضاعوا الطريق خلال الفترة الماضية، وندعوهم إلى الوقوف جنبًا إلى جنب ضد هذا الخطر العابر للحدود، وإلى أن يدعموا القوات المسلحة في هذه اللحظات، فلن يسلم من هذا الإرهاب أحد، إذا ما تمكن من مدننا ومناطقنا".

واعتبرت الكنيسة المصرية أن القتلى شهداء. وقالت في بيان لها: "تستودع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وعلى رأسها البابا تواضروس الثاني في هذه اللحظات العصيبة شهداءها الأبرار، واثقين أن وطنهم العظيم لن يهدأ له بال حتى ينال الجناة الأشرار جزاءهم العادل إزاء جريمتهم النكراء، كما نثق في دور الدولة بكل مؤسساتها، واهتمام المسؤولين الذي ظهر منذ بداية الأزمة".

وأضافت: "إذ نشارك أسر أبنائنا الأحباء، فإننا نعزّي الوطن كله، إن دماءهم تصرخ أمام الديان العادل، الذي لا يغفل ولا ينام، وسوف يجازي كل أحد عمّا صنعته يداه، ونصلي إلى الله أن يحفظ مصر ووحدتها وأن تنعم بالسلام في ربوع البلاد".

لتعويض مادي ومعنوي
ودعا المطران منير حنا أنيس رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية في مصر، وشمال أفريقيا، "المجتمع الدولي والحكومة المصرية إلى التصدي للجماعات الإرهابية التي تفشت في هذه المنطقة بصرامة أكثر". كما دعا إلى "ضرورة تسهيل إعادة جميع المصريين من ليبيا بأقصى سرعة ممكنة".

وأضاف في تصريح له أن الكنيسة تصلي من أجل أسر الضحايا ليعزّيهم الله، مطالبًا في صلاته أن يعمّ السلام والمحبة أرجاء العالم، الذي يئن من وطأة الإرهاب. وفيما طالب مجلس كنائس مصر، "المجتمع الدولي بالتدخل السريع لإنقاذ باقي المسيحيين في ليبيا"، طالب "المسؤولين في الدولة باحتسابهم شهداءً وتعويض أسرهم ماديًا ومعنويًا".


&