يؤكد الخبراء أن أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، شخص خبيث وشديد الذكاء، تلقى دورات مكثفة، ليتحمل الشتائم العربية بهدوء، وتكمن خطورته في أن وتيرة العداء له تخفّ شيئًا فشيئًا على المدى الطويل.


سارة شريف من القاهرة: لو كنت من رواد فايسبوك وتويتر أو لم تكن، ستعرف حتمًا أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. للوهلة الأولى تظنه عربيًا، يتحدث اللغة العربية بطلاقة كأي "شامي"، ويسخر كما يسخر العرب، مطلقًا النكات، ومعتمدًا على الأمثال الشعبية، مرددًا الأدعية الإسلامية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، حتى ليخاله المرء مصليًا وصائمًا في رمضان.

من هو؟
لا بد من الاعتراف على الأقل بمهارته، إذ نجح في ما فشل فيه كثيرون. فقبله ظهر أوفير جندلمان المتحدث للإعلام العربي باسم رئاسة وزراء إسرائيل. لم تتجاوز صفحته بضعة آلاف المتابعين، ولم يسمع عنه سوى المتخصصين في الإسرائيليات، رغم أنه كان مشروعًا إسرائيليًا لفتح حوار مع الإعلام العربي. لكن المشروع فشل، إذ كان جندلمان يهوديًا أكثر مما ينبغي، وبملامح غربية، ويكتب بلغة بعيدة عن لغة العرب، فلم ينل شهرة أدرعي، الذي نجح في أن يحصد 612.871 متابعاً على فايسبوك، و113 ألف متابع على تويتر.

ولد أفيخاي أدرعي في العام 1982 في حيفا. جده وجدته عراقيان، وجدته لوالده تركية. تخرج في إحدى المدارس الثانوية التي تدرس اللغة العربية والكومبيوتر، وانضم إلى الجيش الإسرائيلي في العام 2001. خدم في وحدة 8200 من سلاح الاستخبارات، ووقتها كان يحمل رتبة رقيب، ثم تم إرساله إلى دورة إعداد ضابط، وحصل بعدها على رتبة رائد، ثم ترأس شعبة وسائل الإعلام العربية، وصار المتحدث بلسان الجيش الإٍسرائيلي في العام 2005. يعتبر ثاني من تقلد هذا المنصب في إسرائيل، حيث شغله بعد إيتان عروسي، الذي لم يحقق شهرة كبيرة كشهرة أدرعي.

يقول عماد الشربيني، الباحث في التنمية البشرية، لـ "إيلاف" عن أدرعي: "إنه شخصية شديدة الذكاء، وله جاذبية واضحة، وخلف ابتسماته الدائمة دوافع إيجابية وثقة كبيرة بالنفس، ويبدو أنه تلقى الكثير من التدريبات الخاصة بتفعيل الطاقة الإيجابية وكيفية التعامل مع أنواع مختلفة من البشر".

شعبة الإعلام العربي
قبل نحو عامين ونصف عام، أنشأ الجيش الإسرائيلي شعبة وسائل الإعلام العربية للترويج لإسرائيل وجيشها من خلال الإنترنت. واستغلت وقتها طفرة مواقع تواصل الاجتماعي فأنشأت صفحة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على فايسبوك وتويتر، إضافة إلى قناة خاصة على موقع يوتيوب بالعربية.

كانت الخطة إيجاد قناة تواصل مع شباب العالم العربي عن طريق الإنترنت، وبوساطة الصفحات الاجتماعية، التي يتم تحديثها بانتظام بالصور والاخبار الشيقة، توسعًا في جهود العلاقات العامة في الجيش الإسرائيلي. تولى أفيخاي إدارة هذا المشروع، الذي رصد له مبلغ 6 ملايين دولار من أجل تعزيز وجود إسرائيل الإلكتروني في العالم العربي، وفقًا لموقع "غلوبس" الإسرائيلي.

وثمة سبب آخر لإطلاق هذا المشروع، وهو بحث أجري بعد عملية حرب غزة 2012، بيّن أن الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في إنتاج حملة إعلامية ودعائية ناجحة له في العالم العربي الذي لا يتابع الإعلام الإسرائيلي. لذلك، تم تنفيذ هذا المشروع في محاولة لتصدير أعمال وإنجازات وماركة الجيش الإسرائيلي في العالم العربي، وإقامة حوار مع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي العرب.

نشاط دعائي
من يتابع أدرعي يلحظ أنه يتمتع بمعرفة واسعة بالعالم العربي. تعد كتاباته مزيجًا من الدعاية للجيش الإٍسرائيلي والترويج لأخلاقيات اليهود ومحاولة استفزاز العرب. فعلى سبيل المثال، يكتب يوم الجمعة أدعية المسلمين، ويذيّلها بقوله: "صديقي المسلم: يا من أرجو له كل خير، وأحبه في الله لا غير، اللهم إبعد عنه كل شر، وأسعده مدى الدهر، ويسّر وسهّل له كل أمر، واغفر له ولوالديه يوم الحشر، وبارك الله جمعتك وسائر أيامك، جمعة مباركة للجميع"، متلاعبًا بمشاعر المسلمين، ومتقربًا منهم.

ورغم أن أدرعي أحيانًا يواجه شتائم الناشطين العرب بالصمت، إلا أنه لا يسكت عن سخرية بعض الناشطين من المحرقة اليهودية. فكتب قائلًا: "ليس هناك ما هو أكثر غباء ولا أخلاقية من إنكار الهولوكوست، فظاهرة إنكار الهولوكوست موجودة للأسف الشديد أيضًا وسط متابعي الصفحة، الذين يستعملون الرسومات والعبارات النازية للتغطية على جهلهم وغبائهم. فالصور والحقائق تحكي قصة أبشع جريمة شهدتها الإنسانية، والأفضل لهؤلاء المنكرين أن يختاروا ربما للمرة الأولى في حياتهم طريق العلم والتعلم بدلًا من طريق الإنكار والتطرف والجهل".

أحمد غانم، الخبير في التسويق والدعاية، يقول لـ "إيلاف" إن أدرعي يستخدم طريقة مبتكرة في التسويق، "وهي الحملات المضادة، أي الشهرة التي تأتي بالعداء، والتي كسب عن طريقها هذه الشهرة الواسعة والشعبية الكبيرة، وللعلم هذا العداء مع الوقت يمكن أن يقلّ، ويمكن أن يتغيّر إلى شعور آخر، وهو اللاعداء واللاحب، بمعنى أن الجمهور يهتم به من دون أن يستمر في كراهيته له، وهو في هذه الأثناء يستفيد من تعرّضه لحملات الشتم، مكتفيًا بالصمت، ليظهر العرب أمام الغرب في صورة الهمج، بينما يظهر هو متحدثًا باحترام".

فخر الإعلام الإٍسرائيلي
كتب ميشال دانييلي، في موقع القناة الثانية الإٍسرائيلية، أن أدرعي نجح في ما لم ينجح فيه سواه، "فعن طريق صفحتيه في فايسبوك وتويتر، يتواجد يوميًا مع 60 مليون متابع عربي، حتى لو كانوا يهاجمونه، فيكفي أن كل هذا العدد يحرص على متابعته، وهو يمتاز بالمهنية والذكاء، واستطاع جيدًا أن يخلط بين مهنته ومدنيته، فيتحدث تارة كضابط في الجيش، وتارة أخرى كرجل عربي أصيل، وهو ما جعلنا نفهم العرب أكثر، ونلمس عن قرب رياح التغيير في الشرق الأوسط".

علق أدرعي في مقابلة صحافية: "هدفي إظهار الوجه الآخر لإسرائيل في وسائل الإعلام العربية. نعم، وكي نصل إلى هذا سنمر برسائل أكثر هجومية من العرب، وسيكون لنا وقت أكبر وفرص أكثر، حتى تعمل وزارة الخارجية بجد، وتكتشف جوانب أخرى من هذه البلاد من خلال تعليقات المتابعين".

ونشرت معاريف تقريرًا عن أدرعي تحدثت فيه عن صلابته، وهو في حالة حرب دائمة مع العالم العربي. وعلق أدرعي: "لو كنت أحذف التعليقات التي تهاجمني، لقضيت يومي كله أحذف التعليقات".

وعلق أحمد أبو منه، الاختصاصي النفسي والسلوكي، على ذلك قائلًا لـ "إيلاف": "يبدو واضحًا أن أدرعي تلقى دورات كثيفة في الثبات الإنفعالي، وهو ما يجعله هادئًا تجاه كل هذا الهجوم العربي عليه، إضافة إلى أنه دارس جيد للمجتمعات العربية، فمن ينجح في استفزازك يملك حتمًا مفاتيحك". وقد تلقى أدرعي التهديدات وما زال، خصوصًا من حركة حماس، ما جعله يتحرك في ظل حراسة خاصة.

خطورة أدرعي
تحلل الدكتورة إيمان السيد، المتخصصة النفسية واستشارية الأسرى والباحثة في العلوم النفسية والسلوكية، شخصية أدرعي. إذ تقول لـ"إيلاف": "أدرعي شخصية خبيثة تتسم بالدهاء، فهو يتبع سياسة النفس الطويل، ويستخدم أقوى وسيلة يستطيع أن يصل بها إلى العرب، وهو استفزازهم، وهذا بالنسبة إليه نجاح في حد ذاته، والخطر الحقيقي الآن يكمن في أن العرب منحوه أكبر من حجمه، واستطاع أن ينفذ لجميع الأعمار والمراحل العمرية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".

تضيف السيد: "هذا الانتشار نجاح حقيقي له، هو يلعب على عواطف العرب العدائية تجاه إسرائيل، والخطر هو انتشاره، فلو تخيلنا أنه بعد أعوام عدة يصبح أدرعي من أشهر الشخصيات، يتحدث عنه الكبير والصغير، حتمًا سيتأثر به الأطفال، وسيتقبلونه أكثر، فوجوده خطر على تفكير أولادنا في المستقبل".
&