أقامت جامعة لندن بالإشتراك مع جامعات أخرى والجمعية البريطانية للدراسات الإسلامية مؤتمرًا أكاديميًا لمدة ثلاثة أيام هذا الأسبوع في بناية "سيناتا هاوس" التابعة لـ"جامعة لندن"، وذلك لمناقشة التراث الديني والتحديات التي تواجهه.


نبيل الحيدري من لندن: تحدث في افتتاح المؤتمر محمد عبد الحليم من كلية الدراسات الشرقية، وهو صاحب الترجمة المهمة للقرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية، عن ضرورة الإنفتاح في الحوار والسؤال حتى للقرآن الكريم نفسه، واستنطاقه في التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين.

وأكّد أن الله تعالى يقول (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، فالتدبر والتأمل مطلوب حتى في القرآن نفسه. وفي جواب عن سؤال بعضهم (ذلك الكتاب لا ريب فيه)، قال عبد الحليم إن تتمة الآية تتحدث عن المتقين، أي المؤمنين بالقرآن، والمسلمين العرب، الذين يعرفون القرآن بدلائله، لا الآخرين، الذين هم خالو الذهن عن ذلك، ولا حجة عليهم فيكون من حقهم السؤال والإستفسار والشك، من أجل الوصول إلى الحقيقة، ودعاهم إلى إعمال عقولهم، والتدبر في المشاكل والتحديات، فالقرآن يدعو إلى العقل والتدبر في آيات كثيرة جدًا، لذلك يكون السؤال ضروريًا من أجل الوصول إلى المعارف والحقائق.

تأويلات مختلفة
تحدثت السيدة شروق نجيب من جامعة لانكستر، والتي أدارت الكثير من الندوات في الأيام الثلاثة، تحدثت عن أهمية المؤتمر والنخبة من الأساتذة والمفكرين والمستشرقين لإنعاش الحوار في التحديات الراهنة، كما دعت الحضور إلى إنعاش المؤتمر باقتراحات عملية لهذه السنة الثانية من المؤتمر، حيث كانت السنة الماضية هي السنة الأولى للمؤتمر، وبعد نجاحه نجاحًا باهرًا، أقيم هذا المؤتمر الثاني في الوقت نفسه.

أما أندرو روبن من جامعة فكتوريا فقد أكد على المقارنة بين التوراة والإنجيل والقرآن من خلال المشتركات وكذلك الفروقات بينها... وكذلك الدراسات الدينية في الجامعات والقدرة على التأويل والتفسير للآيات القرآنية، حيث استعملها بعضها ذات اليمين، واستعملها آخرون ذات الشمال، واليوم، حيث نرى المتشددين الإسلاميين يستعملون آيات قرآنية في استدلالهم على ما يزعمون، فأين الحق من كل ذلك، وهل يحتكر الحقيقة أحد دون الآخرين، ولماذا، وهل يقبل النص الديني كل هذه التأويلات، وما حدودها، ومن يحدد ذلك وكيف.

تأويل سورة الكهف
بدورها السيدة ماريانا كلار من كلية الدراسات الشرقية تطرقت إلى التأويلات في سورة الكهف (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا)، وقصة بقائهم في الكهف سنين طويلة (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم)، بينما يظهر (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا).

ثم التردد في عددهم (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة، سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم)، ولم يحدد القرآن عددهم، ولا يعلم أحد عددهم، وما سرّ تردد القرآن في عددهم.

المكي والمدني
أما نيوكولاي سيناي من جامعة أوكسفورد فقد تحدث عن الجانب الأدبي والبلاغي في السور المدنية، كما تحدث عن الفرق الجوهري بين السور المدنية مع السور المكية، باعتبار مكة بداية الدعوة الإسلامية، ودعوة الناس جميعًا (يا أيها الناس)، بينما المدينة، حيث حكم النبي وصدرت التشريعات والأحكام والحدود والتعزير والقصاص… وكانت الآيات تخاطب المؤمنين والمسلمين لدخولهم الإسلام وإيمانهم به، حيث كانت المدينة تحت حكم الرسول والمعاهدات والمواثيق التي قام بها النبي الكريم نفسه، فضلًا عن الغزوات والحروب، لذلك سياق الآيات يفرّق تمامًا بينهما، فقد كانت المكية قصيرة عامة، بينما المدنية كانت آياتها طويلة، تشمل الأحكام والتفريعات والتشريعات.

فروق تسميات
هولجر زيلينتن من جامعة نوتنكهام أشار إلى الفرق بين إطلاق الألفاظ المتعددة على المصحف، مثلًا لفظ القرآن (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، فالقرآن هو الإصطلاح الذي أطلقه الله تعالى على المصحف، وينحصر به دون غيره، ويطلق عليه مجموعًا، لقوله تعالى (إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه)، أو الكتاب (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)، (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).

ويطلق على الكتب السماوية الأخرى، كالإنجيل والتوراة وغيرهما، (وإذ آتينا موسى الكتاب)، (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)، أو الذكر (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون)، ويطلق على الكتب السماوية الأخرى أو الفرقان (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا)، وهو من التفريق، لذلك يطلق على الجزء والسورة والآية فرقانًا أو كلام الله (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ويطلق كلام الله على التوراة والإنجيل والكتب السماوية الأخرى.

تحدث أيضًا طلال العظم من جامعة أوكسفورد عن ثقافة عبد القادر النعيمي وتاريخه، كما تحدث عديدون عن الصوفية، وآخرون عن الشيعة، وعن تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش) وأفكاره وتطرفه وجرائمه، وغيرهم عن المسلمين في الغرب بين التعايش والإنصهار والهوة والتشدد، وآخرون عن العلمانية والدين، أو الديمقراطية والإسلام، أو حقوق المرأة والإسلام، أو الإسلام في بعض الدول العربية أو الغربية، أو العلم والدين، أو مناقشة الإسلام السياسي والأحزاب الدينية مع الحكم، أو علاقات المسلمين بغيرهم، سواء من أصحاب الديانات أو غيرهم، وغير ذلك من الموضوعات المهمة ذات الجدل المختلف.