لأي مرض يتعلق بالتطور المعلوماتي أعراض رقمية. وعلى من يعاني من تعب العينين واحمرار المقلة والحرقة الإلكترونية وازدواج الصورة والارتجاف اللاإرادي للرمشين والصداع الكومبيوتري أن يعرف أنه يعاني أعراض "العين الرقمية".

ماجد الخطيب: حذرت دراسة أميركية جديدة من مرض العين الرقمية الذي يصيب الإنسان بسبب الاستخدام الفائق لشاشات الأجهزة الرقمية، مثل الكومبيوتر والهاتف الذكي والألواح الرقمية وغيرها.

وكشفت الدراسة أن 68% من الاميركيين، الذين ولدوا في الثمانينات يعانون من أعراض العين الرقمية. وواضح أن نشوء وتطور هذا المرض يرتبط بانطلاقة الثورة الرقمية المعلوماتية قبل أكثر من ثلاثين سنة من الآن.

إدمان رقمي

وأفادت دراسة أجراها "المجلس البصري" في الولايات المتحدة أن المرض ناجم عن العمل لساعات طويلة يوميًا أمام شاشات الكومبيوتر والألعاب الإلكترونية والأجهزة المتنقلة.

وأطلق الباحثون على الحالة وصف "وباء" عالمي الانتشار لا يقتصر تطوره وإنتقاله على سكان الولايات المتحدة من عمر 35-40 سنة.

ولاحظ معدو الدراسة أن المرض ينتشر أكثر بين "المدمنين" على الأجهزة في المدرسة والبيت والشارع وفي السرير، بل في المرحاض أيضًا.

يقضى نصف الاميركيين وقتهم، ووقت عملهم أو دراستهم، أمام مختلف الشاشات لفترة عمل تزيد عن 8 ساعات في اليوم، ثم يواصلون هوايتهم الجديدة، أي العبث على الأجهزة، لساعات أخرى. ولا تختلف الصورة في أوروبا كثيرًا، لأن 20 مليون ألماني، من مجموع 40 مليون ألماني عامل، يقضون أكثر من 8 ساعات يومًا كمعدل عام أمام الشاشات المختلفة.

العين... والرقبة والكتفين

تبدأ أعراض العين الرقمية بالظهور عند البعض من خلال الاستخدام المركز للأجهزة طوال ساعتين أو أكثر، وبشكل جفاف العين واحمرارها.

ويؤدي الاستخدام اليومي لعدد طويل من الساعات إلى أحمرار المقلة وضعف النظر، وضعف تكيّف العدسة عند النظر إلى الاشياء البعيدة والقريبة، ومن ثم الشعور بتعب العينين.

وتتفاقم الحالة لاحقًا من خلال انعكاس تعب العينين على عضلات الرقبة والكتفين والظهر والرأس بشكل آلام وصداع.

تفقد عدسة العين مطاطيتها المعروف، وتقل سرعة تكيفها لمشاهدة الضوء القادم من الأجسام القريبة والبعيدة. يؤدي ذلك إلى جفاف العين وشعور صاحبها بالحاجة إلى فركها بين الآونة والأخرى، كي يسيل بعض الدمع الذي يبللها.

ينسى الانسان محيطه عادة، بحسب تقرير "المجلس البصري"، وهو ينشدّ إلى شاشة الجهاز الذي يعمل عليه، ويؤدي هذا بالنتيجة إلى عدم الرمش، وبالتالي إلى جفاف مسحة الدمع التي تحمي العين عادة.

وتتألف مسحة الدمع المذكورة عادة من الماء والزيت والمخاط وتحمي بهذه الطريقة بشرة القزحية من التقرح، كما تطرد الأجسام الغريبة.

وثبت من فحص عيون مئات المرضى أن الخلل الأساسي يكمن في فقدان هذه المسحة الهامة من الدمع بسبب انفتاح العين المستمر على شاشة الكومبيوتر.

تطبيق يكشف العين الرقمية

توصل الباحثون الاميركيون إلى تطبيق يمكن تخزينه في الهاتف الذكي وبقية الأجهزة، يمكن أن يكشف لمستخدم الشاشات ما إذا كان يعاني من هذا المرض أم لا. وينصح الأطباء جميع مستخدمي الشاشات الإلكترونية بشكل مركز لفحص عيونهم بواسطته، لأنه دقيق، ولأنه من الممكن تحميله مجانًا من موقع المجلس البصري.

ويعتمد التطبيق في الفحص على قياس الفترة الزمنية التي تحتاجها العدسة للتكيف بين رسم صورة دقيقة لجسم بعيد، ومن ثم بعد ثوان، قدرتها على التكيف ورسم صورة دقيقة لشيء ما صغير على الهاتف الذكي أو على الشاشات الأخرى. ويصلح التطبيق لمختلف الأجهزة بما فيها منتجات أبل ومنتجات غوغل وغيرها.

عوامل أخرى

يمكن للعين الرقمية أن تتفاقم بسبب أمراض العين الأخرى التي عاني منها الإنسان، وخصوصًا الذين يعملون بشكل مركز على الشاشات يوميًا. ومعروف أن هناك مهنًا يعاني أصحابها من أمراض العيون أكثر من غيرهم، كما يمكن لتناول الأدوية التي يتعاطاها الإنسان بسبب أمراض أخرى، أن تثقل العين السليمة بمرض العين الرقمية.

وتساهم عوامل "الكترونية" أخرى في تفاقم الحالة منها العمل اليومي مع أجهزة الطباعة، وفي أجواء أجهزة التكييف وجفاف هواء المكاتب، اذ تعمل هذه العوامل مع ظاهرة التطلع المستمر على شاشة الكومبيوتر على ملء أجواء المكاتب بذرات الغبار المشحونة بالالكترونات والتي تهاجم العين بلا هوادة طوال ساعات العمل.

ويحذر الباحثون من أن تجاربهم مع المرض الجديد تثبت أن بعض العقاقير، وخصوصًا حبوب منع الحمل والأقراص الخافضة لضغط الدم والأدوية المهدئة، تزيد من تفاقم الحالة.

وتزداد الحالة سوءًا عند الذين يستخدمون العدسات اللاصقة، لأن رطوبة سطح العين هي من أهم عوامل نجاح وتحمّل الانسان للعدسات اللاصقة. ومهمة الماء على سطح العين، في هذه الحالة، هي الحفاظ على العين وايصال الاوكسجين إلى سطح القزحية المغطى بالعدسة.

وحذر الباحثون أيضًا من تأثير العين الرقمية المضاعف على عيون 4% من البشر الذين يعانون من مختلف حالات الحول، و2% من المعانين من ضعف النظر لأسباب تتعلق بعيوب في النظر أو في تشريح العين.

قصر نظر رقمي

إن الإطالة أمام شاشة الكومبيوتر تسبب حالة من قصر النظر تسمى "قصر النظر الرقمي"، خصوصًا لدى الأفراد الذين يعانون من الاستعداد الوراثي للإصابة به. ويسري الأمر أيضًا على المعانين سلفًا من قصر النظر، وعلى الأطفال المضطرين لوضع النظارات.

ينصح الخبراء العاملين على الشاشات بمسافة 70 سم بين عيونهم والشاشة، وتكبير الشاشة الافتراضية والكتابة بحروف كبيرة.

ومعروف أن عيون الأطفال قابلة للتأقلم كثيرًا وتستعيد وضعها السابق، رغم التهاء الطفل لساعات أمام لعبة "غيم بوي"، بعد فترة قصيرة. لكن هذا ليس سببًا يدعو العوائل للسماح للطفل باللعب أمام الشاشات لفترة طويلة.

وهناك أطفال يصابون بتشنج عضلات العين المسؤولة عن دقة النظر، ومن الضروري هنا منعهم من اللعب على الكومبيوتر لمدة ثلاثة أيام، بين&فترة وأخرى، كي تستطيع عيونهم العودة إلى حالتها الطبيعية.

الإكثار من الرمش

لا توجد إحصائيات عن علاقة الكومبيوتر والقراءة بقصر النظر، إلا أن الباحثين استشهدوا بدراسة هندية تقول إن 70% من الهنود العاملين أمام شاشات الكومبيوتر في سنغافورة يعانون من قصر النظر، في حين أن نسبة قصيري النظر في الهند الأم لا تزيد عن 10%.

ونصح الباحثون بضرورة تعمد الإكثار من الرمش وفترات الراحة بين ساعات العمل بهدف حماية العين من الجفاف. كما دعوا إلى المزاح والضحك لأن المرح والمزاج الجيدان يزيدان حركة رمش العين ويزيدان كمية الدموع في المقلة.

وعلى أية حال، فإن الطبيب لا يجد في نهاية المطاف غير وصف القطرات التي تحتوي على الماء وشيء من الزيت والمطهّرات للمرضى بهدف حماية عيونهم من متلازمة العين الرقمية. ويمكن للعاملين لفترة طويلة أمام شاشات الأجهزة التطلع بعيدًا في السماء، بين فترة وأخرى، إذا كان يريدون اضعاف تأثير الأجهزة على قوة نظرهم.