إعداد عبد الاله مجيد: استأثرت معركة الدفاع عن مدينة كوباني الكردية في شمال سوريا باهتمام العالم. وفي مطلع العام شهدت المدينة هزيمة نادرة مني بها تنظيم "داعش" بعد أربعة أشهر أبدى فيها المقاتلون الكرد مقاومة عنيدة ضد هجمات "داعش" بإسناد من طائرات التحالف الدولي وتضامن عالمي واسع. واعتبرت معركة كوباني نموذجا للتعاون الدولي من أجل دحر داعش في سوريا والعراق.
ولكن الآمال التي عقدها سكان كوباني على استمرار هذا التعاطف والتضامن في مرحلة إعادة بناء مدينتهم لم تحقق. ويعني حجم الدمار والخرائب المفخخة والحقول المزروعة بالألغام ان ثمن النصر كان باهظا، كما اكتشف العائدون.
ليست وحدها
وينظر المسؤولون الكرد إلى جسامة المهمة التي تنتظر سكان كوباني لإعادة بنائها وضآلة المساعدات المقدمة نظرة واقعية تقف وراءها اسباب متعددة. فهم يدركون أن كوباني واحدة من معارك عديدة في حرب أوسع ضد داعش وانها ليست المدينة الوحيدة التي دُمرت في سوريا.
كما أن الكرد قاتلوا من أجل ارضهم وليس تنفيذا لسياسة الولايات المتحدة مقابل ثمن يُدفع لهم لاحقًا. وأظهر استطلاع أُجري بعد فك الحصار عن كوباني أن غالبية الكرد لا يتوقعون أن تتدفق المساعدات الاميركية أو غير الاميركية لإعادة بناء المدينة.
وقال المسؤول المحلي بوزان خليل خلال زيارة إلى مدينة سروج التركية في إطار حملة لجمع التبرعات "إن مشروعنا هو ألا ننتظر انتهاء الحرب، فنحن نعرف أن سوريا كلها متضررة ولكن علينا ان نعتمد على أنفسنا".
ومن أصل 200 الف شخص كانوا يسكنون كوباني قبل الحرب يُقدر أن 65 ألفاً عادوا إلى المنطقة، غالبيتهم في القرى المحيطة و25 ألفاً في المدينة نفسها.
وأظهر تحقيق صحافي استخدمت فيه شبكة "سي أن أن" طائرات مسيرة لتصوير مناطق الخطوط الأمامية أن القتال دمر حارات كاملة حتى أن كوباني تبدو وكأنها مناطق من بيروت إبان الحرب الأهلية أو من العاصمة الشيشانية غروني في التسعينات.
مدينة أشباح
وقال شيخ احمد حمو الذي قُتل ولده برصاصة قناص في معركة كوباني "انها مدينة اشباح، انها مدينة ميتة". وأضاف حمو لصحيفة كريستيان ساينس مونتر "أنا فقدتُ بيتي ولكن هذا لا يهم بالمقارنة مع من ضحوا بدمائهم لكي لا يُحكموا تحت راية داعش". وأكد حمو ان مدينة كوباني "بلا وقود وبلا غذاء ولكل عائلة وضعها الخاص".
ودمر القتال القطاعين اللذين كان اقتصاد كوباني يعتمد عليهما وهما الزراعة والانشاء. وقال موظف في منظمة انسانية دولية تعمل في كوباني ومناطق أخرى من سوريا "ان كل الحيوانات هلكت وكل حقول القمح فخخها داعش لاحقا بألغام من صنع يدوي".
وأضاف الموظف الذي طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة كريستيان ساينس مونتر "ان الآمال على الأرض كانت كبيرة في كوباني ولكنهم لم يروا إلا النزر اليسير من المساعدات منذ انتهاء القتال واعتقد ان الآمال تبددت الآن".
وكانت قافلة من المعدات الثقيلة انطلقت من مدينة سروج التركية التي تبعد نحو 10 كلم إلى مدينة كوباني، وهي القافلة الثانية من المعدات التي اعارتها بلديات كردية في جنوب شرق تركيا إلى المدينة لمدة شهر.
ولكن هذا التضامن من جانب كرد تركيا مع كوباني يبدو قطرة في بحر بالمقارنة مع حجم الدمار. ولتكوين فكرة عن جسامة التحدي، يُقدَّر ان المدينة تحتاج إلى 100 شاحنة تعمل لمدة 10 أشهر لإزالة نحو نصف مليون طن من الأنقاض. وهناك خمس شاحنات فقط تتولى هذه المهمة الآن.
وتساءل رمضان ابراهيم الذي نزح من كوباني ويعيش في مخيم على أطراف سروج بعد مرور القافلة قائلا "انهم سيزيلون الأنقاض ولكن من يساعدنا على إعادة البناء؟".
ضحوا بحياتهم من أجل المدينة
&
وأظهر استطلاع اجرته "منظمة سوريا للأبحاث والتقييم" الغربية التي تعمل في جنوب تركيا بين 900 كردي من سكان كوباني والعائدين اليها ان 56 في المئة لا يعتقدون أن أحدا سيمد يد المساعدة لإعادة بناء المدينة وقال 60 في المئة انهم لا يتوقعون مساعدة من الولايات المتحدة أو الغرب لاعادة بناء المدينة.
وتقدر فرق محلية ان 75 في المئة على الأقل من المدينة أُصيبت بأضرار فادحة. ويقول مسؤولون محليون إن تكاليف إعادة البناء يمكن ان تصل إلى 7 مليارات دولار. هناك اليوم في كوباني حفنة من الصيدليات والدكاكين التي تبيع البقاليات والبذور والأسمدة. وأُعيدت مؤخرا امدادات الماء إلى منطقتين يعيش فيهما غالبية العائدين من أصل 13 منطقة في المدينة.
وقال مصطفى عبدي مدير الخدمات المحلية في اتصال هاتفي من كوباني "إن من أكبر التحديات اليوم عدم توفر الماء والكهرباء والمعدات التي يمكن ان تساعدنا على الشروع بالعمل ولكن لدينا الارادة". وأكد عبدي لصحيفة كريستيان ساينس مونتر ان التقدم بطيء ولكن رد فعل السكان يتسم بالتفهم موضحًا "ان هناك من ضحوا بحياتهم من أجل المدينة وبالتالي فان السكان يصبرون على الخدمات".
وقال المسؤول الكردي بوزان خليل في مدينة سروج "نحن لا نمتلك قدرات خارقة ولكن المسألة مسألة ارادة". وأضاف أن المعركة مع داعش كانت صعبة "ولكننا كنا مؤمنين بأن الحق معنا وكانت معنا الضربات الجوية لطائرات التحالف الدولي".
وأعلن عبدي "اننا استعدنا كرامتنا والأضرار لا شيء بالمقارنة مع الذين ضحوا بأرواحهم من أجل إبقاء المدينة لنا".
التعليقات