في ظل تمدّد تنظيم داعش في سوريا بعد سقوط تدمر، يقلق المسيحي في المشرق وخصوصًا في لبنان على مصيره في ظل الدعاية التدميريّة التي يشيعها داعش عن تصفية الآخر المختلف دينيًا.

بيروت: يعتبر الراهب الماروني إيلي مخول في حديثه لـ "إيلاف" إن هناك هجرة مسيحيّة في الشرق لأسباب تبقى دينيّة وليس لمسببات اقتصاديّة أو إجتماعيّة أو حتى سياسيّة، وسبب هذه الهجرة المسيحيّة يبقى موجات التطرّف الإسلامي التي تُقصي الآخر الذي يختلف عنها.

ويضيف الأب مخول إن هناك مسافة شاسعة تتسع جدًا وباستمرار بين واقع العيش المشترك وصيغة العيش المشترك، الصيغة نموذجيّة، وهي في مستوى الرسالة، كما وصفها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما جاء إلى لبنان، ولكن الواقع أبعد ما يكون عن المثاليّة، وبالتالي هو أبعد ما يكون عن الرسالة، إنه متسخ بكل الانقسامات التي تفرضها الانتماءات الخارجيّة والمصالح الداخليّة.

ويتابع كي يبقى لبنان نموذجًا، يُفترض أن لا يتحوّل إلى محطة انتظار لمسيحيي الشرق، انتظار لانطلاق موسم تهجيرهم إلى دول العالم الكثيرة، بل يُفترض أن يكون لبنان مشجعًا لثبات المسيحيين العرب في بلدانهم، ونموذجًا لهم وللمسلمين العرب للعيش المشترك على قاعدة تقبّل كل الاختلافات إن كانت دينيّة أومذهبيّة أو ثقافيّة.

هواجس المسيحيين

هناك هواجس حقيقيّة تقلق المسيحيين في المنطقة ولبنان تحديدًا، هواجس يغذيها تمدّد تنظيم داعش وكذلك النظام في سوريا الذي يدّعي بأنه حامي المسيحيين في الشرق بمواجهة القوى التكفيريّة.

وعن وضع المسيحيين اليوم في ظل التهديد بأحزاب إسلاميّة متطرفّة يؤكد النائب سليم سلهب (التيار العوني) في حديثه ل"إيلاف" أن وضعنا اليوم كمسيحيين في المشرق يتمحوّر حول عدم رؤية موحدّة تجمعنا، في لبنان خصوصًا، ولكن كتكتل تغيير واصلاح لدينا موقفنا وهو ضد التطرّف الديني مهما كان الدين ومن أي طرف كان، جميعنا مع الاعتدال ومع الوصول إلى دولة مدنيّة أكثر من كوننا دولة طائفيّة ذات طابع ديني حتى لو كان طابعًا معتدلاً.

هل فعلاً هناك خوف على مسيحيي لبنان كما هُدّد مسيحيو المشرق ككل في سوريا والعراق؟ يؤكد سلهب أن الخبرة علّمتنا بعد الأحداث التي جرت في العراق حيث كان الجيش الأميركي متواجدًا، وهو أقوى جيش في العالم كان يحتل العراق، رغم ذلك رأينا النتائج على مسيحيي العراق وما الذي حصل معهم، أكبر جيش في العالم لم يستطع أن يحمي الأقليات المسيحيّة الموجودة في العراق، وقد اضطرت هذه الاقلياّت إلى الهجرة بطريقة مأساوية، من هنا الخوف كبير على مسيحيي المشرق ككل لأن ما يحصل اليوم حرب طائفية مذهبيّة مع مختلف الفرقاء، وهو أمر مخيف، أن تدخل كل الأحزاب والطوائف بحرب في ما بينها، من أجل أن تبقى اسرائيل دولة يهوديّة مرتاحة على وضعها، ولا أحد عند العرب يطالب بما يضرها.

لأنهم أقليّة

لماذا هذا الاستهداف الدائم للمسيحيين في الشرق الأوسط؟ يجيب سلهب لأنهم أقليّة، واليوم أصبحوا ضعفاء، إن كان في الإدارة أو الحكم أو السياسة، والضعيف دائمًا مُستهدف أكثر من غيره، ولا نزال نسبيًا صامدين إذا ما قارنا أنفسنا ببعض الدول العربيّة، لا يزال مسيحيو لبنان يتمتعون بمراكز في الإدارة والقرار السياسي ولا نزال نتعاطى بأمورنا السياسيّة، بينما في دول أخرى الأقلية المسيحيّة لا تتعاطى بأي شأن سياسي، ولا يُنتخبون بل يتم تعيينهم، وهذا يعني ألا حقوق مدنية لهم مكتسبة بالحد الأدنى، لذلك نشهد أن الأقليات المسيحيّة في المشرق العربي هي التي تدفع الثمن في البدء.

وفي ظل غياب أي دعم غربي لمسيحيي المشرق يرى سلهب أن دول الغرب لا يهمها سوى مصالحها الآنية، من هنا لا يمكن الاتكال على الغرب والقول إنه سيحمينا كمسيحيين، إذا استطعنا وضع أنفسنا بموقع يكون للغرب مصلحة فيه، عندها يهتم الغرب بنا، وحتى الآن لم نضع أنفسنا بموقع يكون الغرب بحاجة إلينا اقتصاديًا ولهم مصالح عندنا.

هل يبقى المسيحي مستضعفًا في الشرق؟ يرى سلهب أن الأمر يعود إلى كيفية تصرّف المسيحيين في لبنان خصوصًا، إذا عرفنا تثبيت موقعنا في البلد، من الممكن أن يكون لبنان مرآة لسائر الدول، من خلال أخذ لبنان نموذجًا كي يعود مسيحيو المشرق لمواقعهم ونفوذهم.
&